أفكار ورؤى - الكوثر
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
لا يجوز للنَّاس الذين يتعرَّضون لأساليب إغرائيّة من المرشّح أن يستسلموا له، إذا لم تكن لهم قناعة بهذا الشَّخص، لأنَّ مجرَّد اقتناع المرشَّح بنفسه لا يفرض اقتناع الآخرين به، لأنَّ النَّاخب لا بُدَّ من أن يدرس المسألة في نطاق مسؤوليّته، بعيداً من وسائل الإغراء التي تُقدَّم إليه بما ينفعه مادياً أو معنوياً، بل يجب أن يُفكِّر هل إنَّ هذا المرشّح يملك الكفاءة التي يستطيع من خلالها أن يملك فيها شرعيّة تسلّم هذا الموقع أم لا، فإذا كان النَّاخب يجد في هذا الشَّخص الكفاءة، فلا مشكلة أن يتقبّل ما يُعطيه إيّاه وما يخدمه به، وإن كنَّا لا نُرجّح له ذلك، بل قد لا يجوز في بعض الحالات بلحاظ بعض الاعتبارات.
أمَّا إذا لَم يجد فيه الكفاءة، فلا يجوز له أن ينتخبه تحت تأثير الإغراء، كما لا يجوز له أن يأخذ هذا المال، إذا عرف من نفسه أنَّ المرشَّح قد بذل المال له من أجل أن ينتخبه، وهو يعرف بأنَّه سوف لن ينتخبه في هذا المجال، لأنَّه يكون آكلاً للمال الباطل.
أمَّا بالنِّسبة إلى المرشح الذي يريد من النَّاس أن ينتخبوه، فإنَّنا ننصحه بالابتعاد عن مثل هذه الإغراءات، لما تنطوي عليه من أساليب غير صحيحة للوصول إلى أهدافه، حتَّى وإن كانت سامية من وجهة نظره، بل يجب عليه أن يطرح نفسه بالأساليب الصَّحيحة، من خلال طرح برنامجه السِّياسي وأهدافه ومبادئه التي يستطيع من خلالها إقناع الآخرين به وببرنامجه. أمَّا اللّجوء إلى المال والخدمات، فهو غير صحيح، على الرَّغم من أنَّنا لا نجد مانعاً شرعيّاً في إعطاء المال ومساعدة النَّاس، وخصوصاً الفقراء والمحتاجين منهم وقضاء حوائجهم، وإن أدَّى ذلك إلى نتيجة يستفيد منها المرشَّح، راجين من ذلك أن يستمرّ هذا المرشَّح في مساعدة النَّاس لما بعد الانتخابات، سواء فاز أو لَم يفز، كلّ هذا شريطة أن يجد هذا المرشَّح في نفسه الأهليّة القانونيّة والشَّرعيّة والقدرة على إرضاء الله في تسلّمه لهذا المنصب.
نحن لا نريد للنَّاس أن يعتادوا أن يأخذوا المال من أجل الوقوف مع الحقّ، لأنَّ من يتعوّد على أخذ المال ليقول كلمة الحقّ، سوف ينجرّ لأن يأخذ المال للوقوف مع الباطل. ولكن من ناحية الحكم الفقهي، إذا كان المرشَّح يملك الكفاءة، ويُحبّ أن يحمي النَّاس من الخضوع لإغراء أُناس آخرين، فلا يحرم عليه بذل المال لمؤيّديه ليقوّي علاقتهم به، وكان المال حلالاً، وكان انتخابه حلالاً، فليست هناك مشكلة شرعيّة...
عندما ندرس مسألة الانتخابات، نجد أنَّ النَّاخب يُعطي المرشَّح وكالةً مطلقةً عندما يُعطيه صوته، من دون أيّة شروط ملزمة. ومن هنا، فلا بُدَّ للناخب من أن يقوم بدراسة تفصيليّة للخطّ الفكريّ للمرشَّح، وللالتزام الشَّرعي له، وللنهج السِّياسي الذي ينتهجه، سواء في المسألة الدَّاخليّة أو الخارجيّة.
وعلى ضوء هذا، فإنَّ النَّاخب يتحمَّل مسؤوليّة كلّ ما يصدر عن المرشَّح إذا نجح من خلال صوته، من مسائل سلبيّة أو إيجابيّة، ومن خلال ذلك نُقرّر: أنَّه لا يجوز شرعاً أن يُعطي صوته لأيِّ إنسان، إذا لَم يتأكَّد بطريقة تبعث على الثِّقة بسلامة الخطّ الفكريّ والفقهيّ والسِّياسيّ والاقتصاديّ الذي يتحرَّك فيه هذا المرشَّح. كما لا يجوز للنّاخب أن ينتخبَ شخصاً أو مجلساً يُمكن أن يُشرِّع حكماً على خلاف ما يلتزمه من الإسلام في أحكامه وسياسته واقتصاده وخطوطه الاجتماعيّة وما إلى ذلك.
وهذا الأمر يفرض عليه أن يدرس المسألة من جميع جوانبها، فمن كان ولياً لله، فله أن ينفتح عليه، ومن كان عدوّاً لله أو ليس مع الله، فعليه أن يوفّر على نفسه الوقوف بين يدي الله، عندما تأتي كلُّ نفسٍ تُجادل عن نفسها، وعندما يقوم النَّاس لربِّ العالَمين، ليسألهم عن كلِّ ما عملوه واختاروه من خيرٍ أو شرّ.
لا بُدَّ من دراسة الموارد التي يُمكن أن يكون للأمّة فيها دور، فالأصوات التي تُعطيها لهذا الإنسان أو ذاك، لا بُدَّ لنا من أن ندرس طبيعة حركتها، ونبيِّن للنّاخبين أنَّ عليهم أن يتحمَّلوا المسؤوليّة في هذا المجال، ولا بُدَّ لهم من أن يملكوا الاختيار، فهل يختارون هذه الكتلة؟ وما هي الأسس التي تجعلهم يختارونها؟ ولذلك فإنَّ حركة التَّكتل بين المرشحين شيء، وحركة انتخاب النَّاس لهم شيءٌ آخر، لأنَّه لا يجوز للإنسان أن ينتخب إلاَّ من يجد فيه المصلحة للأمَّة على خطِّ الالتزام الذي يؤمن به. ومن هنا، فإنَّ المسألة تتصل بالنَّاخب في دراسته لشرعيّة صوته أو موقفه أو موقعه في ذلك.
[من كتاب "فقه الحياة"، ص 150-153].
المصدر: بينات