في حوار قبل سنوات من رحيله.. الجبري: المواجهة القادمة بين السلفية والسنة

السبت 11 نوفمبر 2017 - 12:35 بتوقيت غرينتش
في حوار قبل سنوات من رحيله.. الجبري: المواجهة القادمة بين السلفية والسنة

أفكار ورؤى - الكوثر: على الرغم من الحرب الاعلامية المكثفة التي تشنها السلفية ضد المذهب الشيعي الأثنى عشري الا ان المواجهة الحقيقية لن تكون بين الشيعة والسلفية بل بين السلفية والسنة.

فبرغم كل المساعي الكبيرة التي تبذلها السلفية لاظهار نفسها انها تنتمي الى مذهب أهل السنة لكن سرعان ماتكشف الايام أن الفاصلة بين السنة والسلفية واسعة الى حد المواجهة العسكرية وهو الشيئ الذي حصل في العراق.

فقد تمكن السلفيون أول الأمر من خداع سنة العراق بانهم يريدون جهاد المحتل والدفاع عن قيم أهل السنة أمام التمدد الشيعي لكنهم سرعان ماكشفوا عن حقيقة ضمائهم واختلافهم الواسع في الفكر والعقيدة والمذهب عن أهل السنة الذين ينتمون الى الفكر المعتدل والى العقيدة الوسطية والى فقه متين يستجيب لمتطلبات العصر بخلاف الفقه السلفي الذي لايتماشى مع روح العصر ولاينسجم مع روح الاسلام وهو عدواني في بعده الانساني اذ انه يميل الى التشدد والقتل والذبح والتكفير لأتفه الأسباب،

وقد ضجت المملكة السعودية وهي المعقل الرئيسي للسلفية الوهابية بالفوضى التي حدثت لديهم نتيجة التكفير حتى أن هذا التكفير طال المفكرين والكتاب والصحفيين ولم يسلم منه حتى ميكي ماوس مما استدعى السياسيين في البلد الى اطلاق شعار المرحلة وهو مواجهة “فوضى الفتاوى” وقد اتسعت دائرة الفوضى في المذهب السلفي المغاير للمذهب السني الى درجة ان الشباب من طلبة العلوم الدينية أخذوا يصدرون الفتاوى ويبيحون دماء المسلمين وهم الذين لم يحوزوا على علم حقيقي وليس لهم دين ثابت حيث ان كل يوم لديهم فتوى يتراجعون عنها بعد أشهر أو حتى بعد أيام.

صحيح أن المذهب السلفي يعتمد على شعارات عاطفية يحاول من خلالها كسب الشارع السني كشعارات الدفاع عن الصحابة ونساء النبي والسيدة عائشة لكن سرعان ماسيكتشف السنة البون الشاسع بينهم وبين السلفية هذا الشيئ هو الذي حصل في العراق حيث أن أهل السنة هم الذين طردوا السلفية من المناطق التي سيطروا عليها وهو نفس الشيئ الذي يحصل في البلدان العربية بعد الربيع العربي ،

حيث عبر الاخوان المسلمين عن نيتهم التحالف مع السلفية لكنهم اكتشفوا عدم امكانية تحقيق مثل هذا التحالف للاختلاف الشاسع في الفكر والمنهج والفقه والعقيدة بين السنة والسلفية.

وبخلاف ماتحاول السلفية أن تصوره بان مواجتها الرئيسية مع الشيعة لكنها في الواقع لديها حرب مع السنة في كل بلد السنة فيه أكثرية فالسلفيون في الصومال يقتلون السنة هناك وفي باكستان يعملون الشيئ نفسه وفي أفغانستان كذلك وفي اليمن يحصل نفس الشيئ، فالسلفية في العراق تحاول أن تتلبس بلبوس السنة الا انها في مناطق أخرى ترتدي ثياباً مختلفة “لأن الغاية لديهم تبرر الوسيلة” .

وعلى الرغم من اننا في بداية الطريق لكننا نلاحظ مدى التناقض الحاصل بين السنة والسلفية وكلما تقدم الزمان وكلما دخلنا في التفاصيل السياسية كلما ازداد الاختلاف وتعمق بينهما فالمواجهة الحقيقية هي ليست بين السلفية والشيعة بل هي بين السنة والسلفية هذا الشيئ سيحدث في ليبيا وفي مصر وفي كل البلدان العربية التي سيصعد اليها الاسلاميون.

من مواليد 1958 م، واجه بفتواه الساخنة سخونة الاجتياح الصهيوني لبيروت صيف 1982 م، وحرّم على أهلــــها الفــرار منــها، و ثبت و من معه فيها، لا يزال يذكر مشايخه بإجلال كبير، يقدس العلم كتقديسه للدين .

هو ذاك فضيلة الشيخ عبد الناصر عبد الله جبري .

هي زيارته الثانية للجزائر ، جاءها من لبنان يحمل لها معه رسائل الحب لأهلها و تاريخها وترابها وشهدائها، ساقه القدر إلى مدينتي لينهل بعض أهلها من علمه الغزير، وساقني القـــدر لأكون من بين مرافقيه في رحلة عودته إلى العاصمة، و بمثل سرعة السيارة التي كانت تقلنا، كانت سرعة حواري مع فضيلته، عندما تراه تشعر بالملائكة تحيط به من كل جانب، إنســـــان طيب متواضع لا تفارق البسمة وجهه الجمــــيل، إذا حدثك أحببته دون مقدمات، يصف نفسه بخادم طلبة العلم، و عند توديعه يشعرك كأنك أعز من عرف في الدنيا، صريح إلى أبعد الحدود، يؤمن أن القوة في الحب.

عرضت عليه فكرة إجراء حوار سريع لمجلة حنين، إبتسم وقال : ‘‘على بركة الله ’’

س1 : شيخي الكريم، صعب أن نعرف المُعرف، و أصعب من ذلك أن تطلب من شيخ جليل أن يعرف بنفسه، ولكن نحب أن نسمع منكم في بضع كلمات لمحة تعريفية و لو قصيرة عن فضيلتكم.

ج : بسم الله الرحمن الرحيم، نحن متزوج من عام 1979 م، و ليّ أولاد ست، ثلاث من البنين و ثلاث من البنات، و عندي أحفاد، و أسأل الله تعالى أن يكونوا من الصالحين و الصالحات، و زوجتي من حفظة كتاب الله العظيم غيبا، و هي سيــــدة فاضـــلة في تربية أولادها، وواعظة في تعليم جيرانها و أهلها الدين و الإسلام ، وكذلك القرآن الكريم .

أقوم على خدمة طلبة العلم في معهد الدعوة الجامعي للدراسات الإسلامية، و كذلك عندي عمل غير منتظم في تجـمع علمـــــــاء المسلمين و هو هيئة تجمع علماء السنة و الشيعة في لبنان، و أعمل كنائب رئيس الهيئة الإدارية في التجمع، و كذلك في العمل السياسي نحن نقوم على خدمة حركة الأمة ، وهذه الحركة هي مؤسسة فكرية ثقافية سياسية ، نقوم من خلالها ببلورة فكر مقاوم للعدو الصهيوني ، و كذلك للحفاظ على الوحدة الداخلية في المجتمع اللبناني ،

و كذلك نعمل كعميد كلية الدعوة الإسلامية فرع لبنان، و عندنا هيئة عالمية اسمها المجلس العالمي للغة العربية، و هي مؤسسة تعتني باللغة و الحفاظ عليها، و عندنا مؤتمر عن التصوف، و كان المؤتمر الأخير الذي عقد في بيروت بعنوان (دور التصوف في بناء جيل النصر و التمكين) و أهم شيء أعتبر أن الله أكرمني به في عام 1982 م، صمدنا في وجه العدو الصهيوني و حوصرنا عندما حاصر بيروت،

وكنت من الذين قاموا في المدينة ورفضوا أن يخرجوا منها، لأن الدفــــاع عن الأوطـــان بالوحــــدة وبالتعاون هو فرض من الله تعالى و تبارك لنكون من أهل الوفاء ، للحفاظ على مائه وهوائه ، مقابل ما قدّم لنا من طعـــــام و شراب، يجب أن ندافع عن أوطاننا، هذا تقريبا النشاط الدعوي الذي أقوم به، في هذه الفترة من الزمان.

س2 : نستسمح شيخنا أن نبدأ الحوار من أيام الطفولة، ما هي أجمل الذكريات التي لا يزال يحتفظ بها فضيلة الشيخ لمرحلة الطفولة؟

ج : نحن عشنا في المرحلة الأولى من عمرنا المرحلة الابتدائية بدمشق، و في أواخر هذه المرحلة تعرفت على شيخنا سماحة المفتي الشيخ أحمد كفتارو رحمه الله، و كنت من العمر ما يقارب العشر سنوات، ولازمته بالصحبة و التعـــلم إلى أن توفـــاه الله تبــارك و تعالى، و انتقلت بالمرحلة الإعدادية إلى بيروت، لكي أتعلم في الإعدادية الأزهرية وكذلك الثانوية الأزهرية، و تلك الفترة كنت أجتهد أن أكون متعلما أو معلما مع صغر السن،

فمنذ كان عمري 14 عاما كنت أخطب الجمعة، و أصلي بالنــــاس إماما، بمسجد المَُسَيدِبَة، و نتردد على المساجد التي حول القرى في بيروت، و كنت أتردد على بعض العلماء، أتعلم منهم اللغة العربية، والحديث الشريف، مثل شيخي الشيخ سعد ياسين رحمه الله تعالى و الشيخ واصف الخطيب كنت أقرأ عنده القرآن الكريم، و الشيخ حسن دمشقية شيخ القراء في بيرو ، فنتعلم اللغة العربية،

و كانت أجمل الأيام أيام تلقي العلم، و هي أيام جميلة و لطيفة، لأن فيها رضا من الله تبارك و تعالى ونشعر بهذا الرضا من خلال محبتنا وتلقينا للمعلومات و نحاول أن نعمل بما علمنا لأن الأصل بالعلم هو للعمل، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا، فأولا نحن نلتزم بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: كن عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا و لا تكن الخامسة فتهلك. أعاذني الله تعالى و إياك و القارئين من هذا الهلاك، نحن نشعر بأن العلم بداية هو للعمل ثم بعد ذلك تعلم غيرك عسى الله تبارك وتعالى أن ينفعك و ينفع بهذا العلم غيرك.

س3 : أكيد ما عاشه لبنان الحبيب من حرب أهلية شرسة كان له آثر بالغ في نفوس الجميع ، ما هي الدروس التي يمكن أن نتعلمها من تلك التجربة القاسية ؟

ج : يجب أن يتعلم أبناء وطننا العربي والإسلامي من هذه التجربة، أخطر ما يصيب الأوطان أن يختصم أهلها على وطنهم مع خلفيات ليست من مصلحة الوطن، لأن الوطن لا يبنى على خلفية مذهبية أو دينية أو عرقية، الأوطان لا تبنى إلا بقدر ما يقدمه أبناء الوطن لوطنهم، من عطاء و تضحية و فداء، لبناء الوطن، لأن المذاهب أو الأعراق لا فائدة منها للوطن، إلا بقدر ما تقوم هذه المبادئ بخدمة الأوطان، و لذلك يجب أن نعي وعيا صحيحا، أن الإســــلام هو دين أمـــر أبنــاءه و أتباعه أن يحافظوا على أوطانهم، ويعتبروا أن الدنيا كلها هي وطن لهم

لذلك المسلم لا يحل في مكان إلا ويحسن فيه، و يترك آثرا طيبا به لأن النظرة للأوطان هكذا تكون، و لأن المسلم لابد أن يترك بصمة طيبة طاهرة جيدة في كل مكان يحل فيه، المؤمن كالمطر أين ما وقع نفع، فهذا من الآثار التي جاءت عن نبينا المصطفى صلى الله عليه و سلم، فلا نفهم أن المذهب يهدم، نحن نعلم أن خلفية التدين هي خلفية إيجابية على الأوطان و على أهلها .

س4 : في مجتمع تتنوع فيه الطوائف الدينية من مسلمين سنة و شيعة ، و دروز و نصارى و غيرهم ، كيف يكون التعايش بين جميع هؤلاء ؟ و كيف للسني أن يعيش وسط هذا الزحام ؟

ج: هذه الخلفيات المذهبية أو الدينية أو الطائفية، ينبغي أن يستـــفاد منها لتمتين علاقــة المواطن بوطنه، وليس من أجــــل أن يتآمر المواطن على وطنه، فكما عاش اللبنانيون وكما عاش غير المسلمين مع المسلمين في هذه المنطقة خلال التاريخ، وحافظ المسلمون على إخوانهم المواطنين الآخرين، يجب علينا أن نستمر في هذا الفكر، و بهذا الحفاظ على الناس، فالتعدد المذهبي و التعدد الطائفي، يعطي الأوطان دفعا إلى الأمام لكي تزدهر، و لأن هذا التنوع هو تنوع من أجل الجمال و ليس من أجل التناقض و هدم البنيان، هكذا كان التنوع خلال التاريخ، وهكذا يجب أن ننظر إليه، وهكذا يلزمنا أن نتعامل معه في المستقبل.

وأما أن يستغل المستعمر أو أعداء الأمة بعض الطوائف أو بعض المذاهب أو بعض الأعــــراق من أجــل تشتيت البلد الواحـــد، هذه مؤامـــرة خطـــيرة يجب أن نلتفت إليــــها و نفوّت الفرصة على أعدائـــنا لتبقى أوطاننا قوية، و بقوة أوطاننا نكـــون أقويـــاء و في منعة، و إن ضعفت الأوطان نسقط معها، و ليس للإنسان بعد وطنه مكان يحرسه و يجمعه، لذلك يجب أن نلتفت التفاتة للأمة للحفاظ على أوطاننا و بلداننا.

س 5 : هل من كلمة أخيرة شيخنا الفاضل لقراء مجلة حنين ؟

ج : أول شيء نحن ندعو الله سبحانه و تعالى أن يبارك بهذه المجلة وقرائها، و أتوجــــه لأهلـــــنا في الجزائر أن يحافظوا على بلدهم، و أن يحافظوا على وحدتهم، ونقــــول لهم أن للجـــزائر و أهلـــها و شعبها في نفوس إخوانهم العرب و المسلمين مكانة بسبب جهادهم لتحرير أرضهم من المحتل الفرنسي،

فنتمنى من الإخوة في الجزائر أن يتحركوا على مستوى الوطن العربي، و يعملوا على وأد الفــتن بين إخوانهم لأن كلمتهم مسمــــوعة بسبب محبتهم لهم، و كذلك نقول لإخواننا و أهلنا في الجزائر عليكم أن تنتبهوا وتحافظوا على هذا البلد الذي روى الشهداء بدمائهم أرضه و ترابه فلا تضيــــعوا هـــذه الدمــاء وصونــــــوها بوحـــــدتكم، وبمحبتكم وبالعمل على الارتقاء بهذا البلد الكبير والعظيم، لتكون الجزائر في طليعة الدول العربية و الإسلامية التي تنافس الدول الغربية، بقوتها و بتسامحها و بحضارتها و بتقدمها.

فنـسأل الله تعالى، أن يبـــارك في هذا الشعب الكــــريم، و أن يجعل فيه الخــير العظــيم، و نسأله أن يذكرونا دوما بالخير والدعاء، فحمى الله الجزائر و الوطن وجميع الأمة ، إنه سميع مجيب و الحمد لله رب العالمين.

حاوره قدور شاهد ـ في الطريق إلى الجزائر العاصمة

السبت 06 نوفمبر 2010 م

المصدر: الاجتهاد