ويتضح من القراءة الأولى للنتائج وللتقدم الذي حققه "حزب الله" والقوى المتحالفة معه، أن العامل الإقليمي كان حاضراً في تحديد خيارات الناخبين اللبنانيين وهم يدلون بأصواتهم في صناديق الاقتراع. ولا تلغي المكاسب التي حققها "حزب الله" وحلفاؤه، حقيقة أن قوى أخرى مناوئة للحزب قد حققت تقدماً لا يستهان به أيضاً ولا سيما القوات اللبنانية، وذلك بفعل مفاعيل القانون النسبي، الذي يحدد الأحجام بصورة أدق بكثير من القانون الأكثري. وإذا كان التراجع الأبرز في عدد المقاعد قد انعكس على كتلة المستقبل النيابية، فإن ذلك لن يؤثر على ما بات يعرف بالتسوية المحلية -الإقليمية- التي بدأت قبل سنة ونصف السنة مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وأتت سعد الحريري رئيساً للوزراء.
والحاصل السياسي الذي رسا عليه المشهد الإنتخابي اللبناني، استفز إسرائيل التي سارع وزير التعليم العالي نفتالي بينيت إلى التذكير بأن الدولة العبرية كانت محقة، عندما كانت تقول أن لا فرق بين الدولة اللبنانية و"حزب الله"، ليضيف بأن إسرائيل ستواصل العمل "على أساس أن لبنان سيكون مسؤولاً عن أي عمل داخل أراضيه". ولم تكن واشنطن بعيدة عن خيبة الأمل من النتائج، لذلك أصدرت السفارة الأميركية إلى إصدار بيان حضت فيه "جميع الأطراف على احترام التزامات لبنان الدولية بما في ذلك تلك الواردة في قراري مجلس الأمن 1559 و1701، بالإضافة إلى سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية".
هذا يدل على أنه إسرائيل والولايات المتحدة كانتا تراهنان فعلاً على أن تفضي الإنتخابات اللبنانية إلى تحجيم دور "حزب الله" في عملية صنع القرار في الحكومة اللبنانية، لو كانت نتائج الإنتخابات أتت على صورة مغايرة، بحيث يتراجع عدد مقاعد الحزب في مجلس النواب أو خسارة الحزب في مناطق تعتبر من معاقله الأساسية ولا سيما في الجنوب والبقاع. ولم تخلُ زيارات سفراء دول خليجية إلى بعض المناطق اللبنانية، من إشارات على رغبة خليجية في تحجيم "حزب الله" سواء في لبنان أو إقليمياً.
ومع إحتدام الإقليم واقترابه من نقطة الإنفجار، وبروز مؤشرات على احتمال اندلاع مواجهة إيرانية - إسرائيلية مباشرة أو أميركية - إيرانية، في ضوء الاستفزازات الإسرائيلية في سوريا والغارة الجوية التي سقط فيها جنود إيرانيون في مطار "تي فور" في محافظة حمص في نيسان الماضي، وبعد القرار الأميركي بالإنسحاب من الاتفاق النووي والعودة إلى سياسة فرض العقوبات ومحاولة خنق إيران إقتصادياً، يبدو الشرق الأوسط كله على صفيح ساخن.
ووسط كل هذا الإضطرام الإقليمي، خاض "حزب الله" الإنتخابات اللبنانية تحت شعار حماية المقاومة، ودفاعاً عن خيارات الحزب في المنطقة من التصدي لإسرائيل إلى قتال الجماعات التكفيرية في سوريا ولبنان والعراق. وأتت النتائج التي أعرب الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله عن ارتياحه لنتائجها، لتؤكد تمسك معظم اللبنانيين بخيارات الحزب. ويؤكد على ذلك التقدم الذي حققه الحزب في معاقله أو ذلك الذي حققه حلفاؤه في دوائر كانت محسوبة على خصومه المحليين، مثل بيروت الثانية أو طرابلس والضنية وعكار والبقاع الغربي.
هذا التقدم المحلي الذي يحمي خيارات "حزب الله" في مواجهة اشتداد الضغوط على الحزب إقليمياً ودولياً، وتصاعد احتمالات الحرب الشاملة مع إسرائيل، شكل مكسباً كبيراً للحزب بعد التقدمات الميدانية التي حققها في الحرب ضد الجماعات التكفيرية في المنطقة. ومع ذهاب الخيارات في المنطقة نحو تحولات كبرى، يمكن أن تساهم نتائج الإنتخابات اللبنانية في ترسيخ الاستقرار في لبنان، عكس ما توحيه الاعتراضات الإسرائيلية والأميركية. وتؤكد نتائج الإنتخابات أن "حزب الله" قد ضمن الحماية لخياره الاستراتيجي.
*سميح صعب