نقول في جواب هذا التساؤل إن البكاء على أقسام و لكل قسم دلالة معينة، فمن البكاء ما هو بسبب الخوف و الضعف و طلب الرحمة و الشفقة و قطعاً هذا النوع من البكاء لا يليق بسيد الشهداء و أبي الأحرار الامام الحسين عليه السلام.
و من البكاء ما هو نتيجة الفرح و الانتصار و الفوز، و البكاء على الحسين عليه السلام ليس من هذا النوع.
و من البكاء ما هو بسبب الحزن على المظلوم و المواساة معه و استنكار في وجه الظلم، و أيضاً تعبير عن مساندة صادقة منبثقة عن عقيدة و رؤية راسخة في الاعماق لصاحب الحق و الوقوف إلى جانبه، و البكاء على الحسين عليه السلام إنما هو من هذا القبيل.
هذا مضافاً إلى أن البكاء اذا كان بدافع دعم قضية و مبايعة للحق فهو من أعظم الأعمال التي يؤجر الإنسان عليها، و هذا النوع من البكاء عمل صالح و سلاح فاعل بل عمل جهادي يصب في نصرة المظلوم و لمثل هذا العمل ثواب عظيم، و لذلك نجد هناك روايات كثيرة مأثورة عن أهل البيت عليهم السلام تبين ثواب البكاء على الحسين عليه السلام.
ثواب البكاء على مصائب الحسين و اهل البيت
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ 1 عليه السلام أنَّهُ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام يَقُولُ: "أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍ عليه السلام دَمْعَةً حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يَسْكُنُهَا أَحْقَاباً.
وَ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ فِينَا ــ لِأَذًى مَسَّنَا مِنْ عَدُوِّنَا فِي الدُّنْيَا ــ بَوَّأَهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ مُبَوَّأَ صِدْقٍ.
وَ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَسَّهُ أَذًى فِينَا فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى تَسِيلَ عَلَى خَدِّهِ مِنْ مَضَاضَةِ مَا أُوذِيَ فِينَا صَرَفَ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ الْأَذَى وَ آمَنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَخَطِهِ وَ النَّارِ" 2.
هذا و لقد شجع رسول الله صلى الله عليه و آله المسلمين على البكاء على حمزة سيد الشهداء حيث قال : إن حمزة لا بواكي له.
و السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام أخذت قبضة من تراب قبر النبي صلى الله عليه و آله فوضعتها على عينها ثم قالت:
ماذا على من شم تربة أحمد *** أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها *** صبت على الأيـام صرن لياليا
فقول رسول الله صلى الله عليه و آله و فعل سيدة نساء العالمين دليل على لزوم تسجيل المواقف في نصرة المظلوم بالسبل المختلفة و التي منها البكاء و الحزن و إن كان شهيداً أو نبياً ذا منزلة فريدة.
المراجع:
1. أي الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السَّلام)، خامس أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
2. كامل الزيارات: الطعبة الأولى، النجف الأشرف/العراق.