وليس هناك أسهل على العدو قبل الصديق، من إحصاء حجم جماهير المقاومة عبر النتائج التي أفرزتها صناديق الإقتراع، سواء ضمن البيئة الحاضنة لهذه المقاومة، أو الفوز الذي حقَّقته مع حلفائها، ليس فقط بعدد النواب المُنتخبين، ولا بعدد الناخبين، بل حتى في كل قلم اقتراع، وهذه التفاصيل ليست خافية على أحد، لأن بعضها نُشِر والبعض الآخر سوف تنشره مؤسسات الأبحاث المعنية بالإنتخابات.
وإحصاء الجماهير الداعمة لمعادلة الجيش والشعب والمقاومة مسألة بسيطة، لأن مواصفات الناخب، أن يكون لبنانياً منذ أكثر من عشر سنوات، والناخبون في علم الحسابات الإنتخابية يعكسون حجم الجماهير الشعبية، وأسهل على الإسرائيلي الذي أمضى حتى الآن 18 عاماً من تاريخ دحره وسحقه، إحصاء الجماهير ذات المواصفات المحددة “لبناني منذ أكثر من عشر سنوات”، بَدَل أن يُدخِل نفسه في تعداد الصواريخ التي تمتلكها المقاومة، وتعقيدات مواصفاتها وقوَّتها ومستوى تحليقها وسرعتها ومداها، من القصير الى المتوسط الى بعيد المدى، طالما أن لدى المقاومة كل المواصفات الردعية الحاسمة لكل منطقة في "إسرائيل" في حال ارتكبت أية حماقة.
تطرَّقنا الى نتائج الإنتخابات النيابية في لبنان، لأن هذه النتائج هي الرسالة الأنجع في العيد الثامن عشر للمقاومة والتحرير، ولِلرَدّ عبر موقع إعلام المقاومة، على صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية التي اعتبرت أن فوز حزب الله في الإنتخابات يعني أن لبنان والحزب واحد من وجهة النظر الإسرائيلية، وعلى مجلة “ذي أتلانتيك” الأميركية التي نشرت تقريراً يتناول الأسباب الكامنة وراء تفوُّق حزب الله في الإنتخابات النيابية، خاصة أن رايات الحزب للناخبين كانت تحمل شعار “نحمي ونبني”.
لصحيفة “يديعوت أحرونوت” نقول، أن القراءة الشمولية للأمور بأن لبنان وحزب الله واحد، تقتضي التفصيل أن المقاومة والجيش والشعب اللبناني “ثلاثة بواحد”، وأن ثلثي الشعب اللبناني على الأقل مع هذه المقاومة طالما أن لبنان مُهدَّد بوجوده وسيادته وكرامته، ويجب الفصل بين الهيكلية الحكومية للدولة التي ما سعى حزب الله يوماً لأن يكون بديلاً عنها، وبين الثقافة الوطنية للشعب اللبناني، وأن "إسرائيل" التي تستنفر أبرز إعلامييها وخبراء لغة الجسد لديها لقراءة كل إطلالة لسماحة السيد نصرالله، وتحليل مستوى اللهجة الخطابية لديه، وحركة اليد وضمّ القبضة ورفع السُبابة، "إسرائيل" هذه، ترتعد من داخلها، ومشكلتها عندها وفي مجتمعها المذعور، خاصة أن ما من مُناورة عسكرية تُجريها منذ اقتلاعها من لبنان عام 2000 وهزيمتها عام 2006، إلَّا ويطلع مُحلِّل عسكري ويقول ما معناه: لسنا بكامل الجهوزية لأية مواجهة مع حزب الله في لبنان، الى أن تطوَّر مستوى الذُعر مؤخراً، ليقول أحد المحلِّلين الإسرائيليين أن أية حربٍ مع حزب الله قد تحصل في الداخل الإسرائيلي.
صحيفة “ذي أتلانتيك” الأميركية، التي تتساءل عن أسرار فوز حزب الله في الإنتخابات، وعن ماهية شعار “نحمي ونبني”، إضافة الى ما تُهدِّد به الخارجية الأميركية من عقوبات مالية واقتصادية على لبنان والتخوُّف من القوَّة التمثيلية لحزب الله داخل الحكومة المُقبلة، فلهذه الصحيفة نقول:
أسرار فوز حزب الله، ليست سراً على أحد، لأن هذا الحزب هو إبن بيئته اللصيقة، التي تحمِل من مئات السنوات ثقافة مواجهة الظلم، وهذه الثقافة لا تتوقَّف على الأشخاص بل على العقيدة الإيمانية والإنسانية الشاملة، والتمييز بين الجناح السياسي والجناح العسكري لحزب الله هو غباء، ربما لأن الأميركيين اعتادوا على الأجنحة العائلية في السعودية، وعلى نظام “مات الملك عاش الملك”، ومات عبدالله …وأطاح بن سلمان بمتعب بن عبدالله، وببن نايف وبن فهد!
وأسرار فوز حزب الله، أن البيئة اللبنانية الشعبية الأوسع على امتداد الخارطة اللبنانية، تُصدِّق مَن دائماً “وُعودهم صادقة” ومِن حق الجماهير اللبنانية على اختلاف تلاوينها من حلفاء وخصوم أن تُصدِّق، بأن هذه المقاومة سوف تكون وفيَّة لشعار “نحمي ونبني”، لأن المؤتمن بجدارة على الأرض والسيادة بدماء الشهادة، من السهل عليه أن يكون المُساهِم الأكبر في عملية بناء الدولة ومؤسساتها بكل شفافية ونزاهة من منطلق أن الدولة هي هيكل إدارة الوطن وشؤون الناس، وقبل أن يضع وزير الخارجية الأميركية الجديد “مايك بومبيو” فيتو على مشاركة وزراء من حزب الله في الحكومة اللبنانية العتيدة، عليه أن يحتسب كم صَمُد سلفه “ريك تيلرسون” مع دونالد ترامب، وكم يصمُد أي وزير أو مستشار مع هذا “الكاوبوي” المُتطيِّر، ونصيحة للأميركيين خلال عرض سياستهم الخارجية، عدم تناول لبنان وكأنه ولاية أميركية أو جمهورية موز، بل كشعبٍ مقاوم يحمل ثقافة كرامة ترجمها في صناديق الإقتراع، من خلال انتخابات ديموقراطية لا تعرفها جمهوريات الموز ولا الممالك والإمارات العائلية..
أمين أبوراشد
المصدر: موقع المنار