الحلاس والنعمان ابنا عمرو... الأخوان الوفيان بالعهد

الإثنين 25 سبتمبر 2017 - 13:56 بتوقيت غرينتش
الحلاس والنعمان ابنا عمرو... الأخوان الوفيان بالعهد

أنصار الحسين-الكوثر

هما
ابنا عمرو الأزديّ الراسبيّ (1)، كانا من أهل الكوفة مِن أصحاب أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب عليه السّلام. وكان الحُلاس بن عمرو على شَرَطة أمير المؤمنين عليه السّلام في الكوفة (2).
وذُكر أنّ الحُلاس وأخاه النعمان صارا بعد مدّة مع عمر بن سعد في الكوفة، وخرجا معه إلى كربلاء (3). فماذا حدث بعد ذلك ؟!

ردّ الشروط
أرسل الإمامُ الحسين عليه السّلام عَمْرَو بن قَرَظَة الأنصاريّ إلى عمر بن سعد يطلب الاجتماع به ليلاً بين المعسكرين في كربلاء، فخرج كلٌّ منهما في عشرين فارساً، وأمرَ الحسين عليه السّلام مَن معه أن يتأخّر إلاّ أخاه العبّاس وابنَه عليّاً الأكبر عليهما السّلام، وفعل ابنُ سعد كذلك إذْ بقيَ معه ابنه حفص وغلامٌ له.
قال الإمام الحسين عليه السّلام: يا ابن سعد، أتُقاتِلني ؟! أمَا تتّقي اللهَ الذي إليه مَعادُك ؟! فأنا ابنُ مَن عَلِمتَ، ألا تكون معي وتَدَع هؤلاء؛ فإنّه أقرَبُ إلى الله تعالى.
قال عمر: أخاف أن تُهدَم داري!
قال الحسين: أنا أبنيها لك.
قال: أخاف أن تُؤخَذَ ضَيعتي ( اي بُستاني ).
قال الحسين عليه السّلام: أنا أخلِفُ عليك خيراً منها مِن مالي بالحِجاز.
قال عمر: إنّ لي بالكوفة عيالاً وأخاف عليهم من ابن زيادٍ القَتلَ.
ولمّا يئس الإمام الحسين عليه السّلام منه قام وهو يقول له: ما لَكَ! ذبحَك اللهُ على فراشك عاجلاً، ولا غَفَر لك يومَ حَشْرِك. فوَاللهِ إنّي لأرجو أن لا تأكلَ مِن بُرّ العراق إلاّ يسيراً (4).
قال ابن سعد مستهزئاً: في الشعير كفاية (5).
وكان كما أنبأَ أبو عبدالله الحسين صلوات الله عليه، فلم يتنعّم ابن سعد بولاية الريّ، ثمّ ما لَبَث أن سقط في يد المختار بن عبيدالله الثقفيّ فانتقم منه. وكان من الإمام الحسين عليه السّلام أن نَصَحه، وألقى عليه حُججَه، وأراد أن يهيّئ له سبيل النجاة والسعادة، ولم يُرِد أن يستسلم عليه السّلام ـ حاشاه ـ لأحد.. قال عُقبة بن سمعان: صَحِبتُ الحسينَ من المدينة إلى مكّة، ومنها إلى العراق.. ولم أفارقه حتّى قُتل، وقد سمعتُ جميع كلامه، فما سمعتُ منه ما يتذاكر فيه الناس مِن أن يضع يدَه في يد يزيد، ولا أن يُسَيّره إلى ثغرٍ من الثغور.. لا في المدينة ولا في مكّة ولا في الطريق ولا في العراق ولا في عسكره، إلى حينِ قتلِه، نعم سمعتُه يقول: دَعُوني أذهبْ إلى هذه الأرض العريضة (6).
وكان ذلك إلزاماً للحُجّة على القوم، وإلاّ فالإمام الحسين سلام الله عليه أخبر مِراراً بشهادته، كما أدلى برفضه للظالمين قائلاً:
ـ لِيرَغَبِ المؤمنُ في لقاء الله؛ فإنّي لا أرى الموتَ إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَماً (7).
ـ ألا وإنّ الدَّعيّ بن الدَّعيّ، قد رَكَز بين آثنتَين، بين السِّلَّة والذِّلَة، وهيهاتَ مِنّا الذِّلّة! يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُه والمؤمنون، وحُجورٌ طابَتْ وطَهُرت، وأُنوفٌ حَميّة، ونفوس أبيّة، مِن أن نُؤْثرَ طاعةَ اللئام، على مَصارِع الكرام! (8)
فالإمام الحسين عليه السّلام حمَلَ إلى الناس حُجَجاً إلهيّة، وشروطاً امتحانيّة، حتّى خيّرهم وجعلهم أمام المحجّة البيضاء الناصعة، فأبى مَن أبى مختاراً شقاوةَ حظّه، وقَبِل الحقّ مَن قَبِلَه مختاراً سعادة حظّه.. ومنهم: الحُلاس والنعمان ابنا عمرو الأزديّ الهَجَريّ، فلمّا رأيا ردَّ عمر بن سعد لشروط الإمام الحسين عليه السّلام تحوّلا إلى معسكر الإمام الحسين عليه السّلام، جاءاه ليلاً وانضمّا إلى جنده الفائزين فيمن جاؤوه (9).
وليس ذلك فحَسْب!

القتال.. الشهادة
تقدّم: الحُلاس والنعمان ابنا عمرو الأزديّ الراسبيّ، بين يدَي إمامهما سيّدِ الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السّلام يقاتلان.. حتّى قُتِلا شهيدَين في الحملة الأولى من معركة طفّ كربلاء (10). فكانا في عِداد الشهداء السعداء الذين يُزارون بالقول في خطابهم:
السلامُ عليكم يا أولياءَ اللهِ وأحبّاءَه، السلام عليكم يا أصفياءَ اللهِ وأودّاءَه، السلام عليكم يا أنصارَ دِين الله وأنصارَ نبيِّه، وأنصارَ أميرِ المؤمنين، وأنصارَ فاطمةَ سيّدةِ نساءِ العالمين، السلامُ عليكم يا أنصارَ أبي محمّدٍ الحَسَنِ الوليِّ الناصح، السلامُ عليكم يا أنصارَ أبي عبدِاللهِ الحسينِ الشهيدِ المظلوم، صلوات الله عليهم أجمعين.
بأبي أنتم وأُمّي، طِبتُم وطابتِ الأرضُ التي فيها دُفِنتُم، وفُزتُم واللهِ فَوزاً عظيماً. يا ليتَني كنتُ معكم؛ فأفوزَ معكم في الجِنان، مع الشهداءِ والصالحين، وحَسُنَ أُولئك رفيقاً.
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته (11).
وفيهم يقول الأديب:

صَحِبَتْه مِن خيرِ الرجـالِ عصابةٌ    غُرٌّ.. فطابَ الصَّحْبُ والمصحوبُ

مِـن كلِّ فيّاضِ النَّدى سـمِّ العِدى     تـاجُ الفَخـارِ برأسـهِ معصوبُ

آسـادُ ملحمـةٍ ضَـراغِمُ غابـةٍ        لَهُمُ بنـازلـةِ الوغى ترحيبُ (12)