دولة قطر “مُغرَمةٌ” دائِمًا بالمُفاجَآت وتَصَدُّر العَناوين الرئيسيّة في الصُّحُف ونَشَرات الأخبار التِّلفزيونيّة، وآخِر مُفاجآتِها، الإعلان صباح اليوم (أمس الاثنين) عَن عَزمِها الانسحابَ مِن مُنظَّمة الدُّوَل المُصَدِّرة للنِّفط “أوبِك” التي انضَمَّت إلى عُضويّتها عام 1961، أيّ لنَحوِ ستّةِ عُقودٍ، اعتِبارًا مِن شَهر كانون الثّاني (يناير) المُقبِل.
السيد سعد شريدة الكعبي، وزير الدَّولة القَطريّ لشُؤون الطَّاقة، أعلَن هذا القرار في مُؤتمرٍ صِحافيٍّ عَقَده صَباح الاثنين، وقَبل يومين مِن اجتماع وُزَراء نِفط المُنظَّمة (أوبِك) في فيينا يَوميّ الخميس والجمعة القادِمَين لوَضعِ استراتيجيّةٍ جَديدةٍ تتضمَّن تَخفيضَ حِصَص الإنتاجِ بحَواليّ 5 بالمِئة، لوَقفِ انهِيار الأسعار التي انخَفَضت بنِسْبةِ 30 بالمِئة في الأسابيع الأخيرة، ووصَلت إلى أقَلِّ مِن 60 دولارًا للبَرميل بعد أن بَلَغَتْ 86 دُولارًا في شَهرِ تشرين أوّل (أكتوبر) الماضِي.
الوزير الكعبي قال إنّ القرار ليسَ سِياسيًّا، وإنّما للتَّركيزِ على إنتاجِ الغازِ المُسيل الذي تُعتَبر دولة قطر أكبَر مُصَدِّرٍ لهُ في العالم حيثُ وصَلَت صادِراتها إلى 77 مِليون طُن سَنَويًّا، وتُريد رَفعَها إلى 110 أطنان في حُدودِ عام 2024.
لا نَعتقِد أنّ هذا التَّبرير لقرارِ الانسحاب سيُقْنِع الكَثيرين، سواء داخِل “أوبِك” أو خارِجها، فالعُضويّة داخِل المُنَظَّمة التي لَعِبَت قطر دَوْرًا نَشِطًا فيها مُنْذُ عام 1961 رُغمَ كَونِها الأصغَر فيها (إنتاجها الحاليّ 600 ألف بَرميل يَوميًّا) لا يُعيقُ تَطويرَها لحُقولِها الغازيّة وزِيادَة صادِراتِها بالتَّالي.
القَرار سِياسيٌّ بامتِياز، ويَجِب النَّظر إليه في ظِل التَّوتُّر الكبير في عَلاقاتِها مع المملكة السعوديّة، والحَرب الإعلاميّة المُتصاعِدة بينَهُما مُنذ فَرضِ الأخيرة وحُلفائِها (الإمارات، مِصر، والبَحرين) حِصارًا على قطر قبْل أكثَر مِن عام، وتَقديمها للائحة تَضُم 13 شَرطًا لا بُد مِن الاستجابة لها لرَفعِ الحِصار على رأسِها إغلاق قناة “الجزيرة”، ووقْفِ دعم “الإرهاب”، وإنهاءِ العَلاقة مَع حركة “الإخوان المُسلمين”.
ويَرى السيد عبد الصمد العوضي، الخَبير الكُويتيّ العالميّ في شُؤون الطَّاقة، الذي مَثَّل بلاده في مُنظَّمَة “أوبِك” لمُدَّة 21 عامًا، أنّ قرار الانسِحاب القطريّ هو قرارٌ احتجاجيٌّ بالدَّرجةِ الأُولى، وقال لـ”رأي اليوم” أنّ دولة قطر باتَت تَشعُر أنّ هُناك ثلاث دُوَل تُسيطِر على أسواق الطّاقة وأسعارِها حاليًّا هِيَ المملكة السعوديّة وروسيا وأمريكا الأمر الذي أدَّى إلى تَراجُع دَوْر مُنظَّمَة “أوبِك” في هذا المِضْمار.
هُناك سُؤالان مَطروحان بقُوَّةٍ على ضُوءِ هذا القَرار القَطريّ: الأوّل، عمّا إذا كان سيُؤدِّي إلى انْسِحابِ دُوَلٍ أُخْرى، وللأَسباب نَفسِها؟ أمّا الثّاني، فيَدور حول عدم انسِحاب إيران التي تُعتَبر مِن أكثَر المُتَضَرِّرين مِن المملكة السعوديّة وسِياساتِها المُتَمَثِّلة في العَمَل مع أمريكا لخَفْضِ أسعار النِّفط، بضَخْ أكثَر مِن مِليون برميل في الأسواق العالميّة لإغراقِ الأسواق، وخَلْقِ فائِضٍ كَبيرٍ يُؤدِّي إلى انخِفاضِ الأسعار، ممّا يَنْعَكِس سَلْبًا على العَوائِد الإيرانيّة ويَزيدُ مِن أخْطارِ الحِصار؟
انْسِحاب قطر مِن مُنَظَّمَة “أوبِك” ليسَ السَّابِقة الأُولى على أيِّ حال، فقَد أقدَمَت على الخُطوةِ نَفْسِها أندونيسيا عام 2008، ولكنّها عادَت إليها، ولا نَعْرِف ما إذا كانَ الانسحابُ القَطريّ مُؤَقَّتًا أمْ نِهائيًّا على أيِّ حالٍ.
مصادر خليجيّة تحدَّثت إليها “رأي اليوم” لا تَسْتبعِد أن تُقدِم دولة قطر على خُطوةٍ أكبَر في الأيّام المُقبِلة، أي إعلان انسِحابِها مِن مجلس التَّعاون الخليجيّ الذي ستُعقَد قمّته المُقبِلة السَّنويّة الأحد المُقبل في الرياض، فحتّى هَذهِ اللَّحظة لم تُعْلِن دولة قطر عَن مُشارَكتها فيها، وما إذا كانَ الأمير تميم بن حمد آل ثاني سيَرأسْ وَفْدَها إلى القِمّة.
انْسِحاب قطر مِن مُنَظَّمة “أوبِك” قد لا يُؤدِّي إلى انهِيارَها بسَببِ دَورِها المَحدودِ فيها، لكنّ الوَضع قد يَكونُ مُخْتَلِفًا إذا ما قرَّرت الانسحاب مِن مجلس التَّعاون الخَليجيّ الذي يُعانِي مِن الانقِساماتِ الحادّةِ حاليًّا.. والكُويت أعْلَم!!
“رأي اليوم”