نشأ الشيخ عبد المنعم في محيط علمي ــ أدبي وترعرع في أحضان أسرته العلمية فكانت بدايات دراسته على يد والده الذي شمله بعناية فائقة ولكن عبد المنعم سرعان ما فقد هذا العطف الأبوي فقد توفي والده وهو في الثانية عشرة من عمره فشملته أمه بحنانها، وقد بذلت كل جهدها في سبيل تعليمه وإكمال مشواره العلمي رغم ضيق المورد المالي الذي يصل هذه الأسرة.
كان شاعرنا الفرطوسي متميزاً بين أقرانه ورغم المعاناة والضئقة المالية، ففي الخامسة عشرة من عمره تقلّد الزيّ الديني (العمامة) فأصبح أكثر مسؤولية تجاه أسرته ومجتمعه، وأخذت دراسته تظهر تقدّماً ملحوظاً فدرس على يد كبار العلماء في ذلك الوقت.
ولم تمض فترة طويلة حتى أصبح مُدَرِّساً يشار إليه بالبنان، فأخذ يدرس المنطق وعلم المعاني والبيان ومبادئ علوم الفقه. وبدأت شاعريته بالانتشار فأصبح من كبار شعراء النجف، يقول عنه الأستاذ علي الخاقاني في "شعراء الغري": (أديب شهير، وشاعر مجيد، فاضل محقق) ويقول الشيخ جعفر آل محبوبه في "ماضي النجف وحاضرها": (هو من الشعراء المجيدين والأدباء النابغين، سريع البديهة، كثير الحفظ)، وقال الشيخ محمد هادي الأميني: (عالم فاضل مجتهد جليل، من كبار الشعراء والأدباء النابغين).
ومن أروع قصائده
ناجيتُ ذكراكَ حتى عطّرتْ كلمي
كأنّ ذكراكَ قــــــــرآنٌ جرى بفمي
وهزّني لكَ من أرضِ الحِمى وترٌ
جسَّ العواطفَ في ضربٍ من النغمِ
قد أرقصَ القلـبَ حتى خلته حــبباً
على كؤوسِ الولا يطفو من الضرمِ
فرحت ألثمُ مـثوىً فيه قد عكــفت
روحُ البطـــــــــولةِ والإقدامِ والشممِ
قبلتــــــــــــه بفمي حتى أسلت به
قلبي فضّرجته من أدمعــــي ودمي
هذه الأبيات من قصيدة (أبا الشهداء) وهي من أروع قصائد الشاعر الكبير عبد المنعم الفرطوسي (رحمه الله) وتربو على السبعين بيتاً وقد قرأها في جمعية الرابطة الأدبية في ذكرى عاشوراء عام (1371هـ/1952م) فكان لها صدى كبير وواسع في الأوساط الأدبية وهزت كبار شعراء النجف حينها، وكما دلت هذه القصيدة وغيرها من أشعاره على شاعريته الكبيرة فقد عرفته الأوساط العلمية والمدارس الحوزوية كعالم دين ومدرس للفقه في الحلقات الدراسية، وشهدت له منابرها كثيرا من المواقف الدينية والوطنية .
إقرأ أيضا: اضواء على شعراء الطف... (3) الأمير محمد السوسي