لا تحرصوا على إعادة من كفر بالإسلام؛ احرصوا على من تبقى بمعرفة حقيقة الإسلام؛ لو تصححت المفاهيم لاستراحت العقول.. الخلطة مرهقة للعقل والضمير.
الآن؛ عندما تقول للملحد عد إلى الإسلام؛ هل تظن بأنك تدعوه للعودة إلى الإسلام؟ أنت تدعوه للعودة إلى ما كان عليه فقط؛ اعطه المعنى الجديد أو دعه؛ والمعنى الجديد هو المعنى المضاد للأسباب التي ترك بها الدين؛ هل عندك مثلاً دليل على حرية التعبير والاعتقاد؟ هل تصحح له ما شوهته الدهر والواقع؟ أنت اهتم بنفسك وصحح الأفكار المغلوطة عندك؛ ودع الناس؛ فلهم رب بصير بالعباد؛ يعلم العاجز المعذور والمتكبر المغرور؛ أنت لا تعرف؛ اهتم بنفسك أفضل.
النقد لله كالشهادة لله - راحة مستدامة - هذه التقلبات التي نراها في النقد - سواء على المستوى الفردي أو الجماعي - سبها أن النقد في الحالتين ليس لله؛ النقد لله؛ والثناء لله؛ والشهادة لله في الأمرين؛ والقول لمن أحسن أحسنت ..ولله؛ والقول لمن أساء أسأت ...ولله؛ هذا مريح جداً؛ وكل ما كان لله مريح؛ النقد لله هو داخل الشهادة لله؛ والشهادة لله طمسها الشيطان من عقولنا وقلوبنا؛ وإلا؛ فهي أولى وأهم من الذبح لله والصدقة لله والصلاة لله ...الخ.
عندما تنقد لله - يعني للحق ، للمعلومة الصحيحة - تكون مرتاح الضمير؛ صادقاً مع الله والناس، مأمون الجانب، فلا غدر ولا خيانة ولا تقلب ولا شيء؛ نعم؛ الشهادة لله فريضة مهدرة، منسية؛ أنسانا إياها الشيطان لخطورتها على مشروعه؛ فكان لزاماً عليه - إن أراد أن ينجح مشروعه - أن يميتها تماماً؛ وقد فعل.
اليوم الشهادات كثيرة؛ كالشهادة للذات (الأنا)؛ للمذهب؛ للحزب؛ للاتجاه السياسي؛ للمصلحة .. كثيرة جداً؛ لكن؛ الشهادة لله غير موجودة؛ ميتة أو شبه ميتة؛ الشهادة لغير الله - بمدح أو ذم - كثير المؤونة، قليل البركة، ضره أكثر من نفعه؛ بينما الشهادة لله؛ ولأنها لله؛ فتبقى، لأنها لله؛ وما كان لله لا يضيعه.
الشهادة لله لا تستوجب الصواب؛ وإنما تسلتزم الصدق في الحكم على الأشياء أولاً؛ أما الصواب؛ فقد تصيب وقد تخطىء؛ ولكنها - إن كانت لله - فهي رجاعة للحق؛ بمعنى؛ لا تخشَ من صاحب الشهادة لله؛ ولو أخطأ؛ لأنه؛ إن شهد لله وأخطأ؛ فسيعود عن ذلك الخطأ لله أيضاً؛ المهم صدق النية في الشهادة - ذماً أو ثناءً - معالجة صدق النية من أشق الأمور، وهي المرحلة الأولى؛ والمراحل التي تليها هي من اختبار المعلومات شاق أيضاً؛ ولكن المشقة الأكبر في معالجة النية؛ والأصل في الشهادة لله هي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾؛ والآيات في الشهادة لله كثيرة وخطيرة؛ بل؛ لن تكون من المصلين حتى تكون من أصحاب الشهادة لله، كما في سورة المعارج ﴿والذين هم بشهاداتهم قائمون﴾..
كل جوانب العبادة لله أتاحها لنا الشيطان وسمح بالعمل بها؛ كالصلاة لله؛ الصوم لله؛ الذبح لله؛ الدعاء لله؛ لكنها حرمنا من (الشهادة لله) لخطورتها؛ بل استطاع الشيطان أن ينسنا إياها تماماً رغم تأكيد القرآن عليها؛ فلو تسأل أي متعلم أو عامي عن الشهادة لله؛ لقال هي شهادة ألا إله إلا الله! لو كانت الشهادة لله مأموراً بها وفاعلة في الناس لما كانت هذه التقلبات والمظالم في التوصيفات والأعمال والأقوال؛ مرة هذا سماء ومرة أسفل سافلين؛ كل الأمة مشاركة في الشهادة لغير الله - ولو بنسب مختلفة - وترك الشهادة لله هو ما يطحنها ويذيقها بأس الشيطان؛ ترك الشهادة لله فرصة لمشروع إبليس.
نعيد التذكير بآيات كأنها لم تنزل في القرآن! كأنها نزلت في التوراة والإنجيل بسبب هجران الناس للقرآن؛ كبراً وعلواً أو جهلاً وغلواً؛ ومنها ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾
الشهداء لله لهم مرتبة عالية: ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾؛ فالشهداء في الآية السابقة ليس معناها المقتول في سبيل الله؛ فالذي يقتل سبيل الله وصفه (مقتول في سبيل الله)؛ لكن الشيطان يريد إبطال الشهادة لله؛ الذي يقتل في سبيل الله في القرآن ليس اسمه (الشهيد)؛ اسمه مقتول في سبيل الله؛ وفقط؛ حتى النبي قال الله ﴿أفإن مات أو قتل﴾؛ ما قال (استشهد).
إبطال الشيطان لشريعة (الشهادة لله) هي من منابع نكبات المسلمين؛ الشهادات لا تعد ولا تحصى؛ لكن ليس فيها (الشهادة لله)؛ أو ترتيبها متأخر جداً؛ الشهادة لله هي مقياس ايمانك بالله؛ على قدر ما يكون الله في قلبك تكون الشهادة له...
ياااه؛ ما أضعف الله في قلوبنا؛ ثم نتفاخر بأننا لله.. ما أكذبنا!
الشهادة لله هي لك وعليك؛ تسعدك يوماً وتغضبك آخر؛ هي خلف المعلومة الصحيحة؛ لا خلفك ولا خلف خصمك؛ ويجب أن تشهد لله - شهادة حق - ولو على نفسك.
المؤمن الحق يدعو ﴿فاكتبنا مع الشاهدين﴾؛ لأنه يعلم منزلة الشهادة لله؛ وهي أول مهام النبي ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا ونَذِيرًا﴾.
عندما يقول الله ﴿كونوا شهداء لله﴾ لا يعني أنك معصوم؛ لكن يعني أنك تشهد بما تعلم؛ وهذا الذي تعلمه يجب عليك التحقق منه؛ فإن أخطأت وجب الرجوع لله؛ ولذلك قد يأتي البعض ليقول: فاشهد أنت على كذا وكذا ... وهذا ال (كذا وكذا) هو كذب عندك؛ فلا تجوز شهادتك على من شهادة من تعلم أنه كاذب لا يتحقق؛ الشهادة لله ليست لعبة حتى توزعها كما يشاء الخائضون؛ الشهادة لله أمانة ومسؤولية وعبادة؛ فلا تلعب بها؛ ذرهم يخوضوا ويلعبوا؛ شهادتك لله؛ فاحفظها له؛ ليس بالضرورة أن تشهد بما تجهله؛ حتى ولو كان حقاً؛ أي ما دام أنك تجهله أنت؛ فلا تشهد؛ فإذا قامت أمامك البراهين على أنه حق، هنا تجب الشهادة.
أصحاب الشهادة لغير الله سيتعبونك كثيراً؛ وهم يجرجرونك من الشيء لضده؛ لكن الله يأمرك أن تكون شاهداً لله فيما تعلم ﴿ولا تقفُ ما ليس لك به علم﴾..
*حسن فرحان المالكي