طوال التاريخ كان الفقراء هم الأكثر عطاء وكرماً وتضحية وبذلاً. باختصار كانوا الأكثر وفاءً لأوطانهم ومجتمعاتهم ولمن يحتاجهم في الثورة على الظالمين ونصرة المظلومين والمستضعفين. وتجارب الأمم والشعوب في عصرنا الحالي تثبت هذا الاتجاه، إضافة إلى بعض الدراسات الاجتماعية التي تبين كيف أن الفقراء في مختلف البلدان هم الأكثر تعاطفاً وتعاوناً في أوقات الأزمات وعندما يتعرض الوطن لأي اهتزاز اقتصادي او اجتماعي أو بيئي. وبغض النظر عن الأسباب، التي ترجعها بعض الدراسات إلى كون فقر الفقراء يجعلهم يعرفون معنى الجوع والحاجة فيدفعهم ذلك إلى التعاطف مع من يعاني نفس معاناتهم، فإن هذا الوفاء الذي يتمتعون به يجعلهم الفئة التي يمكن التعويل عليها لأي عملية تغيير اجتماعي، أو إصلاح سياسي. والقادة العظماء يعلمون هذا جيداً، ولذلك نجد تعويلهم في أي حراك اجتماعي على الفقراء غالباً دون غيرهم.
ومن أجل ذلك نجد كيف كان الإمام الخميني (قدسره) يؤكد مراراً على الاعتماد والثقة بوفاء الطبقات الضعيفة، ويكرر القول بأن سكان الأكواخ والفقراء والمحرومين هم الذين ملأوا الساحات رغم حرمانهم دون اعتراض، وهم الذين يحضرون في ميادين الخطر. بينما الطبقات المترفة هي أكثر من تبدي استياءها وتبرمها حين تقع الحوادث وتظهر المشاكل في كثير من الأحيان. لقد برزت قضية وفاء الطبقات المتوسطة والمحرومة من أبناء الشعب في رؤية الإمام وكان دوماً يؤكد عليها[1].
هذا الوفاء من الفقراء يرتب علينا مسؤولية تجاه كرمهم وعطائهم وإنسانيتهم، هذه المسؤولية يمكن الإحاطة ببعض جوانبها من خلال استعراض بعض الروايات:
1- مودتهم والتقرب منهم:
ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أمرني ربي بحب المساكين المسلمين[2]".
وفي حديث المعراج -: "يا أحمد! محبتي محبة الفقراء، فأدن الفقراء وقرب مجلسهم منك، وأبعد الأغنياء وأبعد مجلسهم عنك، فإن الفقراء أحبائي[3]".
2- تقديرهم وعدم الاستخفاف بهم:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ألا ومن استخف بفقير مسلم فقد استخف بحق الله، والله يستخف به يوم القيامة، إلا أن يتوب"[4].
3- إكرامهم والإحسان إليهم بما يحفظ كرامتهم:
قال (صلى الله عليه وآله): "من أكرم فقيرا مسلما لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض[5]".
هذا الوفاء من هذه الفئة المؤمنة الصابرة المحتسبة من أبرز تجليات ولائها واتباعها وتشيعها لأهل البيت عليهم السلام. المؤمن وفيّ لمبادئه، ووفيّ للقيم الحقة ولكل ما يكون مصداقاً للخير والإحسان في الحياة الدنيا.
قال (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): "يا علي إن الله تعالى زينك بزينة لم يزين العباد بزينة هي أحب إليه منها، زهدك فيها[6]، وبغضها إليك، وحبب إليك الفقراء فرضيت بهم أتباعا، ورضوا بك إماماً".
المصدر: شبكة المعارف الإسلامية
[1] راجع: وديعة الله، شذرات من كلام الامام الخامنئي دام ظله حول شخصية ونهج الامام الخميني قدس سره، ص 123.
[2] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - ص 497 – 498.
[3] م. ن.
[4] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - ص 2447.
[5] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - ص 1167.
[6] أي: زهدك في الدنيا.