فن استشراف المستقبل: التخطيط للمستحيل

الثلاثاء 12 أغسطس 2025 - 14:21 بتوقيت غرينتش
فن استشراف المستقبل: التخطيط للمستحيل

يُعد بيتر شوارتز، أحد أبرز المستقبليين في العالم، شخصية بارزة في مجال استشراف المستقبل. وقد جمع خلاصة أفكاره في كتابه القيّم فن الرؤية البعيدة (The Art of the Long View)، الذي صدر عام 1992، واحتوى على توقعات لعام 2005. تميّز الكتاب بأسلوب قصصي، حيث قدّم شوارتز أفكاره عبر حكايات متنوعة مثل "حكاية البحث عن الطريق"، و"قصة سميث وهوكن" التي تناولت منهجية إعداد السيناريوهات، إضافة إلى تحليلات حول قدرات الإنسان الفطرية في صياغة التصورات المستقبلية

الكوثر_مقالات

يركّز شوارتز في كتابه على أداة أساسية في علم استشراف المستقبل، وهي "بناء السيناريوهات"، التي يصفها بأنها من أبسط وأكثر تقنيات هذا العلم فعالية، ويعتبرها جزءاً من الطبيعة البشرية. وقد جعلت جهوده الكتاب مرجعاً معتمداً للمختصين في هذا المجال، حتى لُقّب بـ"الكتاب المقدس للمستقبليين".
وُلد شوارتز في أحد معسكرات العمل القسري خلال الحرب العالمية الثانية، قبل أن يهاجر مع عائلته إلى الولايات المتحدة. درس هندسة الطيران والفضاء، لكنه اتجه لاحقاً إلى الأبحاث في مجالات الإدارة والاستراتيجيات وسلوكيات المستهلك. أسس مع جيمس أوجيلفي وآخرين "الشبكة العالمية للأعمال" التي تعتمد على التخطيط الاستراتيجي القائم على السيناريوهات. كما عمل مستشاراً في مجالات متعددة، من العلوم البيئية إلى الإعلام وصناعة الأفلام، وكان من بين أعماله الاستشارية فيلم تقرير الأقلية من بطولة توم كروز.
يرى شوارتز أن المؤسسات غالباً ما تقع في فخ "الخداع الذاتي الجماعي"، وتبقى أسيرة لما يسميه "المستقبل المألوف"، مما يحدّ من قدرتها على الاستعداد للمفاجآت. ويؤكد أن سبب فشل الإنسان في التنبؤ الدقيق بالمستقبل هو ميله الفطري إلى تبني توقعات توافق آماله.
يحذر شوارتز من توسع النزاعات المسلحة، ويدعو الغرب إلى تعديل سياساته العدائية. كما يتوقع أن يؤدي تزايد التحضر إلى تعزيز السياسات البيئية، ويرى أن سعي الإنسان إلى إطالة عمره سيؤدي إلى ظاهرة "نهاية التقاعد". ويؤكد أن استمرار تدفق النفط ضروري لبقاء الاقتصاد العالمي، ويعتبر أن العالم مقبل على ثورة علمية جديدة.
يشدد شوارتز على أهمية العلوم البينية، خصوصاً الفيزياء والإدارة، ويرى أنهما كانتا من أهم ركائز القرن العشرين، حيث امتزجت مفاهيم فيزيائية مثل ميكانيكا الكم بممارسات الإدارة الحديثة.
منهجيته في بناء السيناريوهات تقوم على خطوات رئيسية:
1. تحديد القضية أو القرار الأساسي وصياغة الرؤية.

2. تحديد العوامل الدقيقة المحيطة بالمشكلة.

3. حصر القوى المحركة الكبرى في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية والتكنولوجية.

4. ترتيب هذه العوامل حسب الأهمية وحجم عدم اليقين، ثم اختيار الأكثر تأثيراً.

5. صياغة سيناريوهات محتملة لكل عامل رئيسي على شكل قصص مستقبلية.

6. إثراء السيناريوهات بالمؤشرات الرئيسية وتحليل انعكاساتها على الأسواق وسلوك المستهلكين.


يرى شوارتز أن السيناريوهات ليست سوى تحليل للمعلومات وصياغة قصصية لاحتمالات المستقبل، وهي أداة لاستكشاف الفرص والتهديدات وصياغة استراتيجيات فعّالة.

 

تصنيف :