عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "الْمَوْت طَالِبٌ حَثِيثٌ لَا يَفُوتُه الْمُقِيمُ، ولَا يُعْجِزُه الْهَارِبُ، إِنَّ أَكْرَمَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ".
بين حتمية الموت واختيار الإنسان للقتل في سبيل الله فرق عظيم، وقد ورد في العديد من الروايات بيان منزلة القتل الذي يكون في سبيل الله، ويكفي في عظمته أن يصفه الإمام (عليه السلام) بأنه أكرم الموت، لما فيه من عزة ورفعة لمن اختاره، كما وصفه رسول الله بأنه أشرف الموت، فقال (صلّى الله عليه وآله): "أشرف الموت قتل الشهادة".
والكرامة في موت الشهادة تتمثل في أنها لقاء الإنسان مع ربه، وهذا اللقاء هو الأمنية التي يسعى إليها المؤمن وهي مضمونة للشهداء، بل إن سيرهم للحرب والقتال لا يكون إلا وقد وضعوا نصب أعينهم لقاء ربهم, ويصف أمير المؤمنين (عليه السلام) المجاهدين معه في مواجهة معاوية بقوله: "وأَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ، والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ، مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ الْمَوْتِ، أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ".
أما في البعد الأخروي فللشهداء منزلة خاصة نجد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأل الله أن يجعله في تلك المنزلة فيقول: "نَسْأَلُ اللَّه مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ ومُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ، ومُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ".
إنّ هذه المكانة تجعل المجاهد في سبيل الله يُقبل وهو في غاية الشوق إلى لقاء الله عز وجل كما وصفها أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: "مَنِ الرَّائِحُ إِلَى اللَّه كَالظَّمْآنِ يَرِدُ الْمَاءَ".
بل خصوصية تمني العودة إلى هذه الحياة ليس طلباً للبقاء فيها بل طلباً للقتل مرة أخرى، لما في لحظة الشهادة من عظمة يعيشها الشهيد فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أنها ترجع إلى الدنيا، ولا أن لها الدنيا وما فيها، إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل في الدنيا، لما يرى من فضل الشهادة".
وقد خص الله عز وجل الشهداء بحياة خاصة مبيناً معالم ثلاثة في تلك الحياة: الأولى: أنهم يأتيهم الرزق من ربهم، والثانية: أنهم يعيشون الفرح بما يصل إليهم من عطاء الله عز وجل، والثالثة أنّهم يعيشون البشرى بالنصر المكتوب لمن خلفهم وبالأجر الذي يصلهم، قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
إن إحياء يوم الشهيد وإكرام الشهداء بتخصيص يوم لذكراهم, هو نوع من الشكر لهم لما قدّموه وبذلوه, يقول الأمين العام سماحة المجاهد السيد حسن نصر الله: "نحن الذين بقينا على قيد الحياة نغبط هؤلاء الشهداء، ونبارك لهم، لماذا؟
أولاً: لأنهم انعتقوا وتحرروا من سجن الدنيا الفانية الدنية وانطلقوا إلى تلك الحياة الأبدية الخالدة الأزلية، حيث الكرامة والعزة والسلام والطمأنينة والأمن والأمان، ولأنهم بشهادتهم أيضاً أصبحت حياتهم أشد وأقوى.
وثانياً: نشكرهم لكل ما قدموه من أجلنا ومن أجل الناس ومن أجل الأمة والمقدسات والحاضر والماضي والمستقبل. نحن بحمد الله تعالى في هذه المقاومة وفي هذه المسيرة ممن يعرفون النعمة ويعترفون بالنعمة ويشكرون صاحب النعمة على نعمته، ونقرّ لأهل الفضل بالفضل، وهذا مقتضى الشرف، وبالشكر تدوم النعم، ولئن شكرتم لأزيدنّكم. على هذا الأساس يجب أن نتذكر دائماً ونستحضر دائماً ما قدّمه هؤلاء الشهداء لشعبنا، لأمتنا، لأجيالنا، لمستقبلنا".
المصدر: المعارف الإسلامية