ففَي الأولى يُواصِل الجيش العَربيّ السوريّ تَقدُّمه بِسُرعة في الجَبهة الجنوبيٍة، ويُعيد سِيادَة الدولة المَركزيّة على العَديد من القُرى والمَواقِع في ريف درعا والسويداء، وفي الثَّانِية، أي اليمن، أعلَنت دَولة الامارات العربيّة المتحدة التي تُشرِف على المَعارِك في مدينة الحديدة “مَوقِفًا مُؤقَّتًا” للعمليّة العسكريّة التي تَقودها للسَّيطرة على المِيناء اليَمني الأبْرَز لإفساح المَجال أمام جُهود مَبعوث الأُمم المتحدة مارتين عريفيث لتَسهيل عمليّة التَّسليم دُون شُروط”، وجاءت مُوافَقة المُسلَّحين في بُصرى الشَّام على الدُّخول في تَسوِيَة مع الحُكومة والسَّماح بدُخول الجَيش العرَبيّ السوريّ دون قِتال، أثناء كَتابَة هذهِ الافتتاحيّة، تأكيدًا مَيدانيًّا لِما نَقول.
عَودَة وَفد عَسكري روسي إلى مدينة دَرعا لاستئناف المُفاوضات التي انهارَت بسبب رَفض مُمَثِّلي وفد المُعارَضة المُسلَّحة بِشُروط، الوَسيط الرُّوسي، وأبرَزها تسليم الأسلحة، وتسوية الفَصائِل لأوضاعِها مع الحُكومة السوريّة، ومُحاكَمة المُتَورِّطين في جَرائِم حَرب، هذه العَودة تعني أن هُناك استعدادًا للفَصائِل المسلحة للقُبول بمُعظَم هذه الشُّروط، إن لم يكن كلها، بعد أن ضاقَت في وجهها الخيارات وفُرَص المُناوَرة، وتَخلَّى عنها حُلفاؤها عربًا كانوا أو أميركان أو "إسرائيليين".
الطَّرفان الرَّئيسان اللَّذان دَعَما “بعض” فَصائِل المُعارَضة المُسلَّحة، أي الأُردن وكيان الاحتلال "الإسرائيلي"، حيث أقامَت الأُولى مُعَسكرات لتَدريب عَناصِرها في قَواعِد على أراضيها، واستضافَت غُرفَة “الموك” التي ضَمَّت قِيادات استخباريّة أميركيّة وسُعوديّة إلى جانِب الأُردنيّة للإشراف على الحَرب في سوريا، بينما قَدّمت الثانية، أي "إسرائيل"، مَعلوماتٍ استخباريّة ودَعما إنسانيًّا وطبّيًّا، هذان الطَّرفان أغلَقا الحُدود كُليًّا في وَجه المَدنيين أو المُسلَّحين الباحِثين عن مَلجأ آمِن تَجنُّبًا للحَرب.
الأُردن برّر موقفه هذا بأنّ ظُروفه الاقتصاديّة والأمنيّة لا تَسمَح باستضافَة أي لاجِئ سوري إلى أراضيه، فلَديه ما يَقرُب من المِليون ونِصف المِليون لاجِئ سوري، سائِرًا على خُطى تركيا التي كانَت السبّاقة في إغلاق الحُدود وإطلاق النَّار على كُل من يُحاوِل اختراقها تَسَلُّلاً، وقَتَلت العَديد من هؤلاء، فتُريد إعادة 3.5 مليون لاجِئ على أرضِها إلى مَناطِق سورية خاضِعة لاحتلال قوّاتها جُزئيًّا أو كُلِّيًّا، مِثل عِفرين والباب وجرابلس، وربّما إدلب لاحِقًا.
"إسرائيل" التي ادّعت دائِمًا تَعاطُفها مع بَعض فَصائِل المُعارضة السوريّة المُسلَّحة وغَير المُسلَّحة، واستضافَت بَعض قِياداتِها في محطّات تَلفَزَتها وفي مُؤتَمراتِها ونَدواتِها، وشنّت أكثر من مِئة غارة في العُمق السُّوري استهدَفت مَنظومات دِفاعيّة وقواعِد عَسكريّة، كشفت عن انتهازيّتها ووجهِها العُنصريّ البَشِع مُجَدَّدًا، وقرَّرَت إغلاق حُدودِها، كما رفضت استقبال حتّى لاجِئ سوري واحِد، بِما في ذلك بعض الذين زاروها، وتَغنّوا بَكَرمِها وإنسانيّتها، وقال بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء "الإسرائيلي" اليوم “أن بلاده لن تَسمَح بِدُخول المَدنيين السوريين الفارّين من الحَرب، ولكنّها سَتُواصِل تقديم المُساعَدات الإنسانيّة لهم لكن داخِل الحُدود السوريّة”.
لا نَعرِف كيف سَيُبرِّر بعض قادَة الفصائِل السوريّة المُعارضة، مُسلَّحة كانت أو غير مُسلَّحة، هذا الوَضع المَأساويّ الذي وَضعوا فيه أنصارهم، وهذا الخُذلان من قِبَل حُلفائِهم الأميركان وبَعض العَرب، وحتى "الإسرائيليين"، الذين تَعهّدوا لهم بِحمايَتهم، وإسقاط النِّظام في أشهُرٍ مَعدودةٍ، وإقامَة الدَّولة السوريٍة “الفاضِلة” على أنقاضِه، ولكن ما نَعرِفه، أنّ هؤلاء الحُلفاء، وعلى رأسِهم الولايات المتحدة، التي تُدير وَجهَها إلى النَّاحِيةِ الأُخرى حاليًّا، وأبلَغت هؤلاء رَسميًّا أنّها لن تتحرّك للدِّفاع عنهم، أقرّت بالهَزيمة، وقرّرت الانسحاب من هذا المَلف تَقليصًا للخَسائِر، وتَرك أنصارها، الذين راهنَوا عليها، وحُلفاءها، يُواجِهون مَصيرهم وَحدهم، والقُبول بِشُروط الدَّولة السوريّة وحَليفها الرُّوسي، أي الاستسلام الكامِل، وربّما هذا ما قَصَده السيد نصر الله في الخِطاب المَذكور آنِفًا.
“الثورة السوريّة” انطَلقت من دَرعا ويبدو أنّها سَتُواجِه أحَد أهَم فُصول نِهايَتها المأساويّة فيها، بعد سبع سنوات من التَّكاذُب والتَّضليل والخِداع من قِبَل حُلفائِها، الذين لم تَكن نُصرَتها على قِمّة أولويّاتِهم، وإنّما تَدمير سوريا وتَفتيتها، تمامًا مِثلَما فعلوا في العِراق وليبيا، وحاليًّا في اليمن.
الكِتابة كانَت واضِحة على الحائِط، ومَكتوبة بأحْرُف كبيرة، وبِخَط جميل، ولكن البَعض فَضَّل تَجاهُلها، رغم قُدرَتِه الفائِقة على القراءة، ووَضع كل بَيضِه في سَلَّة أميركا وحُلفائِها العَرب، وما زال يُكابِر ويَرفُض الاعتراف بالحَقيقة، ناهِيك عن الاعتذار.
“رأي اليوم”
22