في حين ان تحويل بوصلة المعركة وضرب وحدة الصف ليس سببها نقد "الخرافة" ومكافحة عمليات "التسطيح" المقصودة وغير المقصودة، التي تحاول استغلال بعض الآراء كما تستغل "الوهابية" بعض الآراء عنه أهل السنة.. بل بسبب تمادي الانحراف والباطل في غيّه، كما يقول الامام علي (عليه السلام): " حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهم أهل الباطل أنهم على حق".
لذلك.. انني وكثيرون على اعتقاد راسخ بأن القضاء على الأرهاب والجمود والتخريف والبدع، لايكون بمعالجة الظواهر والفروع، بل بـ"ضرب" عمقها الفكري والمالي والسياسي والاعلامي وفي اقتلاع جذورها وتنظيف المجتمع من لوثها.. كما أؤمن ـ بالضبط ـ بأن الارهاب التكفيري الداعشي والقاعدي لايقضى عليه الّا بضرب الوهابية نفسها، بتراثها ورموزها وتاريخها والدول التي تصدرها وتستخدمها.
ان الخرافة والبدع التي تظهر في بعض مراسم سيد الشهداء والتي تحاول حرف بوصلة الثورة الحسينية من همّ الدين والانسانية ومبادئ الثورة ضد الظلم والصنمية، الى مجرد عملية جلد للذات وانتقام وقمع للأنا وتحويل بوصلة الشباب والأمة نحو"التحريف" و "التسطيح"، واشغال اتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ببدع وانحرافات "التطين المقدس" و "الاقفال المقدسة" و "الادماء المقدس" و "الجمر المقدس" و "الزجاج المقدس" و ”العواء المقدس” وغيرها من اللامقدسات المعبرة عن ثقافة الجهل.. هذه ايضاً بحاجة الى اجتثاث من خلال نهضة يشارك فيها الجميع (مراجع وفضلاء ومثقفين وعلماء وشباب واعي وتجار ورعين وناس عادين) وفي مقدمة كل هذا مطالبة المرجعيات المتصدية بموقف واضح.. اكرر: موقف واضح ومباشر، دون ان تترك الأمور لتأويلات الوكلاء والمحسوبين والمنسوبين.
ما يدعو الى اثارة هذا الموضوع، هو موسم العزاء الحسيني الذي سيمتد حتى نهاية صفر، والذي يشكل فرصة لبعض الاتجاهات والتيارات المنحرفة من أجل بث سمومها واظهار بدعها وتخريفاتها.. فلوان التطبير في عاشوراء والقفز على الجمر والزجاج لايسعه ان يستمر اكثر من صبيحة يوم أو ظلام ليلة، فأن مظاهر الانحراف في مسيرة الاربعين المقدسة وهذه الشعيرة العظيمة يمكن ان تستمر اياماً وتشوه هذا الفعل والحراك المقدس، الذي ظاهره الولاء لأهل بيت النبوة (عليهم الصلاة والسلام) وباطنه التسليم المطلق للباري عزوجل والتوحيد الخالص الذي يتجاوز كل العوائق ويتنقل من جميع مراحل العشق ليصل في الختام ومع نهاية المسير عند كربلاء، الى المعشوق، هذه الجماعات الصغيرة التي تتحول الى افواج، وهذا الطائر الصغير المنطلق فرادى من عشه ليتحول ويصير من خلال الاتصال بهذا التيار الهادر الى عنقاء تحلق بعيداً في أفق المطلق متجاوزة كل قيود الزمان والمكان.
ان تحويل الملحمة الحسينية المقدسة واختزالها في رقصات وأطيان ومشي على الجمر وعواء وتطبير ومراسم شتائم وسباب، هوما يريده الخط والنهج اليزيدي الأموي، وهذا الصخب الموسيقي والهمجي هوالذي يريد ان يخمد صوت الحرية الاصيل المنطلق من قيم الثورة الحسينية: "ومثلي لايبايع مثله" ومن شعار الاحرار الذي تجاوز حدود الزمان والمكان:"هيهات منا الذلة"، فأي ذلة اكبر من يتحول أشرف مخلوقات الباري عزّوجل الى كلب يعوي بدعوى الولاء لأهل البيت؟!
وليس غريباً ان يتصدر البعض هذه الدعوات الزائقة بأسم الدين والولاء، وليس جديداً ايضاً ان يتحول " التطبير" و "التجمير" و "التطيين"... الى فرقان بين الحق الحسيني والباطل اليزيدي لدى البعض، "فكل اناء بالذي فيه ينضحُ" أو كما يعبر القرآن الكريم: "سالت أودية بقدرها"...
لكن الغريب هو صمت الآخرين عن هذا الاستغفال لمشاعر المؤمنين وسكوتهم عن هذا التشويه الذي يطال مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) وفكرهم ونهجهم بأسم الولاء للحسين (ع) صاحب اعظم ثورة ضد الظلم واكبر راية في التحرر في سماء التاريخ والبشرية.. اننا امام مجزرة للقيم الحسينية يقوم بها خط اقل ما يقال عنه انه منحرف وضال، على مرأى ومسمع من زعامات العالم الشيعي، وهي لا تحرك ساكناً وكأن الأمر لا يعنيها، تاركة المقلدين يضربون اخماس بأسداس ولايتفقون على موقف شرعي واحد ازاء هذه الممارسات الانحرافية.
اننا جميعاً مدعوون الى تحويل مراسم العزاء الحسيني الى محطة تترك اثارها الايجابية على نمط الحياة والتكافل الاجتماعي.. والى مكافحة صور الانحراف ومساعي تشويه صورة ومضمون الشعيرة الحسينية المقدسة، من خلال بث الوعي بين الزوار والتأكيد على مبادئ وقيم الثورة الحسينية وتحويلها الى فعل انساني وثوري، ينتج عنه التحرير والبناء والاخلاص للوطن والانسان والعبودية المطلقة للباري عزّوجل.. وايضا رفض اي بدعة وممارسة ملوثة تكون عواقبها سيئة على الدين والثورة الحسينية والمذهب والوطن.. والله من وراء القصد.
بقلم: علاء الرضائي