ويعود تاريخ صناعة أول غواصة قتالية بحرية في التاريخ إلى سنة 1897م وذلك عندما استطاع المخترع الأمريكي جون فيليب هولند، إضافة الجهاز الذي صممه المهندس السويسري ثور ستين نوردنلفنت إلى جهازه، واستطاع بفضل ذلك تجهيز أحد القوارب بمحرك كهربائي، و الجهاز الذي صممه هولند قام بقذف الطوربيد، وهو تسمية إسلامية عثمانية محضة إلى داخل السفن البحرية آنذاك، وكان هذا أول ظهور لمفاهيم الغواصات في العالم، وتم إنزال أول غواصة إلى ميناء نيوجرسي الأمريكي، وسارت بالجازولين فوق الماء بواسطة آلة خاصة، وعندما تغوص تقوم باستعمال محركات كهربائية تغذيها بطاريات في مجاميع مخصصة لها، وقد تم استبدالها لاحقاً بمحركات تعمل على وقود الديزل نظراً لأن الجازولين غاز سريع الاشتعال، و بما أن سلاح الغواصات من الأسلحة المكلفة جداً من الناحيتين المالية واللوجستية، فإن هناك حوالي 50 دولة فقط تمتلك هذا النوع من الأسلحة الفتاكة، والتي كان لها دور كبير وحاسم في تغيير نتيجة الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء بعدما استطعت المخابرات البريطانية الحصول على جهاز إنيغما السَّري الذي كان يستعمله الألمان في تشفير اتصالاتهم البحرية اللاسلكية مما مكنها من تحديد أماكنها تحت أعماق المحيط بدقة وإغراقها عن طريق استعمال الألغام البحرية والطوربيدات والصواريخ المضادَّة لسلاح الغواصات، فهذا العنصر العسكري الفعال يسمح لدولة التي تمتلكه بأن تسيطر على مساحات واسعة من البحار الإقليمية المحيطة بها، وبالتالي مراقبة سواحلها بدقة عالية ومنع عمليات القرصنة البحرية والاختراق، وصدِّ الهجمات البحرية المعادية سواء تلك التي تتم باستخدام الطرادات و القطع البحرية، أو عن طريق استخدام الأشباح البحرية وهو المصطلح الذي يطلق على الغواصات النووية الفائقة السرعة والتي تعمل في صمت كبير كغواصات التايفون والياسين و أكولا الروسية الهجومية مثلاً.
والجزائر باعتبارها من الدول الإفريقية والعربية الكبرى التي لها شريط بحري ممتد، و تتعرض منذ الاستقلال لمختلف أنواع التهديدات والأخطار الأمنية والاقتصادية والإرهابية ، وفي إطار الإستراتيجية العسكرية التي عملت المؤسسة الأمنية على تطويرها منذ الاستقلال، فعملت قيادة القوات البحرية الجزائرية على استبدال القطع البحرية المتهرئة بأخرى حديثة، وركزت على سلاح الغواصات السوفيتية في تلك الفترة بشكل كبير، نظراً لأنَّ الجزائر لا تزال من أكبر الدول بعد الهند والصين التي تشتري السِّلاح الروسي، وهناك علاقة إستراتيجية عسكرية تاريخية وثيقة تربط بين الجزائر وموسكو وعلى جميع النواحي والمستويات، ودخل هذا السِّلاح المرعب الخدمة في الجزائر ما بين سنتي 1987-1988م، و اقنت البحرية الوطنية وقتها غواصتين من نوع كيلو EMK877 روسيتا الصنع ، بالإضافة إلى غواصتين من نوع كيلو 636 والتي تمتاز بوجود أنظمة تعقب ورصد حديثة ومتطورة أكثر في منظومة اتصالاتها، كما أنها مجهزة بأجهزة سونار مغناطيسية ذات مديات ارتدادية أكبر، مما يمكنها من كشف وجود أجسام بحرية معادية على نطاق جغرافي مائي أعمق، والتي دخلت الخدمة فعلياً سنة 2010م، ومن المتوقع أن تستلم الجزائر بحسب ما ذكره موقع ريكوجنيشن الفرنسي من روسيا غواصتين من نوع كيلو636 والتي تعمل على وقود الديزل، والتي بنيت في أحواض ميناء سان بطرسبرغ والتي تحمل اسم فارشا فينانكا، ولها قدرة إزاحة مائية تقدر بأكثر من 3950طن، وسرعتها البحرية القصوى حوالي 20 عقدة بحرية، كما أنها مجهزة بطوربيدات دقيقة التصويب، وذات مدايات تبلغ أكثر من 300 كلم، مما يسمح لها بتدمير القطع البحرية للخصم بسهولة، ودون الاحتكاك المباشر معه ضمن مديات أقرب، كما كان يحدث في الحروب الكلاسيكية التقليدية.
وكذلك غواصة كيلو 877 ومنظومة غواصات الكيلو تعتبر من منظومة الغواصات الروسية العالية التسليح حيث أنها تمتلك منظومة صواريخ سام وعددها 18 صاروخاً متفجراً، مخصصة للدفاع الجوي المنخفض( المروحيات وطائرات الاستطلاع البحري) حيث يبلغ مدى الصاروخ الواحد منها أكثر من 5200 متر، بسرعة 1.76 ماخ و مجهز بباحثين واحد يعمل بالأشعة تحت البنفسجية والأخر بالأشعة تحت الحمراء، وبعد أن يقوم الصاروخ بالإطباق على الهدف في أجزاء من الثانية، و الصاروخ وزنه حوالي(2.5كلغ) مسبباً دائرة من الشظايا تدمر الهدف نهائياً، وغواصات كيلو لها حوالي 6 فتحات لإطلاق الصواريخ حيث تعمل الفتحتين العلويتين لإطلاق منظومة صواريخ كلوب أس ذات المديات المتوسطة، أما الفتحات الأربعة الأخرى فمخصصة لإطلاق الطوربيدات والألغام البحرية المضادَّة للغواصات والسفن، حيث تحمل غواصة كيلو 18 طوربيدا تTEST-71MKE ستة منها موجودة في داخل أنابيب معدة للإطلاق، و12 المتبقية في غرفة تخزين الأسلحة، وهو يعتبر من أخطر أنواع الصواريخ الموجهة، لأنه يعمل بنظامين واحد يعتمد على التوجيه الذاتي عن طريق سونار الطوربيد الخاص به، أو عن طريق غرفة التحكم والتوجيه اللاسلكي في الغواصة، لأنه يمكن توجيهه تلفزيونياً عن طريق سلك يكون متصل به في العادة.
كما أنها يمكن لهذه الغواصات من نوع كيلو، أن تطلق تشكيلة من عائلة صواريخ كلوب أس كذلك تكون مضادة للغواصات و سفن السطح وحتى الأسلحة الموجودة في البر، كالأسلحة ذاتية الحركة أو التي توجد على منصات ثابتة، كالدبابات أو منصات الصواريخ، ويمكن لها أن تطلق صاروخ من نوع 91RE1، وفق مديات تبلغ حوالي 50 كلم بوزن حربي يبلغ وزنه حوالي 76 كلغ، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى.
فالجزائر والتي بفضل هذه التشكيلة من الغواصات أصبح الأولى على المستويين العربي والإفريقي، مما سيمكنها مستقبلاً من فرض سيادتها في البحر الأبيض المتوسط، و رأس الرجاء الصالح، و على طول منطقة السَّاحل الإفريقي، ومراقبة تحركات الجماعات الإرهابية وقراصنة البحار، ولا ننسى بأن سلاح الغواصات يعتبر سلاحاً ردعياً واستراتيجياً، بالأخص وأن هناك دولاً معادية للجزائر كالكيان الصهيوني وفرنسا تمتلك أساطيل متطورة من الغواصات الهجومية، فالكيان الصهيوني يمتلك حوالي 14 غواصة متطورة، من نوع دولفين ألمانية الصنع في معظمها هي غواصات كهربائية تعمل بمحركات الديزل، بالإضافة إلى قدرتها على حمل رؤوس نووية بالإضافة إلى فرنسا، والتي تمتلك حوالي 10 غواصات تعمل بالطاقة النووية، فالأخطار والتهديدات وكذلك الحفاظ على التوازن الاستراتيجي العسكري البحري في المنطقة، كل هذه الأسباب دفعت الجزائر لأن تكون واحدة من أقوى الدول التي تمتلك أسطولاً بحرياً مدرباً و مجهزاً بأحدث أنواع القطع البحرية في العالم، لحماية الأمن الإقليمي والبحري للبلاد ومنها طبعاً الغواصات الحربية.
عميرة ايسر - كاتب جزائري
24-101