السر وراء تمتع الجزائر بعلاقة قوية مع إيران رغم اعتراض جيرانها

الخميس 27 سبتمبر 2018 - 09:08 بتوقيت غرينتش
السر وراء تمتع الجزائر بعلاقة قوية مع إيران رغم اعتراض جيرانها

مقالات - الكوثر: إذا نظرنا إلى العلاقات الجزائرية الإيرانية اليوم، نجد توافقًا واضحًا في مواقف البلدين تجاه الكثير من الأحداث الدولية خلال السنوات الأخيرة، كما نجد تطورًا مهمًا في الاستثمارات الإيرانية في الجزائر، ويرجع ذلك –حسب المراقبين– إلى تاريخٍ طويل في العلاقة بين طهران والجزائر، تميّز في فتراتٍ طويلة بالتقارب، كما لم تسلم هذه العلاقات من الفتور والجفاء وصل في بعض المحطات إلى انقطلاعٍ كليّ للعلاقات.

بينما تشتكي تركيا ممّا سماها أردوغان «حربًا اقتصاديةً معلنةً من طرف الولايات المتحدة الأمريكية»، أعادت أمريكا فرض عقوباتها المجمدة على طهران والتي كانت قد ألغتها بعد الاتفاق النووي مع الإدارة الأمريكية السابقة سنة 2015، كما هدّد الرئيس ترامب الدول التي تتعاون مع طهران بقطع العلاقات الاقتصادية معها أيضًا، لتواصل تأزيم العلاقات الدولية خصوصًا بعد فرضها عقوبات على روسيا وإعلانها حربًا تجارية على الصين.

وبعيدًا عن تركيا وروسيا والصين التي أعلنت موقفها مباشرةً من علاقاتها الاقتصادية مع إيران، كان العراق إحدى أبرز حلفاء إيران في الشرق الأوسط، أوّل الدول التي تغيّر سياساتها تجاه طهران، بعد أن أعلن المتحدث الرسمي لرئيس الحكومة العراقية، سعد الحديثي، بأن العراق سيكون مضطرًا إلى التخلّي عن الدولار في الحسابات التجارية مع إيران، في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران.

في ذات الوقت، لدى إيران حليف قويّ في شمال أفريقيا، إذ عرفت العلاقات الإيرانية الجزائريّة تقاربًا نادرًا بدأ في عصر الشاه وحتى بعد الثورة الإيرانية، كما تشهد العلاقة بين طهران والجزائر تطابقًا في الآراء في عدّة قضايا دولية؛ بالأخص في قضيتي سوريا واليمن. في الأسطر التالية نضعك عن قرب عند العلاقات الإيرانية الجزائرية ومستقبلها، في ضوء العقوبات الأمريكية الجديدة المفروضة على إيران.

العلاقات الإيرانية الجزائرية.. بين قطيعةٍ مؤقتة وتوافقٍ تام

إذا نظرنا إلى العلاقات الجزائرية الإيرانية اليوم، نجد توافقًا واضحًا في مواقف البلدين تجاه الكثير من الأحداث الدولية خلال السنوات الأخيرة، كما نجد تطورًا مهمًا في الاستثمارات الإيرانية في الجزائر، ويرجع ذلك –حسب المراقبين– إلى تاريخٍ طويل في العلاقة بين طهران والجزائر، تميّز في فتراتٍ طويلة بالتقارب، كما لم تسلم هذه العلاقات من الفتور والجفاء وصل في بعض المحطات إلى انقطلاعٍ كليّ للعلاقات.

وعند الاستفاضة في سرد تاريخ العلاقة بين إيران والجزائر، نجد أنّ طهران كانت من بين أوائل الدول التي اعترفت باستقلال الجزائر عن الاحتلال الفرنسي سنة 1962، كما فتحت سفارةً لها في الجزائر سنة 1963، وهي الخطوة التي ردّتها الجزائر سنة 1966 بافتتاحها هي الأخرى سفارتها في طهران لتبدأ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين طيلة خمسة عقودٍ، كانت أولى ثمراتها الوساطة الجزائرية بين العراق وإيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي في الصراع الحدودي بشأن شط العرب.

أسفرت الوساطة الجزائرية في عهد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين عن عقد اتفاقية الجزائر سنة 1975، واستمرّت جهود الجزائر في الوساطة مع حليفتها إيران؛ رغم تغيير النظام وسقوط الشاه محمد رضا بهلوي وانتصار الثورة الإيرانية، وذلك بعد اندلاع أزمة الرهائن الأمريكية في طهران 1981، والتي نجحت الوساطة الجزائرية في إيجاد حلٍ سلميٍ للأزمة. ولعلّ أبرز منعطف في تاريخ العلاقات بين البلدين كان رعاية الجزائر للمصالح الإيرانية في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد قطع الأخيرة لعلاقتها مع إيران بعد الثورة الإسلامية.

في عقد الثمانينات حافظت العلاقات الجزائرية الإيرانية على عهدها، وتواصلت في إشراك الجزائر باعتبارها وسيطًا في مختلف القضايا والأزمات التي كانت طهران جزءًا فيها، وهذا ما حدث في حرب الخليج( الفارسي ) الأولى بين العراق وإيران، والتي توسطت فيها الجزائر لإيقاف الحرب سنة 1988.

عقود العسل في العلاقات بين الجزائر وطهران اصطدمت بجدار التغيير الذي حدث في الجزائر سنة 1991، بعد إيقاف الجيش للمسار الديمواقراطي في البلاد إثر فوز الإسلاميين بالانتخابات البرلمانية، إذ رأى النظام حينها أن طهران ترى فيها فرصةً لتصدير ثورتها إلى الجزائر عن طريق دعم الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة حسب رئيس الوزراء الجزائري السابق غزالي، لتعلن الجزائر عن قطعها للعلاقات مع إيران سنة 1993، بتهمة تدعيم طهران لما سمته الحكومة الجزائرية بـ«الإرهاب» في الجزائر.

استمرت القطيعة لسنوات، حتى قدوم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للحكم سنة 1999؛ لتعود العلاقات الجزائرية الإيرانية إلى سابق عهدها سنة 2003 بزيارة رسمية من بوتفليقة إلى إيران، أعقبتها زيارةٌ للرئيس الإيراني محمد خاتمي للجزائر سنة 2004، والتي كانت بمثابة الزيارة الأولى لرئيسٍ إيراني للجزائر، وجاءت تتويجًا لمساعي البلدين لطي صفحة التوتر والقطيعة التي طبعت العلاقات الثنائية لأكثر من عشرة سنوات. وشهدت العلاقات بين البلدين تطورًا كبيرًا بعد وصول الرئيس أحمدي نجاد إلى سدّة الحكم، فقد قام بعدّة زيارات للجزائر، كان آخرها في سبتمبر 2010 بعد زيارته لسوريا، في إشارة إلى وجود تنسيقٍ كبير بين العواصم الثلاثة: طهران ودمشق والجزائر.

ومع دخول المنطقة العربية مرحلةً جديدة بعد موجة الربيع العربي، كان النظام الجزائري متخوّفًا من هذه التغييرات السياسيّة الكبيرة التي تعصف بدول المنطقة، كان أقربها في الجارتين الشرقيّتين تونس وليبيا بسقوط نظام بن علي والقذّافي، وهذا ما جعلها تتخذ مواقف سلبية من الربيع العربي باعتباره أداةً لضرب الدول المقاومة والحليفة لها. هذا الموقف وجد تطابقًا مع الموقف الإيراني في الشأن السوري بالذات، وقد تعرّضت لانتقادات الجزائر بسبب إعلان موقفها بالوقوف إلى جانب النظام السوري في معركته ضدّ ما سماه وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة بـ«الارهاب»، كما رفضت الجزائر الانضمام إلى الحلف الذي تقوده السعودية –إحدى خصوم طهران- في حربها ضد الحوثيين، حلفاء إيران في اليمن.

الجزائر قريبة من إيران في قضية فلسطين وملفّ البترول

في حديث لـ«ساسة بوست» مع الدكتور ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، عن العلاقات الجزائرية الإيرانية في مرحلة الرئيس الجزائري بوتفليقة التي ازدهرت فيها العلاقات بين البلدين رغم الضغوط على الجزائر، قال جابي: «لا توجد سياسة خاصة إيرانية بالرئيس بوتفليقة، هي نفس الاستمرارية التي تحترم العمق الشعبي والثقافي الديني لهذه العلاقة؛ الجزائريون عمومًا لهم موقف إيجابي من الشعب الإيراني وثقافته ومواقفه الوطنية المؤيدة للشعوب المستضعفة، كدولة لها مواقف كانت دائمًا قريبة من الجزائر تعلق الأمر بقضية فلسطين والقضايا الاقتصادية مثل الملف البترولي، وهذا ما أكدته الدبلوماسية الجزائرية من إيران حتى أثناء المحن الكبرى كالحرب العراقية الإيرانية، مرحلة بوتفليقة هي استمرارية لهذا العمق وبالتالي ليس هناك جديد رغم الضغوط التي تتعرض لها الجزائر من محيطها العربي والدولي لإبعادها عن إيران».

أمّا الأكاديمي الإيراني الدكتور محمد علي ميرزائي، الأستاذ بجامعة طهران فيرى في العلاقة بين طهران والجزائر أنّه «تربط الجزائر بإيران قضايا جوهرية أساسية لن تهتز بالتحولات والتطورات السياسية ولن تتغير بالمواقف مهما بلغت هذه الأحداث، الثورة الجزائرية هي عمق الصحوة العربية الحقيقية لتحرير العقل العربي والأرض العربية من الاستعمار التاريخي».

وأضاف ميرزائي في حديثه مع «ساسة بوست»: «تربط إيران والجزائر هذه الثورة (التحريرية) والثورة الإسلامية الإيرانية اللتان تأسستا على مواجهة الاستعمار والإمبريالية العالمية، والنظامان الإيراني والجزائري متوافقان في تكوينهما وبنية سياستهما الاستراتيجية، الثورة الجزائرية عربيًا تمّ طمسها والتستر عليها ومحاولة وأدها، لأن العقل العربي السياسي اليوم متأثر بمدرستين رئيسيتين هما العلمانية والسلفية، وهما مدرستان في ظاهرهما متنافرتان متباينتان، ولكنهما تعملان كما المقراض على قطع فرص التطوير والتحرير والتعقيل والتخليق في العالم الإسلامي».

في سوريا واليمن.. الجزائر تفضّل «محور المقاومة» على عاصفة الحزم

في الوقت الذي كان فيه شارع الحبيب بورقيبة في تونس يمتلأ بالمتظاهرين والمناوئين لنظام زين العابدين بن علي، كانت شوارع دمشق وطهران هادئة إلّا من ازدحام السيارات، في تلك اللحظات كانت مدن جزائرية تنصهر غضبًا من الأوضاع الاقتصادية بعد رفع السلطات الجزائرية لأسعار بعض المواد الأساسية، في مشهدٍ كان ينبئ أن رياح التغيير التي هبّت على تونس نهاية سنة 2010 قد اتجهت غربًا نحو الجزائر، لكنها تفادت رياح الربيع العربي بأعجوبة. بعدها بأشهر قليلة ستندلع مظاهرات معارضة للنظام في سوريا، ليبدأ فصل جديد من فصول التوافق بين إيران والجزائر، والقضية ستكون الحرب في سوريا.

كان موقف الجزائر من الحرب في سوريا مساندًا للرئيس بشار الأسد؛ إذ يعدّ النظام الجزائري من الأنظمة النادرة التي دعمته أثناء الحرب السورية، ورفض التصويت بالقمم العربية للاعتراف بالمعارضة السورية باعتبارها ممثلًا شرعيًّا للشعب السوري. أمّا إيران فاختارت الدفاع عن الأسد بكل ما أوتيت من قوة، تارةً بإمداده بالسلاح، وتارةً بدعمه بالمقاتلين والمستشارين العسكريين. أمّا في اليمن فقد رفضت الجزائر دعوة السعودية لمشاركتها القتال في اليمن إلى صفها، ضمن تحالفٍ أنشأته لمحاربة الحوثيين، وهو الموقف الذي فُسّر بسبب العلاقة المتينة بين الجزائر وطهران، رغم تأكيد الجزائر على رفضها التدخل العسكري الأجنبي في أي بلدٍ كان، بما في ذلك مالي وليبيا.

انخفاض أسعار النفط يقرّب الجزائر بطهران أكثر

شهدت سنة 2014 بداية حربٍ غير تقليدية هذه المرّة، كان السلاح المستخدم فيها هو النفط، وكان المستهدف منها حسب المراقبين هي إيران وروسيا بالدرجة الأولى، بعد إعلان السعودية عن زيادة إنتاجها من النفط لتتهاوى أسعار النفط وتصل أسعاره إلى أدنى مستوياتها سنة 2015، مقاربةً حاجز 30 دولارًا للبرميل الواحد. وأمام هذه الأسعار المنخفضة، وجدت الجزائر نفسها أكثر المتضرّرين بعد دخولها في أزمة اقتصادية بداية من سنة 2014، كانت بادرتها إعلان الوزير الأوّل الجزائري عبد المالك سلال سنة 2014 عن إجراءات تقشّفيّة قاسية، وأمام هذا الوضع وضعت الجزائر يدها بيد إيران للتنسيق معًا للوقوف أمام خفض أسعار النفط.

وبحكم عضويتها في منظمة الدول المصدّرة للبترول، وكونها ثالث أكبر دولة في أفريقيا في إنتاج النفط الخام وتصديره، وكذلك أكبر دولة منتجة ومصدرة للغاز في القارة، عمدت الجزائر على التوسّط بين طهران والرياض لإقناعهم بخفض الإنتاج، سعيًا منها إلى رفع الأسعار من خلال اجتماع أوبك سنة 2016 بالجزائر، وهو ما نجحت فيه من خلال اتفاق أوبك بالجزائر.

وكانت وكالة الأنباء الإيرانية قد أعلنت عن أن وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه سيحضر اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة بين أوبك والمنتجين المستقلين، التي تتولى مراقبة مستوى الالتزام بالإنتاج، والمقرر عقده بالجزائر في سبتمبر (أيلول) القادم، والذي ترأسه السعودية. وتخشى إيران التي تعاني من عقوبات اقتصادية أمريكية، وصعوبات اقتصاديّة من سعي السعودية لتعديل حصص إنتاج منظمة أوبك، لذلك تنتظر دعمًا من الجزائر وروسيا اللتين تمتلكان عضوية في هذه اللجنة.

علاقات متينة رغم العقوبات الأمريكية وتذمّر المغرب

في السادس من أغسطس (آب) الجاري؛ وقّع الرئيس الأمريكي ترامب على قرارٍ رسميٍ بإعادة فرض العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، وقال عن الموضوع: «خطّة العمل المشتركة الشاملة فشلت في تحقيق الهدف الأساسي المتمثل في وقف كل الطرق المؤدية إلى صناعة قنبلة نووية إيرانية».

وبحكم العلاقات المتميزة التي تربطهما؛ تتوجه الأنظار إلى هذه العلاقة بين طهران والجزائر بعد العقوبات الأمريكية خصوصًا الاقتصادية منها، وتعود المصالح الاقتصادية بين البلدين إلى اللجنة الاقتصادية المشتركة التي عقدت أول اجتماع لها في يناير (كانون الثاني) 2003 في الجزائر، ووقّع البلدان من خلالها على عدّة مذكرات تفاهم شملت العديد من المجالات؛ واستمرت اللجنة في الدفع بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى الأمام، ففي فبراير (شباط) من سنة 2015 وقّع البلدان على خمس اتفاقيات تعاون في مختلف المجالات الاقتصادية لتعزيز الشراكة بين البلدين.

الشركات الإيرانية مستعدة للاستثمار في الجزائر

وخلال اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين نهاية سنة 2015؛ أعرب نائب الرئيس الإيراني السابق جهانغيري عن أن الجزائر توجد ضمن قائمة أهم الدول التي تنوي إيران تقوية علاقاتها الاقتصادية معها، وأن الشركات الإيرانية مستعدة للاستثمار في الجزائر، وهو ما دعا إليه كذلك الوزير الأول الجزائري وقتها عبد المالك سلال، الذي طالب بإقامة شركات مختلطة بين الطرفين لأجل الدخول إلى السوق الأفريقية، داعيًا رجال الأعمال الإيرانيين إلى الاستثمار في الجزائر، ليوقع البلدان في مايو (أيّار) 2016 على 19 مذكرة تفاهم 15 منها في مجال صناعة السيارات وقطع الغيار. وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين حسب السفير الايراني بالجزائر رضا العامري إلى حدود 30 مليون دولار سنويًا، متوقعًا ارتفاعه في الأشهر القادمة.

وتمتلك طهران استثمارات بالجزائر أهمها مصنع للسيارات للمجموعة الصناعية إيران خودرو، والمعروفة باسم «IKCO»، الذي يسعى للوصول إلى قدرة إنتاج سنوية تصل الى 25 ألف وحدة في غضون 2020، كما يعمل طاقم مشترك جزائري وإيراني على إنتاج أضخم فيلمٍ سينمائي جزائري تاريخي، ويتعلق الأمر بفيلم «أحمد باي» الذي انطلق العمل به قبل أسابيع، ورغم هذا التعاون الذي شمل عدّة مجالات؛ يعدّ ملف التشيع إلى جانب العقوبات الأمريكية من القضايا التي من المزمع أن تؤثر على مستقبل العلاقات بين طهران والجزائر.

وعن مستقبل العلاقات بين البلدين، يقول الباحث الإيراني محمد علي ميرزائي في حديثه مع «ساسة بوست» إنّ «الجزائر ليست دولةً مستباحة فاقدة للمرجعية السيادية حتى تنجح بعض الدول الغنية في المنطقة في أن تفرض عليهما موقفًا ضدّ إيران، فكرامة الشعوب واستقلاليتها وشرف الدول وسيادتها لا تباع ولا تشترى بالمال والتطبيع والتهديد، وأملنا في الجزائر شعبًا وحكومةً كبير وإلى الآن لم نجد غير العقلانية الاستراتيجية والحرص على الوحدة في الأمة من طرف الجزائر».

وأضاف ميرزائي: «ترامب وبعض الدول العربية في الخليج مستعدون لإحراق الدول بكل ما يملكون وجاهزون لإقامة عشريات سوداء كثيرة وإحراق الدول العربية التي لا تسير وفق أهوائهم، والجزائر تعرضت لضغوط كبيرة، ولكنها بقيت صاحبة الموقف المقاوم الصامد، وهذا يرجع حسب اعتقادي إلى روح الثورة الجزائرية، ولهذا لا يمكن أن يقاس الجزائر ببعض الدول الخليجية المتواضعة في كل شيء. ومن يتصور أن الجزائر ستتحول إلى جزء مباشر أو غير مباشر من صفقة ترامب الأمريكية السعودية الإسرائيلية أراه واهمًا».

المصالح الاقتصادية الإيرانية في الجزائر ليست محدودة

أمّا أستاذ الاجتماع السياسي ناصر جابي، فقال عن مستقبل العلاقات بين طهران والجزائر: «أظن أن المصالح الاقتصادية الإيرانية في الجزائر ليست محدودة، ولابد من مقاومة العجرفة الأمريكية التي لا زالت تعتقد أنها سيدة العالم وتعاقب وتمنع. الجزائر تقليديًا كانت دائمًا قريبة من كوبا رغم الحصار واستطاعت أن تقنع الأمريكيين بهذا. الجزائر يمكن أن تتخذ مواقف مستقلة ولا تتخذ بالضرورة ما تريد أن تمليه السياسة الأمريكية».

وأكّد جابي أنّه «لابد من العمل على تطوير العلاقات بين الشعبين الإيراني والجزائري في كل الميادين الاقتصادية والثقافية والجامعية، نحن في الجزائر في حاجة إلى التعرف أكثر على حضارة الشعب الإيراني وثقافته، وهناك مجالات واسعة للتعاون لا بد من تطويرها واستثمارها لصالح الشعبين اللذين يبقيان قريبان من بعضهما بعضًا ويحترمان بعضهما».

وشهدت العلاقة بين الجزائر وطهران مؤخرًا تطورًا لافتًا، بعد اتهام المغرب للسفارة الإيرانية بالجزائر بدعم جبهة البوليساريو وقطع المغرب لعلاقاته مع طهران، وهي الاتهامات التي رفضتها إيران والجزائر، واستدعت بسببها الجزائر السفير المغربي لديها للاحتجاج على إقحام المغرب لها في الأزمة مع إيران.

وعن الحادثة يقول ناصر جابي: «الدبلوماسية المغربية تريد أن تستغل فترة حكم ترامب للتقرب من خلال هذا الملف المفتعل من الادارة الأمريكية ومن السعودية ودول الخليج ( الفارسي ) من خلال هذه الادعاءات الكاذبة، وقد قامت بنفس الشيء مع كوبا عندما كانت تظنّ أن أمريكا ما زالت في عداوة مع كوبا وادّعت أن الكوبيين يسلّحون الصحراويين».

وأضاف جابي: «الأمريكيون والأوروبيون يعرفون أن ادعاءات المغرب كاذبة، وبالتالي لا يأخذونها بعين الاعتبار، ولا يمكن لهذه الادعاءات أن تبعد بين إيران والجزائر، فالجزائر تعرف ماذا يحصل على ترابها وعلى حدودها، وتعرف أنه ليس من مصلحة إيران القيام بنشاطات لا ترضى عليها على حدودها، أو من باب أولى على ترابها».  أمّا ميرزائي فأكدّ أن مصالح إيران مع الجزائر والمنطقة المغاربية تجعلها تنأى بنفسها عن الدخول في هذا الملف.

شفقنا - عبد القادر بن مسعود