ما معنى "حفت الجنة بالمكاره"؟

الأحد 18 نوفمبر 2018 - 10:16 بتوقيت غرينتش
ما معنى "حفت الجنة بالمكاره"؟

أفكار ورؤى – الكوثر: وردت أحاديث حول مسائل متنوّعة تحمل الكثير من المفاهيم والدلالات، ومن هذه الأحاديث: "حفَّت الجنّة بالمكاره، وحفَّت النار بالشّهوات".

 

ومعنى الحفّ لغةً: حفَّ من حول الشَّيء: أحاط به. حَفَّ النَّاسُ بِالوَلَدِ التَّائِهِ: تَحَلَّقُوا حَوْلَهُ، أَحَاطُوا بِهِ...

 

و"حفّت الجنّة"، أي أنّها أحيطت، لنيلها والدخول إلى ساحتها، بمكاره كثيرة لا بدّ للإنسان من أن يتحمَّلها، فهي لا تنال بسهولة، بل بالمجاهدة والتعب والعمل الصّالح. والإنسان بطبعه يميل إلى الدّعة والتخامل والتّثاقل من الواجبات والمسؤوليَّات، ويطلب الشّيء من دون مقابل وعناء، وهذا لا ينطبق على الجنَّة، وهي دار الله تعالى، جعلها للصَّالحين العاملين المخلصين الذين يستحقّونها بصبرهم، وبتحمّلهم للمكاره والتحدّيات والضّغوطات، حتّى إذا تحمَّلوا وأثبتوا إخلاصهم، ولم تفتنهم الدنيا بمفاتنها، ولم ينسحقوا أمام زينتها، استحقّوا جنة الله.

 

والنار قد أحيطت بالشَّهوات، بمعنى أنَّ الطريق إليها مزروع بالشَّهوات المحرَّمة والمنحرفة التي يميل الإنسان بطبعه وغرائزه إليها، ويحبّها ويفضِّلها ويشتهيها، فتقوده إلى الوقوع في المفاسد، وسلوك درب المهالك الذي يؤدّي به أخيراً إلى النار وسخط الله تعالى.

 

ولقد أشار إلى معنى هذا الحديث، العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رض)، بقوله : "معناه أنَّ الإنسان يشتهي ويميل إلى ما حُرِّم عليه، ولذا، فإنّ فعله لها وارتكاب الحرام سيؤدّي به إلى النار، أما الواجبات، فهي ثقيلة عليه ومكروهة له، وإذا فعلها فسيدخل الجنة، ومعنى حُفَّت: أُحيطت".[سؤال وجواب].

 

قال النووي: "في اللّفظ "حفَّت"، قال العلماء: هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها (ص) من التمثيل الحسن، ومعناه: لا يوصل إلى الجنّة إلا بارتكاب المكاره، والنار بالشّهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنّة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشّهوات، فأما المكاره، فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصّبر على مشاقها، وكظم الغيظ والعفو الحلم والصدقة، والإحسان إلى المسيء، والصّبر عن الشهوات، ونحو ذلك، وأما الشهوات التي النار محفوفة بها، فالظاهر أنها الشهوات المحرَّمة، كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبيّة واستعمال الملاهي ونحو ذلك، وأمّا الشّهوات المباحة، فلا تدخل في هذه، لكن يكره الإكثار منها مخافة أن يجرّ إلى المحرّمة، أو يقسو القلب أو ينشغل عن الطاعات، أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا للصرف فيها". [تفسير النووي].

 

فلنتحلّ بالصّبر والحلم وسعة الأفق، ونتحمّل المشاق والمكاره، في سبيل الحصول على الكرامة والنعيم والجنان، حيث المستقرّ والخلود، ولنبتعد عن كلّ نزوات وأهواء مضلّة ومنحرفة، فالجنّة تستحقّ منا الكثير من الصّبر والتحمّل، لأنّ ما بعدها هو النعيم، وكما حدّثنا رسول الله (ص): "اللّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة".

محمد عبدالله فضل الله

المصدر: موقع بينات