الكوثر- مقالات
ما هو نمط الحياة؟
يُبيِّن نمط الحياة مجموعة كبيرة وواسعة من السلوكيّات الإنسانيّة التي تحكي علاقة الفرد بخالقه وبنفسه وبالأفراد المحيطين به، لا بل علاقته بالموجودات الأخرى. ويتمحور نمط الحياة بشكل أساسيّ حول القيم التي تُحدّد علاقات الإنسان تلك، أو الميول والترجيحات في تعامله مع محيطه. وباختصار، نمط الحياة عبارة عن النموذج أو المجموعة المنظَّمة من الأفعال.
اقرأ أيضاً
تحدّث الإمام الخامنئيّ دام ظله حول نمط الحياة ودوره وأهميّته، فأكَّد أنّه تابع لفهمنا للحياة والهدف منها. وعليه، فهو يتحدَّد وفقاً للهدف الذي نرسمه للحياة. فإذا كان هدف الإنسان المؤمن الوصول إلى مرتبة رضى الله تعالى والفوز بالنعيم الأخرويّ والعمل والارتقاء بالإنسان فرداً وجماعة في الدنيا... فهذا يرتّب عليه طريقة خاصّة في الحياة الدنيا توصله إلى الهدف المحدَّد بحيث لا يمكن ذلك من دونه. وفي هذا الإطار، حَدّد الإمام الخامنئي دام ظله مجموعة من العناوين ذات العلاقة بنمط الحياة الإسلاميّ الذي يساهم في نشأة المجتمع المسلم وتحقّق الهويّة الإسلاميّة:
أ- القرآن ودوره وضرورة العمل به؛ إذ إنّ التطوّر في الأبعاد المعنويّة والماديّة للإنسان يتوقّف على العمل بالقرآن الكريم، باعتبار أنّه أبدى اهتماماً واضحاً باحتياجات الإنسان التي تحقّق السعادة في كلّ زمان ومكان. وبالتالي، فقد فَرض نوعاً من الأنماط السلوكيّة الخاصّة على الإنسان المؤمن، التي بها تتحدَّد شخصيّة المؤمن وبالتالي الهوية الإسلاميّة للمجتمع.
ب- دور المنظومة الدينيّة بأكملها، والتي تُبيِّن أنّ الدين هو الذي يتولّى مسؤوليّة التكامل البشريّ في كافّة الأبعاد والشؤون الفرديّة والاجتماعيّة. فالدين الإسلامي عبارة عن نظام متكامل يريد تحقيق العدالة في جميع الأمور الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة وسَوْق المجتمع نحو القرب الإلهيّ والصفاء الاعتقاديّ والأخلاقيّ، كما يتحدَّث الإمام الخامنئيّ دام ظله .
ج- التقدّم وبناء الحضارة الإسلاميّة: نمط الحياة من وجهة نظر الإمام الخامنئيّ دام ظله هو من جملة أسس بناء الحضارة الإسلاميّة والقوة الوطنيّة والتقدّم بالمفهوم الإسلاميّ، يقول: "من جملة أبعاد التقدّم بالمفهوم الإسلاميّ نمط الحياة، السلوك الاجتماعيّ، أسلوب العيش... إذا نظرنا من الناحية المعنويّة -حيث إنّ هدف الإنسان هو الصلاح والفلاح والنجاح- يجب أن نهتمّ بنمط الحياة، وحتّى إذا كنّا لا نعتقد بالمعنويّة والصلاح المعنويّ، فإنّ التعرّض لنمط الحياة هامّ أيضاً من أجل الحياة المريحة المليئة بالأمن النفسيّ والأخلاقيّ". ومن هذا المنطلق، أشار سماحته دام ظله إلى محاولات أعداء الإسلام للنيل من نمط الحياة الإسلامي الذي لا بُدَّ من الرجوع إليه لتستقيم حياة المجتمع الإسلاميّ في العديد من النواحي.
ما هي مقوّمات "نمط الحياة" ؟
إذا كان نمط الحياة يشير إلى عناوين ومسائل واسعة في السلوك الإنسانيّ، فمع ذلك يمكن التأكيد على مجموعة من العناوين المحوريّة أو الضوابط التي تساهم في تحقيق نمط حياة موافق لما يريده الإسلام من المسلم:
1- الاقتصاد والاعتدال: والمقصود منه الابتعاد عن الإسراف والإقتار. أمّا الإسراف فهو الاستزادة من الأمور الدنيويّة وصرف الشيء في غير المصلحة المقرَّرة له، وأمّا الإقتار فهو التضييق على النفس والعيال . وقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "وعليك بالقصد، فإنّه أعون شيء على حسن العيش". وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من علامات المؤمن ثلاث: حُسن التقدير في المعيشة، والصبر على النائبة، والتفقّه في الدين"، وعنه عليه السلام: "ما خير في رجل لا يقتصد في معيشته ما يصلح لا لدنياه ولا لآخرته".
2- القناعة: القناعة هي شعور النفس بعدم الرغبة فيما هو أكثر من حاجتها، ويترتّب عليها الرضى بالرزق الإلهيّ وعدم الاعتماد على غيره. وقد تحدّثت الروايات بشكل مستفيض حول القناعة وأهميّتها ودورها في حياة الفرد بما يُرتّب عليها من آثارٍ دنيويّة وأخرويّة. جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: "بالقناعة يكون العزّ". وشكا رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام أنّه يطلب فيصيب فلا يقنع، وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه، ثمّ قال: علّمني شيئاً أنتفع به، فقال أبو عبد الله عليه السلام: "إن كان ما يكفيك يغنيك، فأدنى ما فيها يغنيك، وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكلّ ما فيها لا يغنيك".
3- الزهد: الزهد واحد من الفضائل التي شدَّد عليها الإسلام وذكر حدودها وتفاصيلها. والمقصود به عدم التعلّق باللذائذ الدنيويّة بحيث يكون لها التأثير الكبير على مستوى الحياة على حساب الأبعاد الأخرويّة للحياة الإنسانيّة. وللزهد منافع كبيرة من أبرزها: الاهتمام بالأبعاد الأخلاقيّة في الحياة، التوجّه نحو القضايا المعنويّة، صلاح الحياة الدنيويّة والأخرويّة...
وبعبارة مختصرة، أَوْلى الإسلام اهتماماً خاصّاً لنمط الحياة، فجعله منسجماً مع الأهداف العليا للوجود الإنسانيّ الذي يضمن صلاح الدارين. ومن هنا، يرى الإسلام الحياة الدنيا سبيلاً للوصول إلى الآخرة، وأنّ السعادة فيهما لا تتحقّق إلّا وفق نمط خاصّ، لذلك ربّى الإسلامُ المؤمنَ على سلوكيّات تنسجم بكاملها مع تلك الأهداف، وسلّحه بضوابط يقيس بها انسجام طريقته مع ما أراده الله تعالى. فعندما نراعي جوانب الاعتدال والقناعة والزهد، نكون عند ذلك في طور بناء مجتمعٍ متكاملٍ يساهم في ارتقاء الحضارة الإسلاميّة، ونضمن سعادة الفرد على اختلاف توجّهاته. ويترتّب على نمط الحياة الإسلاميّ امتلاك قيم محدّدة، تقع بالدرجة الأولى في مصلحة الفرد والمجتمع وتحصّنهما أمام القيم التي قد تحرفهما عن المسار الإلهيّ.