من يقف خلف الدعوة الغريبة والمفاجئة لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية؟

السبت 15 ديسمبر 2018 - 16:29 بتوقيت غرينتش
من يقف خلف الدعوة الغريبة والمفاجئة لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية؟

سوريا _ الكوثر: قليلون سمعوا بـ"البرلمان العربي"، أو بدوره، أو مقره، أو وظيفته، لأنه تجميع "غير متجانس"، لأعضاء من "برلمانات" عربية أغلبيتها الساحقة غير منتخبة، وتمثل حكوماتها الأوتوقراطية، وحتماً ليس شعوبها، فهذا البرلمان لا يخرج عن كونه مكاناً مريحاً للتقاعد، وبرواتب وامتيازات مجزية، لبعض المحظوظين المقربين من حكوماتهم، وحاله حال الجامعة العربية ومؤسساتها وموظفيها كباراً وصغاراً.

ما ذكرنا بهذا "البرلمان العربي"، ودفعنا للكتابة عنه في هذه الزاوية، رغم الأحداث الأكثر أهمية التي تجتاح وطننا العربي هذه الأيام، هو البيان "المغمغم" الذي صدر عنه يوم أمس (أي البرلمان) ويتضمن دعوة للجامعة العربية وأمينها العام للتحرك فوراً لإعادة سوريا إلى العمل العربي المشترك بعد سبع سنوات عجاف من قرار تعليق أنشطتها وتجميد عضويتها في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2011، وانحراف هذه الجامعة بالتالي عن الحد الأدنى من دورها الوطني المنوط بها، وتحولها إلى أداة طيعة في خدمة مخططات التفتيت الاستعماري الغربية.

***

لا نعتقد أن هذه "الصحوة" المفاجئة، التي جاءت بعد سبات عميق امتد لسنوات، جاءت بمحض الصدفة، ونتيجة لتحرك ضمائر أعضاء البرلمان العربي ورئيسه، ولا بد أن الجهات التي تبارى أعضاؤها في اجتماعات الجامعة في المزايدة على بعضهم البعض، في المطالبة بتجميد عضوية سوريا، وقبلها ليبيا، والعراق، أدركت أن مشروعها في تغيير النظام في دمشق، وتفتيت الدولة السورية، في إطار مخطط أمريكي، قد فشل، وأن سوريا الجديدة القوية تخرج بشكل متسارع من بين أنقاض المؤامرة أكثر صلابة لتستعيد دورها العربي الإقليمي في إطار "تحول" غير مسبوق في الرأي العام العربي لصالحها.

هناك عدة أسئلة تطرح نفسها بقوة في هذا الإطار:

ـ الأول: كيف ستتم هذه العودة، بجرة قلم، وبتبويس اللحى، ووفق نظرية "عفا الله عما سلف" مثلاً؟

ـ الثاني: هل ستقبل القيادة، والشعب السوري، العودة إلى جامعة عربية ارتكبت خطيئة كبرى عندما اتخذت قرار التجميد في وقت حرج كانت الدولة السورية تواجه حرباً ضروساً مسنودة بآلاف المسلحين، وعشرات، بل ربما مئات المليارات، وبإشراف أمريكي؟

ـ الثالث: هل ستعترف الدول الرئيسية التي شاركت في هذه المؤامرة، ووظفت امبراطورياتها الإعلامية وملياراتها، بخطئها وتعتذر علناً؟ وتقدم التعويضات مجبرة، وليس تكرماً، للشعب السوري بالقدر نفسه الذي أنفقته في عمليات التخريب والقتل والدمار، إن لم يكن أكثر؟

ـ الرابع: هل تستحق الجامعة العربية في ظل حالة التهميش التي تعيشها حاليا، وانكماش دورها، والازدراء الذي تواجهه في أوساط الشعوب العربية، أن تعود إليها سوريا، وماذا تستفيد من هذه العودة؟

***

لا نملك أي إجابات عن هذه الأسئلة، منفردة أو مجتمعة، ولا نعتقد أن السيد أحمد أبو الغيط، كبير موظفي هذه المنظمة الإقليمية التي تعيش حالة من الترهل و"الاحتضار" حاليا يملك الإجابة أيضاً، ولا نعتقد أن القيادة والشعب السوري معاً، لا ينامان الليل "أرقاً" بسبب عدم تمثل بلادهم في هذه الجامعة.

الدعوة لاستعادة سوريا مكانتها في الجامعة العربية جاءت ليس حرصاً عليها، وإنما لإنقاذ العمل العربي المشترك "المهلهل"، وإضفاء طابع وطني عروبي عليه، بعد أن فشلت، بل وانهزمت كل المشاريع البديلة الأخرى المدعومة أمريكيا وإسرائيليا، وللتغطية على أعمال التطبيع المتسارعة مع دولة الاحتلال.

التوقيت لافت أيضاً، فهذه الدعوة تأتي في وقت تنهمك فيه الدول الغربية على إعادة ترميم سفاراتها في دمشق، تمهيداً لإعادة فتحها واستعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدولة السورية، اعترافاً بخروجها متعافية من ركام الحرب والمؤامرة.

عودة سوريا إلى الجامعة إذا تمت، يجب أن لا تكون مجانية، ومتسرعة، فجرح "إهانة" الخروج، أو الإخراج، ما زال طريا نازفاً ومؤلماً، والمطلوب ما هو أكثر من اعتذار، وأكثر من تعويض مالي، ولا نعتقد أن هذه الحقائق تغيب عن ذهن الدولة السورية وشعبها وقيادتها، فالمسألة أولويات، لا أكثر ولا أقل.

* عبد الباري عطوان