يعرف كل من قرأ التاريخ أن اليد التي نفذت جريمة اغتيال الإمام علي هي يد عبد الرحمن بن ملجم المرادي المنتمي لفرقة الخوارج ومن ثم فهم يحملون (الفئة الضالة) مسئولية ارتكاب هذا العمل الإجرامي البشع.
إلا أن قراءة بعض الملابسات المحيطة بهذا الحادث تؤكد وجود دور للعصابة القرشية التي حاولت قتل رسول الله صلى الله عليه وآله في رحلة عودته من تبوك.
هل كان الأشعث بن قيس من الخوارج وهو أحد أركان الجريمة كما يروي أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين: أن ابن ملجم أتى إلى الأشعث بن قيس في الليلة التي أراد فيها بعلي ما أراد، والاشعث في بعض نواحي المسجد . فسمع حجر بن عدي الاشعث يقول لابن ملجم - لعنه الله - النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فقال له حجر: قتلته يا أعور وخرج مبادرا إلى علي وأسرج دابته وسيفه ابن ملجم - لعنه الله - فضرب عليا . وأقبل حجر والناس يقولون : قتل أمير المؤمنين .
ولا زالت الرواية لأبي الفرج: وللأشعث بن قيس في انحرافه عن أمير المؤمنين - عليه السلام - أخبار يطول شرحها منها ما حدثنيه محمد ابن الحسين الاشناني قال : حدثنا إسماعيل بن موسى من بيت السدي قال حدثنا :علي بن مسهر ، عن الاجلح عن موسى بن أبي النعمان قال: جاء الاشعث إلى علي يستأذن عليه فرده قنبر، فأدمى الأشعث أنفه فخرج علي وهو يقول مالي ولك يا اشعث، اما والله لو بعبد ثقيف تمرست لاقشعرت شعيراتك. قيل يا امير المؤمنين ومن غلام ثقيف؟ قال: غلام يليهم لا يبقى اهل بيت من العرب إلا أدخلهم ذلا. قيل: يا امير المؤمنين. كم يلي؟ وكم يمكث؟ قال عشرين إن بلغها .
كما ذكر أبو الفرج أيضا أن الأشعث هدد الإمام علي بن أبي طالب بالقتل.
عن جعفر بن محمد قال: حدثتني إمرأة منا قالت: رأيت الاشعث بن قيس دخل على علي عليه السلام فأغلظ له علي، فعرض له الأشعث بأن يفتك به. فقال له الإمام أبالموت تهددني، فوالله ما ابالي وقعت على الموت، أو وقع الموت علي.
كما روى شارح النهج (وحملوا الاشعث إلى أبى بكر موثقا في الحديد هو والعشرة، فعفا عنه وعنهم، وزوجه أخته أم فروة بنت أبى قحافة - وكانت عمياء - فولدت للأشعث محمدا وإسماعيل وإسحاق. وخرج الاشعث يوم البناء عليها إلى سوق المدينة، فما مر بذات أربع إلا عقرها، وقال للناس: هذه وليمة البناء، وثمن كل عقيرة في مالي فدفع أثمانها إلى أربابها.
قال الطبري في تاريخه: وكان المسلمون يلعنون الاشعث ويلعنه الكافرون أيضا وسبايا قومه، وسماه نساء قومه عرف النار، وهو اسم للغادر عندهم).
ترى كيف ولماذا لم يركز المؤرخون بما يكفي على دور الأشعث بن قيس عرف النار وصهر الخليفة الأول في اغتيال الإمام علي عليه السلام ومن ثم دور الملأ القرشي في ارتكاب جريمة كانوا هم المستفيد الأول منها.
تتوالى الأدوار القذرة التي أدتها هذه الأسرة المنحطة أو التي اتهمت بها دون أن يحاول أحد من المؤرخين الربط بينها أو حتى الإشارة إليها، ومن ضمنها الاتهام الموجه لجعدة بنت الأشعث بدس السم للإمام الحسن بن علي عليه السلام أو الدور القذر لمحمد بن الأشعث في قتل هانئ بن عروة ومسلم بن عقيل أو الدور الأكثر قذارة لقيس بن الأشعث في قتل الإمام الحسين وتلك المحاورة الشهيرة عندما خاطبه ذلك القيس (أولا تنزل على حكم بني عمك؟ فانهم لن يروك إلا ما تحب، ولن يصل اليك منهم مكروه، فقال له الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدي اعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد، عبادالله اني عذت بربي وربكم أن ترجمون، أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب).
أنت أخو أخيك وابن أمك بنت أبي قحافة وأبيك الأشعث عرف النار التابع الذليل للملأ القرشي الذي هم بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وأعانوا على قتل الإمام علي محاولة منهم لإطفاء نور الله (وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) التوبة 74.
الغريب أيضا أن السادة المؤرخين قبلوا برحابة صدر الزعم القائل بخطة القتل الثلاثي التي استهدفت الإمام علي ع وابن آكلة الأكباد وابن النابغة رغم أننا لن نسمع منهم عن خطوات عملية اتخذها المتآمرون لقتل الثاني والثالث.
أما الأغرب من كل هذا، فهو تغافل المؤرخين عن حقيقة ثابتة هي وجود شركاء لابن ملجم في ارتكاب تلك الجريمة البشعة ليس فقط على مستوى التخطيط، كما قد يقال بالنسبة للأشعث بن قيس ولكن على مستوى التنفيذ حيث ذكر ابن سعد في كتاب الطبقات (ولقي عبد الرحمن بن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي فأعلمه ما يريد ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه إلى ذلك، وبات عبد الرحمن بن ملجم تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل عليا في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده حتى كاد أن يطلع الفجر، فقال له الأشعث: فضحك الصبح فقم، فقام عبد الرحمن بن ملجم وشبيب بن بجرة فأخذا أسيافهما ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي. قال الحسن بن علي: وأتيته سحرا فجلست إليه فقال: إني بت الليلة أوقظ أهلي فملكتني عيناي وأنا جالس فسنح لي رسول الله فقلت: يا رسول الله ما لقيت من أمتك من الأولاد واللدد، فقال لي: ادع الله عليهم، فقلت اللهم أبدلني بهم خيرا لي منهم وأبدلهم شرا لهم مني. ودخل ابن النباح المؤذن على ذلك فقال: الصلاة، فأخذت بيده فقام يمشي وابن النباح بين يديه وأنا خلفه، فلما خرج من الباب نادى: أيها الناس الصلاة الصلاة، كذلك كان يفعل في كل يوم يخرج ومعه درته يوقظ الناس، فاعترضه الرجلان، فقال بعض من حضر ذلك: فرأيت بريق السيف وسمعت قائلا يقول: لله الحكم يا علي لا لك! ثم رأيت سيفا ثانيا فضربا جميعا فأما سيف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمعت عليا يقول: لا يفوتنكم الرجل، وشد الناس عليهما من كل جانب، فأما شبيب فأفلت، وأخذ عبد الرحمن بن ملجم فأدخل على عليّ عليه السلام...) .
لم يكن الخوارج لعنة الله عليهم هم الفاعل الأوحد في ارتكاب تلك الجريمة البشعة بل كان الملأ من قريش هو المخطط والمدبر من (الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وهي نقطة بالغة الأهمية في التعامل مع الواقع المعاصر حيث يجري تصدير هؤلاء الهمج الخوارج إلى الواجهة والتعامل معهم كحالة مارقة عن القانون خارجة عن السيطرة يسهل التبرؤ منها وإدانة أفعالها، بينما تقول الحقيقة أن هذه الحالة الهمجية هي مجرد قفاز خارجي يستر اليد الحقيقية المتآمرة والمدبرة لا فارق بين الملأ من قريش بقيادة بني أمية والذين آلت قيادتهم الآن لآل سعود الذين يتبرؤون من داعش علنا في الصباح والمساء بل وتبلغ الوقاحة بهم حد الإعلان عن إرسال جيوشهم لمحاربتها، بينما تقول الحقائق أن داعش هم آل سعود وأن ابن ملجم لم يك سوى أداة منفذة بيد الملأ القرشي!!.
دكتور أحمد راسم النفيس
110