بسم الله الرحمن الرحيم
حل علينا شهرا جديدا وضيفا كريما وهو شهر صفر الخير ان شاء الله سبحانه , لكن الغريب حقا والملفت للنظر هو اشتهار هذا الشهر بالنحوسة بين الناس وبين بعض اهل العلم ايضا فهل هذا الاشتهار صحيح ام لا؟ وكذلك يعتقد الناس بلزوم التصدق عن كل فرد ويروون صلاة في آخر اربعاء من هذا الشهر. فهل هذا صحيح؟
اقول وعلى بركة الله هذا المشهور مما لا اصل له فلا يجوز اعتبار هذا الشئ من الدين اصلا. وليس فيه روايات صحيحة السند بل اسانيدها ضعيفة بل وموضوعة كما يحدثنا الشيخ محمد صنقور فيقول (وردت روايات كثيرة عن الرسول الكريم وأهل بيته (ع) تنسب النحس والشؤم لبعض الأيام والشهور إلا أن هذه الروايات على كثرتها إما أن تكون ضعيفة السند بل في أشد مراتب الضعف، وإما أن تكون موضوعة اختلقها بعض الكذابين ونسبها للرسول (ص) أو أحد الأئمة من أهل البيت عليهم السلام).
نعم التصدق حسَنٌ لكنه ليس مختصا بشهر صفر بل في كل يوم من ايام السنة, نعم ان الروايات التي ذكرت النحوسة ليوم ما لكونه فيه مناسبة مؤلمة كوفاة نبي او ولي من الاولياء والافراح كذلك لكن كون يوم ما او شهر ما يتصف بالنحوسة فهذا مما لا دليل عليه.
وجدت في استفتاء موجه الى المرجع الراحل السيد الشاهرودي هذا نصه:
سوال :ثمة نقولات يتداولها الناس يرون أنها قد وردت عن أهل البيت (ع) ، وحاصل هذه النقولات هي أن شهر صفر شهرٌ منحوس مشئوم تتنزل فيه البلايا والمحن على الناس ، وإن اندفاع هذه البلايا لا يكون إلا بالتصدق على الفقراء عن كل فرد بسبع قطع من النقود ، ويتناقلون فيما بينهم صلواتٌ مخصوصة بآخر أربعاء من شهر صفر ، ويرون أن الإلتزام بها يدفع البلاء إلى شهر صفرٍ من السَّنة القادمة . - ما رأيكم في هذه المسألة ؟
جواب :بسمه تعالى: الصدقات و الادعية تدفع البلايا و المحن و لادليل علي نحوسة شهر صفر. انتهى
يقول سماحة السيد هاشم الهاشمي(اشتهار شهر صفر بالنحوسة أمر لا أساس له في روايات أهل البيت (ع)، فلم تشر أي رواية إلى ذلك، وإنما الأساس في ذلك هو ما اشتهر بين الناس، ورب مشهور لا أصل له.
كما لم يشر علماء الطائفة ممن اهتم بتصنيف الكتب المخصصة لأعمال الشهور والأيام إلى ورود أي شيء بخصوص نحوسة شهر صفر، فلا إشارة لذلك في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي أو إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس أو البلد الأمين للكفعمي.
بل نجد العشرات من مراجعنا وعلمائنا الكبار عندما ينتهون من تصنيف كتاب أو يفرغون من الإجابة على سؤال أنهم يذكرون تاريخ الانتهاء والفراغ، وعندما يكون في شهر صفر يكتبون عبارة: (صفر الخير)، والظاهر أن سبب وصفهم له بالخير هو دفع ما ارتكز في كثير من الأذهان من أنه شهر النحوسة والشؤم. (راجع على سبيل المثال: إجازة علي بن عبد العالي الكركي المكتوبة في 11 صفر الخير سنة 928ه في بحار الأنوار ج105 ص59، ومقدمة السيد المرعشي لمقدمة الجزء 14 من إحقاق الحق والمكتوبة في 22 صفر الخير 1398ه).
نعم يبقى امر واحد فقد ذكر نحوسة شهر صفر الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان لكنه قدس سره لم يذكر السبب أو الدليل نعم قد ذكر قدس سره بعض الاسباب في كتابه وقائع الأيام فقال:
"اعلم أن هذا الشهر عرف بالشؤم، ربما كان السبب وقوع وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الشهر، يوم الأثنين، وربما كان الشؤم بسبب وقوع شهر صفر بعد ثلاثة من الأشهر الحرم حيث حرّم الله فيها القتال، وقد سُمِح لهم بالقتال في هذا الشهر، فكان الناس يتركون بيوتهم ويتأهبون للحرب، وهذا مدعاة للشؤم". (وقائع الأيام ص185) لكن في الجواب يقول السيد هاشم الهاشمي (هذان الوجهان مردودان ولا ينفعان في تأسيس الشؤم وإثباته لأنه ذكرهما على نحو الاحتمال الظني الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ولأن نفس الاحتمالين ضعيفان.
أما الاقتران بوفاة النبي (ص) فلا يجعل الشهر كله ذا شؤم بل يجعله مقرونا بالحزن، فشهادة أمير المؤمنين (ع) كانت في شهر رمضان المبارك وكذلك شهادة بقية المعصومين وقعت في أشهر مختلفة لم يرد فيها أنها أشهر شؤم ونحوسة.
أما وقوعه بعد الأشهر الحرم فهذه قضية خارجية لا علاقة لها بالشهر نفسه، وهو تبع لطبيعة المجتمعات في الأزمنة المختلفة، فقد يكون منشأ شؤم لأجل الحرب بالنسبة لبعض العرب في الجاهلية، وقد لا يكون كذلك لأقوام آخرين من العرب في ذلك الوقت أو في أوقات أخرى، كما قد لا يكون كذلك لغير العرب.
اما دفع النحوسة فليس مختصا بشهر صفر وهذه رواية ينقلها الشيخ الصدوق تدل بوضوح على امرٍ يدفع البلاء من جمعة الى أخرى في ايِ شهر كانت هذه الجمعة فقد روي عن رسول الله (ص): من قرأ في دبر صلاة الجمعة بفاتحة الكتاب مرة و(قل هو الله أحد) سبع مرات، وفاتحة الكتاب مرة و(قل أعوذ برب الفلق) سبع مرات وفاتحة الكتاب مرة و(قل أعوذ برب الناس) سبع مرات لم تنزل به بلية، ولم تصبه فتنة إلى يوم الجمعة الأخرى». (الأمالي ص406 المجلس 53 ح2)
يجب ان يعلم الجميع ان التشاؤم مذموم وغير صحيح اطلاقا وهو من اخلاق الجاهلية وقد حاربه الائمة عليهم السلام والقرآن الكريم.
قال تعالى: ï´؟فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَï´¾(الاعراف 131)، وهذه الآية المباركة تعبِّر عن أن التشاؤم والتطيُّر لم يكن عرب الجاهلية يختصون به بل كان سائدا في أوساط مجتمعات سبقتهم. وورد عن الرسول الكريم (ص) أنه قال: "ليس منا مَن تطيَّر أو تُطيِّر له أو تكهّن أو تُكُهِّن له سحر أو سُحِر له".
وورد عن الإمام الرضا (ع) أنَّه سُئل: عن الخروج يوم الأربعاء لا يدور، أي آخر أربعاء من الشهر فقال (ع): "من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافًا على أهل الطيرة وُقيَ من كلِّ آفة وعوفي من كل عاهة وقضى الله له حاجته". فمفاد هذه الرواية هو التحريض على تحدي هذه الثقافة ووعد من تمرَّد عليها بالوقاية من الآهات والمعافاة من الآفات والتوفيق لقضاء الحاجات. والله اعلم والحمد لله رب العالمين .