ففي شباط من عام ١٩٤٥، كان اللقاء الشهير بين الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز آل سعود، على ظهر بارجة حربية في البحر الأحمر، وتم توقيع اتفاق المستقبل السعودي الذي إن تغيّر، فانه يعني تغيّر نظام الحكم في السعودية. وكانت مدة الاتفاق ستين عاماً.
في عام ٢٠٠٥ انتهت مدة الاتفاق فتم تجديده على عهد جورج بوش بنفس الصيغة والشروط لستين سنة أخرى.
النقطة الجوهرية في الاتفاق أن تضع السعودية سياستها النفطية والخارجية تحت تصرف الولايات المتحدة، مقابل تعهد واشنطن بتوفير حماية مطلقة لحكم آل سعود، وتوفير حماية بدرجة أقل للمملكة. وهذا يعني أن مصير العائلة الحاكمة رهن القرار الأميركي، وأن السياسات النفطية والخارجية للحكومة يجب أن تكون تنفيذاً لما يأتي من واشنطن، أو بموافقتها، بصرف النظر عن تغير الملوك وولاة العهد والوزراء.
يجب التركيز على دقة الصياغة الأميركية للتعهدات، فقد جعلت حماية العائلة السعودية في الحكم حماية مطلقة، أما حماية المملكة فهي بدرجة أقل.
ويجب أن نتذكر في هذا السياق الخطاب الناري الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما، في نيسان ٢٠١٥، بأن الخطر الذي يتهدد السعودية هو من الداخل، وان عليها إجراء إصلاحات داخلية، وليس عليها خطر من إيران.
كان تحذير أوباما بسبب سخط السعودية على التقارب الأميركي الإيراني بشأن الملف النووي، وحين تمادت السعودية في إعلان غضبها، جاء كلام البيت الأبيض ليذكرها باتفاق المصير.
حين أبدت "إسرائيل" مخاوفها من تشكيلة الحكومة اللبنانية، بسبب وجود وزراء حزب الله، واعتبرت أن قوة حزب الله قد تنامت في ظل حكومة الحريري. سارعت السعودية الى استدعائه وطلبت منه أن يقدم استقالته من الرياض.
وحين دعت "إسرائيل" الى مواجهة النفوذ الإيراني بشكل فاعل ومؤثر في تشرين الثاني ٢٠١٧ عبر سلسلة من التصريحات والمواقف على لسان كبار المسؤولين، رفعت السعودية نبرتها بنقل المعركة الى داخل إيران.
السعودية بالنسبة للولايات المتحدة، هي "إسرائيل" الثانية، أو هي الوجه العربي لـ "إسرائيل". وقد التزم آل سعود بذلك وسيلتزمون بهذا الدور مستقبلاً.
وهكذا هي السعودية في مواقفها الخارجية مع شؤون المنطقة، فما تريده "إسرائيل" من الولايات المتحدة في المنطقة، تنفذه السعودية. وما تريده الولايات المتحدة في المنطقة تنفذه السعودية. وقد اخذت الأمور تسير بشكل أسرع وأكثر سهولة، من خلال التنسيق المباشر بين تل أبيب والرياض.
عرفت دول المنطقة هذا الدور السعودي وتعاملت على أساسه لضمان مصالحها، أما الحكومة العراقية فهي وحدها التي لا تريد أن تعرف، وتتعلل بمقولة بائسة بأن العلاقة مع السعودية يخفف من ضررها على العراق، وها هي السنين تمر واحدة تلو أخرى، ولم يخف الخطر السعودي على الشعب العراقي، ولم يتنازل آل سعود عن هدفهم الأكبر بقتل الانسان العراقي، وإغراق البلد بالأزمات والإرهاب.
العلاقة مع السعودية، تعني العلاقة مع "إسرائيل"، فهل يأمن العراق على نفسه من خطر "إسرائيل" العبرية و"إسرائيل" العربية؟
د. سليم الحسني