قصيدة وحيداً وقفت.. في الإمام الحسين عليه السلام

السبت 30 سبتمبر 2017 - 05:39 بتوقيت غرينتش
قصيدة وحيداً وقفت.. في الإمام الحسين عليه السلام

الكوثر - أدب الطف

وحيدا وقفتَ

وصوتُك يهتز منه الزمنْ

ففي كل جيل صدى هادرُ

وفي كل أفق هدى سائرُ

وروحك توحي وتهتفُ بالسائرينْ

على الجسر، في ملتقى العابرينْ

هنا النهر يجري

ليصنعَ في كل صحراءَ نهرا

ليزرع في لهفة الرملِ نخلةْ

على الواحة الناعمةْ

مع النسمة الهائمةْ

تعالوا إليّ

ففي كل جرح نزيفُ دماءْ

ودعوة فجرٍ ووحي سماءْ

ومستقبلٌ واعدٌ للقاءْ

وموعد حب وفيضُ دعاءْ

تعالوا إليّ

ففي نبضة القلب يهتف قلبي

وفي خفقةِ الروح يشرقُ دربي

وفي رحلة الغيب يركض دربي

وفي الليل تهمس صوفيّتي

وتخشع نجواي في قرب ربي

هنا القمة الشامخةْ

هنا الذروة الراسخةْ

هنا العمق ينفجر الخِصبُ ريًّا وخضرةْ

ويمتد يجري ويزرع في فرحة الارض زهرةْ

هنا الحب للناس، حب الرسالةْ

هنا العدل يصنع للكون سرَّ العدالة

هنا وحدة الأمةِ الهاديةْ

وترنيمة الخفقة الحانيةْ

وسر المناجاة في اللحظة الواعيةْ

وأفق النبوَّة في الحكمة الراعيةْ

ندائي نداء الرسول الذي امتزجتْ

كل ذاتي بذاتهْ

فكنتُ كما قال – منه كما كان مني

فمنه البداية تركض في صنع أمةْ

تحلق تسمو وتفتح في كل قلب

حديثَ الرسالةْ

تجسدُ انسانها في الرسالةْ

وتصنع تاريخها في العدالة

وتمتد في الارض في أمنياتِ الصلاحْ

لتصلحَ فكراً

يحرك في الحق معنى الضياءْ

ويصنع جيلا كمثل البراعم عند الربيع

كمثل الورود التي تنفح الحقل روح العبيرْ

تعالَوْا إليّ

فلستُ من الارض في كل معنى الترابْ

ولم أجرِ في ملتقى الطموح الكبير

ليصنعَ ملكا.. ليدفعَ جمهوره للهتاف

ليقهرَ روحا تعيش مدى الحلم فوق السحابْ

ليسقِطَ حُرا

ليستعيدَ النور في مقلتيه

ويسجُنَ عقلا وراء الزنازين في الظلمات

التي تصنع الليل، تجتاح روح الضياءْ

انا ابنُ السماء التي تلتقي في معاني العلو الإلهْ

لأشربَ منه بكأسِ الصفاءْ

لأسبحَ في لطفه في بحور الضياءْ

مع الرحمةِ الحانيةْ

مع القدس في الروعة الساميةْ

لأصنعَ في الارض معنى السماءْ

على وحدة في انفتاح القيمْ

ليصعد انسانُها ألف قمةْ

تطل على الكون حبا ورحمةْ

تعالوا إليّ

الى العز في موقع العنفوان

الى كل حرية في امتداد الزمانْ

*

وحيدا وقفتَ

وعيناك تستشرفان الغيوبْ

وتنفتحان على ألف جرح وجرحْ

وينزف جرحك دمعا على التائهينْ

على ألف صحراء في التيه خلف الزمانْ

وكفّاك يا للعطاء الذي ينزل المطر

ويشرب منه الظِماء

الذين يشيرون الى الغيث في لهفة السؤال

عطاشى الحقيقةْ

الى أين نجري؟ وماذا لدى الروح

من صبَوات الضياءْ

وللوعي صرخةُ جوعٍ يئنُّ بحزنِ الجياعْ

ويفتحُ فاه

ويهفو الى السرِّ في العمق خلف الكهوفْ

*

وحيداً وقفتَ

وأنت الذي تزحف الروحُ عجلى اليكْ

تحلّقُ تسمو تشدُّ الشموس الى عالم من عيونْ

وتفتحُ للعقل أفق الحياةْ

ليحيا ويبدعَ فكراً جديداً

ويصنع للكهف كوةَ نورْ

ويولج في الليل ألف نهارْ

ويطرد في الفجرِ حسَّ الضبابْ

*

وأنت هناك

تؤذّنُ حيَّ على الفلاح

تعالوا إليّ

هنا يا أحبايَ خيرُ العملْ

هنا الثورةُ اليانعةْ

التي تزرعُ الساحَ في ألف نخلةْ

وتصنعُ في كل صحراءَ نهرا

يفجرُ في الرملِ روح الحياةْ

فيهتزُّ في الدرب عشب المراعي

فيغفو على حصنه كل راعِ

ينادي القطيع تعالوا إليّ

هنا الأمن من كل عسفِ الذئابْ

هنا الري والشبعُ في صرخاتِ الجياعْ

تعالوا إليّ

لنصنعَ للحب انسانَهْ

وللعدلِ في الارض ميزانَهْ

وللحقِّ في الفكر عنوانَهْ

ونطردَ في الليل طغيانَهْ

*

.. ونلقاك – وحدك – في مشرق الشمس نوراً

يرشُّ على ظلمةِ الحقد حباً

ويفتح للروح في الحسِّ دربا

وينبضُ في خفقة الوعيِ قلبا

هو النورُ يا أيها السائرون

على صهوات الظلامْ

مع التيهِ في اللامكانْ

وفي اللازمانْ

هو النورُ يفتحُ في العقلِ كُوَّةْ

وفي الليل في لسعةِ البردِ جَذوةْ

وفي وقفةِ المجدِ للحق قوةْ

هو النور يا لهفة الوحي عبرَ النبوةْ

يحدقُ بالغيب في رحلة الشهود

ليصنعَ للغدِ دعوةْ

*

وحيداً وقفتَ

وفي مقلتيك تفوحُ الدماءْ

كما الوردُ في روعةِ الربيع

يزِفُّ العبيرْ

دماء الشهادة

التي تصنع الورود

لتزرع في كل جيل الرسالة وردةْ

لتمضي المسيرةْ

تخطط للعزِّ خطَّ الكرامةْ

وتحضنُ بالحب روحَ الشهامةْ

وفي الغد للحق ألف أمَلْ

وفي الفجر يصرخ خيرُ العمل

وأنتَ تهددُ تصرخُ يا أيها المؤمنونْ

تعالوا إليّ

ففي كلماتي سرُّ الحياةْ

وفي خطواتي دربُ النجاةْ

وحيداً وقفتَ

وأنت تخططُ في الكلمات

لتفتحَ للغدِ أفْقاً منيراً

يضيءُ به العقلُ للناسِ

حبَّ الحقيقةْ

ليزحفَ عرفانُه

ويسمو بتوحيده في عروج الصلاةْ

الى الله في كل روحِ العبادةْ

ليطلق حريةَ الانفتاحْ

الى الافق الرحبِ في اللازمان

وفي اللامكان

مع اللهِ في كل وعدِ اللقاءْ

* **

وحيداً وقفتَ

وأنتَ تضمُّ بروحِكَ روحَ الوجودْ

وتفتحُ للكونِ نورَ الحقيقةْ

على أفق الحس في الغيب في اللانهايةْ

وتصعد في النعْمياتِ العذارى

الى قابِ قوسينِ أو أدنى

الى ساحةِ القربِ

في الفيضِ حباً ومعنى

تحلِّق كالحلم فوقَ السحابْ

وتنسابُ عند الشروقِ الشهادةْ

دمًا ترْعَفُ الروحُ في لحظاته

 

*السيد محمد حسين فضل الله من ديوان "في دروب السّبعين"