مَن هُما الغِفاريّان ؟
هما: عبدالله وعبدالرحمان ابنا عُروَةَ بنِ حِراق الغِفاريّ.. من غِفار بن مُلَيل، بطن من كِنانة من العدنانيّة ( عرب الشمال ). كان جدُّهما « حِراق » مِن أصحاب أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب عليه السّلام، وممّن حارب إلى جانبه في حروبه الثلاث: الجمل وصِفّين والنَّهروان.
أما هذان الأخوان الغِفاريّان: عبدالله وعبدالرحمان، فهُما مِن أشراف الكوفة ومن شجعانها وذوي الموالاة لأهل البيت النبويّ الشريف (1).
الإقدام.. في ساعة العُسرة
بعد الحملة الأولى يوم عاشوراء على ساحة كربلاء، وما أسفَرَتْ عنه من شهادة خمسين رجلاً مِن أصحاب الإمام أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه (2)، خرج بعض الأصحاب فُرادى يواجهون تحدّياً مِن أزلام عسكر عمر بن سعد؛ حيث خرج يَسار مولى زياد بن أبيه وسالم مولى عبيدالله بن زياد يطلبان البِراز، فوَثَب حبيبُ بن مظاهر الأسديّ فلم يأذَن له الإمام الحسين عليه السّلام، فقام عبدالله بن عُميَر الكلبيّ ( أبو وهب ) فقاتل حتّى استُشهد، ثمّ استُشهِد ( على روايةٍ ) وَلَدُه وهب وزوجته بعد أن دفعته أمُّه إلى المعركة تشجّعه، ولا ترضى له أن يعود إلاّ وقد استُشهِد بين يدَي إمامه سيّد شباب أهل الجنّة أبي عبدالله الحسين عليه السّلام (3).
ولمّا نظر الإمام الحسين صلوات الله عليه إلى كثرة مَن قُتِل مِن أصحابه الكرام البررة، أذِن للرجلينِ والثلاثة بالبروز إلى ساحة المعركة وهم يستأذنونه.. فخرج الجابِريّان: سيف بن الحارث بن سريع، ومالك بن عبد بن سريع، وهما ابنا عمّ وأخَوانِ لأمّ، فقاتلا قريباً منه حتّى استُشهِدا معاً رضوان الله عليهما (4).
هنا تقدّم الغِفاريّان: عبدالله وعبدالرحمان ابنا عُروَة الغِفاريّ وهما أخوان، تقدّما فيمن تقدّموا ليُستشهَدوا بين يدي الإمام الحسين سيّد شباب أهل الجنّة عليه السّلام. يقول أبو مخنف: لمّا رأى أصحابُ الحسين عليه السّلام أنّهم لا يَقْدِرون على أن يمنعوا الحسينَ عليه السّلام ( أي لا يستطيعون أن يَحمُوه ) ولا أنفسَهم، تَنافَسُوا في أن يُقتَلوا بين يديه (5).
الاستذان للنُّصرة
تقدّم عبدالله وعبدالرحمان الغِفاريّان فقالا لسيّدهما سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السّلام: يا أبا عبدالله، السلام عليك، حازَنا العدوُّ إليك ( أي دفَعَنا لأن نَنصُرك ما رأينا مِن تقدّم العدوّ إليك يقاتلك )، فأحبَبْنا أن نُقتَل بين يدَيك، نَمنَعُك ونَدفَع عنك. فقال عليه السّلام لهما: مرحباً بكم، اُدْنُوا منّي. فدَنَوا منه، فجعَلاَ يقاتلانِ قريباً منه.. أو بين يديه (6).
وفي رواية الشيخ المجلسيّ ( عن المؤرّخ محمّد بن أبي طالب الموسويّ ): ثمّ جاء عبدالله وعبدالرحمان الغِفاريّان فقالا:
يا أبا عبدالله، السلام عليك، إنّه جِئنا لنُقتلَ بين يديك وندفع عنك.
فقال: مرحباً بكما، ادْنُوا منّي.
فدَنَوا منه وهما يبكيان.. فقال:
ـ يا ابنَي أخي ما يُبكيكما ؟ فوَ اللهِ إنّي لأرجو أن تكونا بعد ساعةٍ قريرَي العين.
ـ جَعَلَنا اللهُ فِداك، واللهِ ما على أنفسِنا نبكي، ولكنْ نبكي عليك؛ نراك قد أُحيط بك ولا نَقْدِر على أن ننفعك.
ـ جزاكُما الله يا آبنَي أخي بوجدِكما مِن ذلك، ومُواساتِكما إيّايَ بأنفسكما أحسنَ جزاء المتّقين.
ثمّ استقدما وقالا: السلام عليك يا ابن رسول الله.
فقال: وعليكما السلامُ ورحمة الله وبركاته.
المُراد الأعلى
لمّا قال الإمام الحسين عليه السّلام للغفاريّان: أُدْنُوا منيّ. دَنَوا منه فجَعَلا يُقاتلان قريباً منه أو بين يديه، وإنّ أحدَهما لَيرتجز فيُتمّ له الآخَرُ رَجْزَه، فيقولان:
قـد عِلِمـتْ حقّـاً بنـو غِفـارِ وخِنْــدِفٌ بَعـدَ بنــي نِـزارِ
لَنَـضـرِبَـنَّ مَعـشـرَ الفُجّـارِ بكلِّ عَضْـبٍ ذَكَــرٍ بَتّـارِ (7)
يا قومِ ذُودوا عن بني الأخيارِ (8) بالمَشْـرفـيِّ والقَنـا الخَطّارِ (9)
ثمّ قاتَلا حتّى قُتِلا معاً رضوان الله عليهما (10).
قال الشيخ محمّد السماويّ: فلم يزالا يقاتلانِ حتّى قُتِلا. قال السَّرَويّ ( أي ابن شهرآشوب في كتابه « مناقب آل أبي طالب ـ الجزء الرابع » ): إنّ عبدالله ( الغِفاريّ ) قُتِل في الحملة الأولى، وعبدالرحمان قُتل مُبارَزةً. وقال غيره: إنّهما قُتِلا مُبارزةً. وهو الظاهر من المُراجَلَة (11).
والآكد أنهما بَرَزا معاً، وارتجزا سويّةً، وقاتلا كَتِفاً إلى كتف، واستُشهِدا مُتقاربَين وقتاً ومكاناً، وتألّقت روحاهما إلى الرفيق الأعلى سعيدتين رضوان الله عليهما.
سَعِدَ الفـائزونَ بالنصرِ يوماً عَزَّ فيه النصيرُ لابنِ البتـولِ
أحسَنوا صُحبةَ الحسينِ وفازوا أحسَنَ الفَوزِ بالحَباءِ الجَـزيلِ
صَبَـروا للنِّـزالِ ضَحوةَ يومٍ ثـمّ باتُـوا بمنـزِلٍ مـأهُولِ
وأُصيبوا بقُـربِ وُرْدٍ ظِمـاءً فأصـابُوا الوُرودَ مِن سَلْسبيلِ
أُبدِلوا عن حَرورِ يـومٍ تَقضّى جَنّةَ الخُلْدِ تحتَ ظِلٍّ ظَليلِ (12)
وأسمى مِن كلّ ذلك.. توجّهُ حجّة الله المولى الإمام المهديّ سلام الله عليه لشهداء طفّ كربلاء بزيارةٍ عاشورائيّة خاصّة، يقول في ضمنها:
السلامُ على عبدِالله وعبدِالرحمانِ آبنَي عُرْوة بنِ حِراق الغِفاريَّين