الموقف الأميركي او الترامبي ان صح التعبير لم يلق ترحيبا ولا قبولا الاّ من نظامين عدوانيين ومجرمين، أحدهما الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والقدس، والآخر من النظام السعووهابي دافع الجزية لأميركا ومطية الصهاينة لنشر الفوضى والدمار في الشرق الأوسط والعالم الاسلامي.. وقد تلحق بهما بعض حثالات الانظمة في المنطقة، من امثال النظام البحريني وحكومة آل نهيان في "ابوظبي" ومدير أحد فنادق الرياض، عبدربه منصور هادي! وآخرين من المستنجين بالمنديل الملكي السلماني!
قرار ترامب يشكل في جوهره حربا نفسية ضد الجمهورية الاسلامية وجمهور المقاومة في العالم، لذلك لابد من بيان بعض الحقائق التي قد تغيب عن اذهان المتابعين وحتى المحللين في فورة الغضب والنشوة على حدّ سواء، والحقائق المتعلقة بالاجراء الترامبي الاخير يمكن تلخيص ابرزها، كالتالي:
- في ايران هناك قطاع واسع من السياسيين والمسؤولين كانوا يتوقعون عدم التزام اميركا بتعهداتها الدولية، وفي مقدمة هؤلاء المسؤولين سماحة قائد الثورة الاسلامية الامام الخامنئي حفظه الله، لذلك فالموقف الاميركي لن يفاجيء الايرانيين ان لم يكن قد اعدوا له العدة منذ دخولهم في المفاوضات التي انتجت الاتفاق في تموز ـ يوليو 2015.
- لم تلتزم الولايات المتحدة بتعهداتها كما نص الاتفاق منذ اليوم الاول لتطبيقه في تشرين الثاني ـ نوفمبر 2015، لا في عهد اوباما ولا من تلاه.
- لم ترفع اميركا سوى بعض العقوبات عن المصارف والشركات العالمية التي تتعامل مع ايران.
- انسحاب اميركا من الاتفاق عزلها عن العالم ومن اقرب حلفائها الأوروبيين (بريطانيا) فضلا عن القوتين الاوربيتين الاخرتين، فرنسا والمانيا.
- العقوبات سلاح ذو حدين بمعنى ان المصدر يتألم ويتضرر فيها كما هو حال المستورد.
- الكرة الان في ملعب الاطراف الخمسة الاخرى (بريطانيا، فرنسا، المانيا، روسيا والصين) وخاصة الأوروبيين ومدى رضوخهم للعقوبات الاميركية على التعامل مع ايران، وهذا الامر سيحدد الموقف الايراني من البقاء او الانسحاب من الاتفاق.
- قرار الانسحاب الاميركي الاحادي الجانب من اتفاق بمستوى الاتفاق النووي، احبط اية امكانية للدخول بمفاوضات مع ايران حول قضايا اخرى، سواء من قبل اميركا لاحقا او القوى الأوروبية.
- سيؤثر الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي مع ايران على المفاوضات الاميركية ـ الكورية الشمالية ويجعلها اكثر صعوبة.
- الاقتصاد الايراني يعاني من مشاكل صحيح، لكن السوق الايرانية وخاصة الاستهلاكية منها، تعتمد بدرجة كبيرة على المنتج الداخلي، ولعل استراتيجية الاقتصاد المقاوم التي طرحت مع المفاوضات النووية كانت تنظر الى هذا اليوم.
- من المستبعد في الوقت الراهن ان يحصل صدام عسكري واسع بين ايران واميركا والكيان الصهيوني.. لان هدف اميركا والصهاينة من هذا الاجراء، اولا: فك الطوق الذي فرضته المقاومة بقيادة ايران حول الكيان الغاصب وبالتحديد ابعاد ايران عن الجولان المحتل.. واعطاء المجال لعملاءها كالسعودية والامارات باستكمال الاعمال القذرة التي يلعبونها في تدمير المنطقة.. لان ايران هي القوة الوحيدة التي تقف بوجه مؤامراتهم وسلوكياتهم الرخيصة.. وثانيا: خوفهم من امكانيات وقدرات ايران العسكرية والامنية في الردّ، ولو كانوا لا يخافون ذلك لهاجموا ايران قبل أكثر من ثلاثة عقود، عندما فشل انزالهم العسكري في طبس في ابريل نيسان 1980.
- في زمن العقوبات الذكية التي كان العالم كله مع اميركا لم تتوقف عجلة التطور الايرانية، فما بالك اليوم والعالم كله يرفض الاجراء الاميركي.
- الموقف الاميركي قبل الاتفاق النووي كان مدعوما باربعة قرارات اممية، اما اليوم فالعكس تماما، رغم ان ايران تعلم جيدا ان الامم المتحدة مجرد العوبة بيد القوى الكبرى.
- التقارب الايراني الروسي والايراني الصيني سيحول دون ممارسة عمليات ابتزاز ضدها من قبل الأوروبيين.
- المتاعب الاميركية القادمة فيما يتعلق خاصة بنقل السفارة الى القدس المحتلة، وهذه القضية ستعطي ايران مجالا اوسع في المناورة.
تمتلك ايران اوراق كثيرة في الرد.. لن تكشف عنها ابدا وسوف تستخدم استراتيجية الغموض فيها، وهو ما شاهدناه في خطاب الرد الايراني على قرار ترامب مساء الاربعاء، حيث اكتفى الرئيس روحاني بالقول: " أصدرت تعليمات لوكالة الطاقة الذرية الإيرانية للقيام بما هو ضروري"، ونحن هنا لربما يمكن ان نتوقع بعض جوانب هذا الردّ، مثل: العودة الى تخصيب اليورانيوم وبنسب عالية، الخروج من معاهدة "ان بي تي" او الحد من الانتشار النووي، زيادة مديات الصواريخ البالستية وقدراتها التدميرية، نقل معدات متطورة لحلفائها في المنطقة، سحب ارصدتها واموال مواطنيها من بعض البلدان الخليجية (وهناك اخبار في ذلك بما يفيد بانهيارات اقتصادية في بعض المشيخات الخليجية!)، ضرب اقتصاديات بعض البلدان المساهمة والحليفة لاميركا في المنطقة، التضييق على القوات الاميركية وحلفائها في مضيق هرمز، التضييق على الوجود الاميركي في المنطقة، الذهاب الى مواقف اكثر تصلبا اقليميا.
لن يكون هناك اي رابح في هذه اللعبة الا من يشعر بانه يؤدي تكليفه الشرعي والوطني والانساني في مناصرة الحق ومواجهة الظلم، ولايزال الوقت مبكرا للحديث عن تاثير العقوبات الاميركية القادمة على ايران، بالتاكيد سياتي الرد الايراني في المناطق المؤلمة للخصم وعلى الميدان دون ضجيج.. انها ضريبة الشرف والكرامة ولن يكون الناس جميعهم اذلاء كنظام آل سعود وآل نهيان الذين سيدفعون ثمن عمالتهم للفجار وعداءهم للشرفاء والاحرار.. فلا تفرح جحوشهم الالكترونية كثيرا لان الذي يلف خيوطه بهدوء ودون ضجيج على رقبة الاسرائيلي لا يصعب عليه لفها على رقبة من هم ادنى واحقر منه.
بقلم: علاء رضائي
24