شهداء كربلاء.. قوافل العشق المضيء

الأحد 1 أكتوبر 2017 - 10:05 بتوقيت غرينتش
شهداء كربلاء.. قوافل العشق المضيء

الكوثر - أنصار الحسين

هم فتيةٌ صلّى على أحداقِهم *** فجرٌ, ففُتّحت السنابلُ بالضياء

مسحوا تجاعيدَ الزمانِ بكفِّهم *** ليشعَّ منها بالخلودِ الكبرياء

هم فتية راودتهم الأنهار, وقدت ظمأهم, لكنهم آمنوا بعشق الكوثر

هم فتية آثروا أن يتوّجوا أسماءهم بالشهادة

هم فتية لن يجود الزمان بمثلهم إلا أن يشاء الله

إنهم أصحاب الحسين الذين وصفهم بقوله (إني لا أجد أصحاباً أوفى ولا خير من أصحابي)

روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج3 ص267) قول رجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد عن مواقف أصحاب الحسين (عليه السلام) في ذلك اليوم فقال: (ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كأسود ضارية تحطّم الفرسان يميناً وشمالاً, وتلقي أنفسها على الموت, لا تقبل الأمان, ولا ترغب في المال, ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية).

 

هذه شهادة شاهد عيان رأى بعينيه مواقف هؤلاء الأبطال الذين جسّدوا القمة في الفروسية والشجاعة, ومثلوا الذروة في الإخلاص والوفاء والتضحية وما أجمل هذا المعنى حين يثير الشاعر ليقول:

قومٌ إذا نُودوا لدفع ملمةٍ*** والقوم بين مدعّسٍ ومكردسِ

لبسوا القلوبَ على الدروعِ وأقبلوا*** يتهافتون على ذهابِ الأنفسِ

نصروا الحسين فيالهم من فتيةٍ***عافوا الحياة وأُلبسوا من سندسِ

وهناك قول لكعب بن جابر قاتل الشهيد برير بن خضير الهمداني فإنه لما رجع إلى بيته عتبت عليه امرأته بقولها:

(أعنت على ابن فاطمة وقتلت (سيد القراء) ـــ أي برير ــــ لقد أتيت عظيماً من الأمر والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا)

فقال لها من ضمن أبيات يصف مالاقاه في كربلاء من الصولات البطولية لأصحاب الحسين:

 

ولم تر عيني مثلهم في زمانهم*** ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافعُ

أشد قراعاً بالسيوفِ لدى الوغى*** ألا كل من يحمي الذمار مقارعُ

وقد صبروا للضرب والطعن حسراً*** وقد نازلوا لو أن ذلك نافعُ

 

وهناك شهادة ثالثة لو تأملها القارئ لاتضحت له الصورة أكثر بأن أصحاب الحسين (رضوان الله عليهم) لا يمكن أن يُقاس بهم أي أحد آخر, وهذه الشهادة هي من عمرو بن الحجاج الزبيدي قائد الميمنة في الجيش الأموي في كربلاء فإنه لما رأى أن أصحاب الحسين أكثروا القتل في أهل الكوفة ورأى افراد جيشه يفرون منهم صاح:

(أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون (فرسان المصر) و (أهل البصائر) وقوماً مستميتين لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلتهم).

 

ومن الطبيعي أن هاتين الصفتين (فرسان المصر) و (أهل البصائر) كان يتميز بهما أصحاب الحسين وهما معروفتان فيهم عند أهل الكوفة ولم يخترعهما ابن الحجاج من عنده ومن يتأمل في هذه الكلمة يجد أن أصحاب الحسين كانوا هم طليعة فرسان المسلمين على الإطلاق, فهو يقصد بالمصر الكوفة بلا شك والكوفة في ذلك الوقت كانت مجتمعاً محارباً كونته القبائل المقاتلة بعد رجوعها من معركة القادسية واختطت دورها فيها فكانت تمثل الجيش الإسلامي, وإطلاق كلمة فرسان المصر على جماعة هم في الأساس من هذا المجتمع المحارب ماذا تعني؟ إنها بلا شك تعني أن هذه الجماعة هم طليعة فرسان الجيش الإسلامي على الإطلاق.

 

وهناك شهادة أخرى بحق أصحاب الحسين هي في غنى عن هذه الشهادات الثلاث وهي بطولاتهم وشجاعتهم التي أبدوها في ذلك اليوم فقد كان كل واحد منهم يمثل جيشاً بأكمله وهذا ما تجسد في مبارزاتهم فكل من استشهد من أصحاب الحسين اشتركت مجموعة من الجيش الأموي بقتله ومارست هذه الجماعة قتالاً جباناً في قتله كرميه بالحجارة ولم يجرؤ أحد على مبارزة أي أحد من أصحاب الحسين فرادى كما اعترف قادة الجيش الأموي بذلك فقد عقب عمرو بن الحجاج الزبيدي على مقولته التي ذكرناها بقوله:

(والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم)

فقال له عمر بن سعد:

(صدقت الرأي ما رأيت أرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منكم ولو خرجتم إليهم وحدانا لأتوا عليكم).

وهذه أمثلة على الشجاعة النادرة لأصحاب الحسين في قتالهم والممارسات الجبانة التي اتبعها الجيش الأموي في قتلهم:

 

1 ــــ الحر بن يزيد الرياحي: (قتل نيفا وأربعين رجلا) ثم حملت الرجالة على الحر وتكاثروا عليه حتى قتلوه).

2 ـــــ نافع بن هلال الجملي: (قتل اثني عشر رجلا سوى من جرح) أحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتى كسروا عضديه وأخذوه أسيرا وقتله الشمر

3 ـــــ عابس بن أبي شبيب الشاكري: (تحاماه الناس لشجاعته) ثم أحاطوا به من كل جانب فقتلوه.

4 ـــــ حبيب بن مظاهر الأسدي: (قتل اثنين وستين رجلا) اشترك ثلاثة في قتله هم بديل بن صريم ورجل من تميم (لم تسمه المصادر) والحصين بن نمير.

5 ــــ جون بن حوي: (قتل خمسة وعشرين رجلا) فأحاطوا به من كل جانب ومكان فقتلوه.

6 ــــ مسلم بن عوسجة: (قاتل قتالا شديدا) اشترك اثنان في قتله هما مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة.

7 ــــ أبو الشعثاء الكندي: (قتل أربعة عشر رجلا) تكاثروا عليه وقتلوه.

8 ــــ زهير بن القين (قتل مائة وعشرين رجلا) ثم عطف عليه كثير بن عبد الله والمهاجر بن أوس فقتلاه.

9 ــــ برير بن خضير: قاتله ثلاثة رجال هم يزيد بن معقل ورضى بن منقذ العبدي وكعب بن جابر فقتل برير يزيد وجرح رضى فقتله كعب.

10 ــــ الصحابي أنس بن الحارث الكاهلي: (قتل ثمانية عشر رجلا) أحاطوا به وقتلوه

11 ــــ سويد بن عمرو بن أبي المطاع: تكاثروا عليه وقتلوه.

12 ــــ عبد الله بن عمير الكلبي: (قتل تسعة عشر رجلا) اشترك رجلان في قتله هما بكر بن حي وهانئ بن ثبيت الحضرمي.

13 ــــ حنظلة بن أسعد الشبامي: (قاتل قتالا شديدا) فحملوا عليه فقتلوه.

14 ــــ عمير بن عبد الله المذحجي: (قاتل قتالا شديدا) اشترك في قتله مسلم الضبابي وعبد الله البجلي.

 

لقد كان أصحاب الحسين (أهل البصائر) يمثلون نوعية خاصة من الرجال لا يمكن أن تتوفر في كل زمان ومكان

يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه أنصار الحسين ص (227):

( (أهل البصائر) تعبير يعنى به الواعون الذين يتخذون مواقفهم عن قناعات تتصل بالمبدأ الإسلامي ولا تتصل بالإعتبارات النفعية.

وإذن فنحن أمام نوعية من الشخصيات تمثل النخبة الواعية للإسلام في المجتمع الإسلامي في ذلك الحين وهي تستمد تفردها من فضائلها الشخصية ومن وعيها الإسلامي والتزامها بموقفها المبدئية)

ثم يذكر في هامش نفس الكتاب والصفحة معنى هذه الصفة (أهل البصائر) فيقول:

(لقد ورد هذا المصطلح في خطب أمير المؤمنين وكتبه وكلماته القصار للتعبير عن الفئة الواعية في مقابلة غير الواعين)

ثم يورد نصاً من خطبة لأمير المؤمنين ينطبق كل الإنطباق على أصحاب الحسين وهو:

(لم يمنوا على الله بالصبر, ولم يستعظموا بذل أنفسهم في الحق حتى إذا وافق وارد القضاء انقطاع مدة الإبتلاء, حملوا بصائرهم على أسيافهم, ودانوا لربهم بأمر واعظهم).

ويقول: أن قوله: (حملوا بصائرهم على أسيافهم يعني في لغتنا الحاضرة: المواقف المبدئية المعلنة والنضال في سبيلها)

ويقول ابن أبي الحديد في تعليقه على هذا النص من الخطبة: (أنهض الله هؤلاء العارفين الشجعان فنهضوا (وحمل هؤلاء العارفون بصائرهم على أسيافهم) يعني أنهم أظهروا بصائرهم وعقائدهم للناس وكشفوها وجردوها من أجفانها فكأنها شئ محمول على السيوف يبصره من يبصر السيوف).

 

وقد تجسد هذا المعنى في أصحاب الحسين فلم يشهد التاريخ مواقفاً كتلك المواقف المبدئية التي جسدوها في كربلاء في كل حقبه ومراحله, لقد أذن لهم الحسين بالإنصراف موضحاً لهم أن القوم لا يطلبون غيره, ولكن تلك النفوس الأبية والضمائر الحرة الواعية, أبت أن تفارق سيدها الحسين, ولنستمع إلى كلماتهم الخالدة في هذا الصدد حينما أذن لهم الإمام الحسين بالإنصراف:

1ــــ زهير بن القين البجلي: (سمعنا يا ابن رسول الله مقالتك, ولو كانت الدنيا لنا باقية, وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها).

2ــــ برير بن خضير المشرقي الهمداني: (يا ابن رسول الله لقد من الله تعالى علينا بك أن نقاتل بين يديك, وتقطع فيك أعضاؤنا, ثم يكون جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شفيعنا يوم القيامة فلا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم أف لهم غدا ما يلاقون سينادون بالويل والثبور في نار جهنم وهم فيها خالدون).

3ــــ نافع بن هلال الجملي: (سر بنا يا ابن رسول الله راشدا معافى مشرّقاً إن شئت أو مغرّبا فوا الذي لا إله إلا هو ما أشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربنا وإنا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك).

4ـــ الحر بن يزيد الرياحي: (قليل في حقك يا مولاي أن تكون نفسي لك الفداء).

5ــــ مسلم بن عوسجة: (أنحن نخلي عنك؟! وبماذا نعتذر إلى الله في إداء حقك؟ أما والله لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضرب بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك حتى أموت بين يديك).

6ــــ سعيد بن عبد الله الحنفي: (لا والله يا ابن رسول الله, لا نخليك أبداً حتى يعلم الله تبارك وتعالى أنا حفظنا فيك غيبة رسوله, ووالله لو علمت أني أقتل, ثم أحيا, ثم أحرق حياً, يُفعل بي ذلك سبعين مرة لما فارقتك أبداً, حتى ألقى حمامي من دونك وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة, ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها).

7ــــ محمد بن بشير الحضرمي: (أكلتني السباع حياً إن فارقتك).

8ــــ عابس بن أبي شبيب الشاكري: (يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحب إليّ منك, ولو قدرت على أن أدفع الضيم والقتل بشئ أعز عليّ من نفسي ودمي لفعلت).

9ــــ جون بن حوي: (لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم أهل البيت).

 

هذه بعض الصور الخالدة اقتطفناها من المصادر عن مواقف أصحاب الحسين وهم يسجلون بدمائهم الطاهرة أروع صفحات الجهاد والتضحية والفداء في سبيل الحق والعقيدة.

وهذه سيرة التضحية التي سجلها بعض هؤلاء الأبطال من الذين ذكر التاريخ بعض جوانبها وأخفى عنا سيرة الكثير منهم ولكن موقفهم في يوم الطف دل على أنهم كانوا من صفوة الرجال حتى استحقوا ذلك الوسام وهي كلمة سيد الشهداء (عليه السلام) بحقهم:

ـــ (والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمّه).

 

*محمد طاهر الصفار