شهداء كربلاء مِن بني هاشم
اختلفت الرواية في عِدّةِ مَنِ أستُشهِد في كربلاء من أهل البيت عليهم السّلام، فهُم عند المسعوديّ ثلاثة عشر رجلاً (1)، وهو أقلّ عددٍ رُوي في قتلى بني هاشم مع الإمام الحسين سلام الله عليه. بينما اشتملت الرواية التي أوردها الخوارزميّ عن أسماء أربعة عشر رجلاً منهم (2)، وفي خبر آخر نقله الخوارزميّ أيضاً أنّه « قُتِل مع الحسين بن عليّ عليه السّلام ستّة عشر من أهل بيته، ما كان لهم على وجه الأرض شبيه » (3).
فيما تشتمل زيارة الإمام المهديّ عليه السّلام المعروفة بـ « زيار الناحية المقدّسة » لشهداء كربلاء على أسماء سبعة عشر رجلاً ( غير سيّد الشهداء عليه السّلام ) (4)، وذلك ما يأخذ به الشيخ المفيد حيث يقول: إنّ عدّة مَن قُتل مع الحسين عليه السّلام مِن أهل بيته بطفّ كربلاء هم سبع عشرة نَفْساً، الحسين بن عليّ عليه السّلام ثامنَ عَشَر:
ـ العبّاس وعبدالله وجعفر وعثمان بنو أمير المؤمنين عليه وعليهم السّلام ـ أُمُّهم أمّ البنين.
ـ عبدالله وأبو بكر ابنا أمير المؤمنين عليه السّلام ـ امُّهما ليلى بنت مسعود الثقفيّة.
ـ عليّ ( الأكبر ) وعبدالله ( الرضيع ) ابنا الحسين بن عليّ عليهما السّلام.
ـ القاسم وأبو بكر وعبدالله بنو الحسن بن عليّ عليهما السّلام.
ـ محمّد وعَون ( وَلَدا زينب العقيلة عليها السّلام ) وابنا عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
ـ عبدالله وجعفر وعبدالرحمان بنو عقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم.
ـ محمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب رحمة الله عليهم أجمعين.
فهؤلاء سبع عشرة نفساً من بني هاشم رضوان الله عليهم أجمعين:
إخوة الحسين عليه وعليهم السّلام، وبنو أخيه، وبنو عَمَّيه جعفرٍ وعقيل.
وهم كلُّهم مدفونون ممّا يلي رِجْلَي الحسين عليه السّلام في مشهده بكربلاء.. إلاّ العبّاسَ بن عليّ عليهما السّلام؛ فإنّه دُفِن في موضعِ مَقتَلهِ على المسنّاة بطريق الغاضِريّة قريباً منهم عليهم السّلام (5).
هذا الشهيد
قد تبيّن أن مِن بينِ شهداء بني هاشم في طفّ كربلاء: عبدالله..
أبوه: الإمام الحسن السِّبط المجتبى، سيّد شباب أهل الجنّة، وريحانة رسول الله صلّى الله عليه وآله ووصيّه وخليفته بعد أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام، والشهيد بسُمّ الغدر الذي دسّه إليه معاوية بن أبي سفيان على يد جَعدة الأشعَث ( زوجته الخائنة ).. صلوات الله عليه يوم وُلد، ويومَ استُشهِد، ويوم يُبعَث شفيعاً للموالين المحبّين.
أمّا أُمّه: فهي بنت السَّليل بن عبدالله البَجَليّ، أخي جَرير بن عبدالله البَجَليّ.. وكلاهما كانت لهما صُحبةٌ مع النبيّ صلّى الله عليه وآله.
الموقف الذي لا يُطاق!
أصابتِ الإمامَ الحسينَ عليه السّلام اثنتانِ وسبعون جُراحة، فوقف وقد ضَعُف عن القتال.. فأتاه الحَجَر إلى جبهته المقدّسة، ثمّ جاءه السهم المسموم ذو ثلاث شُعَب متّجهاً إلى قلبه الشريف! فلَبِثَ القومُ هُنَيئةً وقد أحاطوا به وهو جالسٌ على الأرض لا يستطيع النهوض.. عند ذلك نظر عبدُالله بن الحسن السبط عليه السّلام وله إحدى عشرة سنة ـ إلى عمّه وقد أحدق به القوم، فخرج مسرعاً من عند النساء يشتدّ حتّى وقف إلى جَنْب عمّه الحسين عليه السّلام، فَلَحِقَتْه زينبُ العقيلة عليها السّلام لتحبسه وقد قال له الإمام الحسين عليه السّلام: إحْبِسيهِ يا أُختي! فأبى الغلام وامتنع امتناعاً شديداً وقد أفلتَ منها قائلاً: لا واللهِ لا أُفارق عمّي!
عند ذاك.. أهوى بحر بن كَعْب إلى الإمام الحسين عليه السّلام بالسيف ليضربه، فقال له الغلام عبدالله بن الحسن المجتبى عليه السّلام:
ـ وَيْلَك يا ابنَ الخبيثة! أتقتلُ عمّي ؟!
فضربه بحر بن كعب بالسيف، فاتّقاها الغلامُ بيده، فأطَنّها إلى الجِلْد.. فإذا يدُه مُعلَّقة فنادى الغلام: يا أُمّاه! ( أو قال: يا عَمّاه! ).
عندها أخذه الإمام الحسين عليه السّلام وضمّه إلى صدره المبارك وقال له: يا ابنَ أخي، اصبِرْ على ما نزَلَ بك، واحتَسِبْ في ذلك الخير؛ فإنّ الله يُلْحِقُك بآبائك الصالحين.
ثمّ رفع الإمام الحسين عليه السّلام يده إلى السماء ـ وهو جالس على الأرض ـ فقال:
اَللّهمَّ أمْسِكْ عنهم قَطْرَ السماء، وامنَعْهُم بركات الأرض. اَللّهمّ فإنْ مَتّعْتَهم إلى حين، فَفَرِّقْهم بَدَداً (6)، واجعَلْهم طرائقَ قِدَاداً (7)، ولا تُرْضِ الولاةَ عنهم أبداً؛ فإنّهم دَعَونا لينصرونا، ثمّ عَدَوا علينا فقتلونا.
ثمّ حمل الرجّالةُ يميناً وشمالاً على مَن بقيَ مع الحسين عليه السّلام فقتلوهم.. وجاء حَرمَلَةُ بن كاهل الأسديّ فرمى الغلامَ عبدَ الله بن الإمام الحسن عليه السّلام فذبَحَه وهو في حِجْر عمّه الحسين صلوات الله عليه (8).
القاتل
قيل: هو بحر بن كعب بن عبيدالله، من بني تيم بن ثعلبة بن عكابة (9)، وهو مَن ارتكب أكثر من جريمةٍ عظمى وجريمة!
قال الشيخ المفيد: فلمّا قُتل الإمام الحسين عليه السّلام.. عَمَد بحر بن كعب إليه فسَلَبه وتركه مُجرَّداً، وكانت يدا بحر بن كعب لعنه الله بعد ذلك تَيْبسانِ في الصيف حتّى كأنّهما عُودان، وتَتَرطّبانِ في الشتاء فتنضحانِ دماً وقَيحاً.. إلى أن أهلكه الله تعالى (10).
وقيل: إنّ القاتل لعبدالله بن الحسن الزكيّ عليه السّلام هو حَرمَلة.. قال أبو الفرج الإصفهانيّ:
وكان أبو جعفر محمّد بن عليّ (أي الإمام الباقر عليه السّلام ) ـ فيما رويناه عنه ـ يذكر أنّ حَرمَلة بن كاهل الأسديّ قتَلَه (11).
كذلك قال الشيخ المجلسيّ ـ وهو يروي عن الشيخ المفيد والسيّد ابن طاووس ـ: وأهوى بحرُ بن كعب ـ وقيل: حَرمَلة بن كاهل ـ إلى الحسين عليه السّلام بالسيف، فقال له الغلام: ويَلْلَك يا ابن الخبيثة! أتقتلُ عمّي ؟! فضربه بالسيف، فآتّقاه الغلامُ بيده، فأطنّها إلى الجِلْد فإذا هي مُعلّقة... قال السيّد ( ابن طاووس ): فرماه حَرمَلةُ بن كاهل بسهم فذَبَحه وهو في حِجْرِ عمِّه الحسين عليه السّلام (12).
ويتأكدّ ذلك في زيارة الناحية المقدّسة ( للإمام المهديّ عجّل الله تعالى فَرَجَه الشريف ) لشهداء الطفّ حيث يقول فيها: الَسَّلامُ على عبدِاللهِ بنِ الحسَنِ الزكيّ، لعَنَ اللهُ قاتِلَه وراميَه حَرمَلَة بنَ كاهلٍ الأسديّ (13).