بَدا المشهد دراميّاً مُفرِطاً، بالِغ العاطِفة الشاعريّة، وكأن البادِئ بالعُدوان لم يُسجِّل أن عُنوانه في رِياض العَصف الحازِمة، السعوديون إذاً مُتّحِدّون “افتراضيّاً” على وَقع صواريخ “الحوثي” الباليستيّة السبعة، والتي توالت تِباعاً وسُقوطاً على العاصِمة السعوديّة الرياض، نجران، جازان، وخميس مشيط، ومطاراتها، تصدّت الدفاعات السعوديّة للصواريخ اليمنيّة التي فيما يبدو توعّد بها زعيم حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي في خِطابه الذي سبقها في الذكرى الثالثة للعُدوان على بِلاده اليمن الذي كان يوماً سعيداً.. آمناً.. ومُعافاً.
بِعَفويّة سارع السعوديون إلى تصوير الحدث “بجوّالاتهم” أجهزتهم المحمولة الفرديّة، تم تداول المقاطِع على نِطاقٍ واسِع، هُناك جزءٌ من صاروخ سقطت بقاياه في شارع عام بالعاصِمة، تهافت المُواطنون للفُرجة وسط الذُّهول، وهُناك آخر شظاياه تسبّبت بمقتل مُقيم مصري، وإصابة اثنين من نفس الجنسيّة.
الإعلام المحلّي يتماشى مع الحدث مُضطراً لعدم الغفلة والتناسي على وقع توثيق المُواطنين، فتُعنون صحيفة “سبق” الإلكترونيّة ليل أمس فوراً، “المملكة يحميها أبناءها”، وهو عُنوان الوسم الهاشتاق الذي تصدّر فور سُقوط صواريخ الحوثي، في مُحاولة لإبراز براعة رجال الأمن والجيش، ويقظتهم في التصدّي للمُعتدين، ولكن بواسطة الدِّفاعات المَصنوعة أمريكيّاً.
حالة هلع وخوف، أصابت السعوديين، وهم يُشاهدون سُقوط الصواريخ الحوثيّة، المقاطع المُصوّرة المُتداولة بأجهزتهم المحمولة أظهرت ذلك، دعوات للخالق بتأمين الأرواح، والنيل من المُعتدي الحوثي، صيحات تُردِّد الله أكبر، شُعورٌ بأنّهم يخوضون حرباً حقيقيّة، وعودة لتذكّر صواريخ الرئيس العراقي صدام حسين، وأمنيات بالصُّمود، وعدم الانهزام، البعض لم يُكمل تصوير مقطعه المُشوّش، عاد لبيته مُختبئاً، بعد أن سَمِعَ أصوات الصواريخ والمُضادات، والبعض الآخر لجأ إلى السُّخرية للطمأنة والتقاط “السيلفي” مع الصاروخ.
صباح اليوم (أمس الاثنين)، سارع السعوديون لتدشين وسم هاشتاق، “رب اجعل هذا البلد آمنا”، يتلمّس المُراقب حالة عدم اطمئنان في الوسم المذكور، ترصد “رأي اليوم” دعوات تغريديّة للتوقّف عن الحرب قبل توسُّعِها، واشتعالها ضد الجبهة السعوديّة، هُناك من دعا القيادة السعوديّة الشابّة إلى قطع إجازتها للولايات المتحدة الأمريكيّة، وهناك أيضاً من حمّلها المسؤوليّة الكامِلة، السعوديون حائرون مُجدّداً يتساءلون بأي ذنبٍ سيُقتلون.
الصحافي اليمني والمُقيم على الأراضي السعوديّة أحمد با طرفي، ورغم عدائِه لحركة انصار الله، استغرب في حديث لـ”رأي اليوم” هذا التضامن العالمي والمحلّي مع السعوديّة وهي المُعتدية بالأساس على اليمن، ولعلّها شعبها وقيادتها توقّع سُقوط صواريخ حتى بين الحين والآخر عليهم، ماذا يفعل اليمنيون الذين يموتون يوميّاً، ويُعانون جرّاء عدم توفّر حتى وجبة واحدة يتساءل، السعوديّة في حرب، ربّما لا تزال لا تُدرك ذلك، يُؤكّد با طرفي.
اللُّحمَة الوَطنيّة فيما يبدو، كانت في مهب رياح صواريخ الحوثي، فسارعت شخصيّات عامّة إلى التأكيد على تلاحم الشعب مع الجيش، فعلّق رئيس تحرير جريدة “الشرق” خالد بو علي قائلاً: “تلاحمنا سِر قوّتنا”، أما تأثير الدعم الإيراني على حليفها الحوثي فظهر في عدد صحيفة “عكاظ” صباح هذا اليوم، فعَنونت الصحيفة المحليّة بالبُنط الأحمر العريض: “الخيبة والخُزي لأذناب إيران”، التعاطف العالمي أبرزته صحيفة مكة في خبرها القائل: “خادم الحرمين يتلقّى برقيّات استنكار وإدانة، إثر الهجمات الصاروخيّة على المملكة”.
السُّلطات السعوديّة، وإعلامها، يرى مراقبون أنها ربّما تجد ضالتها في مثل تلك الهجمات الصاروخيّة الحوثيّة، وتستغلها لتبرير حربها “الحازمة” ضد اليمن، والتي تتزايد فيها الضغوط يوميّاً، لا بل يتباكى إعلامها على سُقوط ضحايا مدنيين، كالمُقيم المصري الذي تحوّل إلى بطل قومي في صُحف ومنصّات التواصل السعوديّة، وله أو دمائه الطاهرة يجب أن تثأر المملكة، لا بل تُشاركها في هذا التضامن الكويت افتراضيّاً، ومصر بوصف استهداف المدنيين بالجريمة.
من الظُّلم عقد مُقارنة يقول مراقبون، بين ضحايا البلدين، فحصيلة القتلى المدنيين في اليمن، تفوق بمراحِل أعداد القتلى، فالحوثي لا يملك طيراناً حربيّاً ليشن به هجمات يوميّة تحصد آلاف الأرواح، ولكن الخاسر في عاصفة الحزم هذه، وبعد ثلاث سنوات على انطلاقها بأهداف لم يتحقّق واحد منها، يقول الصحافي السعودي أحمد التميمي أن الخاسِر بالضَّرورة اليوم، هو بلاده، فهي تُستنزَف مادِيّاً، وتتعرّض لانتقادات دوليّة، ومُنظّمات حُقوقيّة جرّاء جرائمها ضد المدنيين، وفي المُقابل تتعاظم قوّة الحوثي، لا بل باتت صواريخه تُصيب أهدافها نوعاً ما، مع العلم أن قُوّته الناريّة كما تم إبلاغنا يُضيف التميمي، قد تم تدميرها بالكامل في أوّل أيّام معركة الحزم هذه.
بقلم: خالد الجيوسي - رأي اليوم
22/101