ما هو الخلاف بين الإمامية والعامة في مسألة الخمس؟

الأحد 11 يونيو 2017 - 19:20 بتوقيت غرينتش
ما هو الخلاف بين الإمامية والعامة في مسألة الخمس؟

الخمس ضريبة من الضرائب المالية التي شرّعها الله تعالى لسد حاجات المجتمع الإسلامي، وهي أكبر من الزّكاة وأوسع مصرفاً، وقد وضعت على أشياء عديدة معينة وتعني هذه الضريبة الشرعية دفع خمس الشيء الذي تتعلق به هذه الضريبة المالية، أو ثمنه إلى الجهة الشرعية العادلة المسؤولة لإنفاقها في المصالح الاجتماعية وسد عوز الفقراء وشقائهم.

فالهدف من الخمس إذن، تحقيق نوع من التوازن في المجتمع لكي لا تتخم بعض طبقاته على حساب الأخرى وشقائها، فضلاً عن دوره الحيوي في تطوير المجتمع وتقدمه من خلال بناء المؤسسات الصحيّة والثقافية وغيرها.

والخمس يتعلّق بعدّة أمور: كالغنائم المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالهم، والمعادن، والكنز، وما أخرج من الماء بالغوص، والمال المختلط بالحرام إذا لم يتميّز ولم يعرف صاحبه ولا مقداره، والأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، وما يفضل من مؤونة سنة المكلف.

مصرف الخمس:

الخمس كما قلنا من الفرائض الدينيّة التي فرضها الله عزّ وجل في القرآن الكريم وبيّن مصرفها بقوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (1).

والمشهور تقسيم الخمس إلى ستة أسهم، ثلاثة منها للإمام عليه السلام، وثلاثة لبني هاشم من السادات لأيتامهم، ومساكينهم، وأبناء سبيلهم. وأمّا مصرف الإمام عليه السلام فيرجع في زمان غيبة الإمام الثاني عشر عليه السلام (زماننا هذا) إلى الفقيه الجامع للشرائط ليضعه في موضعه (2).

من المسائل المهمة في الخمس:

من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الإمامية والعامة هي مسألة الخمس، فالخمس واجب لقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (3).

فهذه الآية الوحيدة الدالة على وجوب الخمس وبيان مصرفه. قد وقع الخلاف في كلتا هاتين المسألتين – أعني وجوبه ومصرفه – فقالت الإمامية: أن المراد من كلمة ما غنمتم هو كل ما يظفر به الإنسان في حياته من الأموال سواء في الحرب أو غيرها.

وأما مصرفه فينقسم إلى ستة أقسام ثلاثة منها لله وللرسول ولذي القربى، وأنّ المراد من ذوي القربى هم عترة النبي صلى الله عليه وآله المعصومين القائمين مقام النبي صلى الله عليه وآله في أمر الإمامة في الأمة. وإن سهم الله وسهم الرسول ينتقل لهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله. وأما الثلاثة الأخرى فهي لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم.والإمامية بهذا الاتجاه يعتمدون على الرّوايات الواردة عن الأئمة المعصومين عليهم السلام(4).

وأمّا العامة فقد ذهبوا إلى أنّ المراد من لفظ ما غنمتم في الآية المباركة هي الغنائم الحربيّة فقط، ولأجل ذلك بحثوا عن الخمس في كتاب الجهاد في مسألة قسمة الفيء والغنائم الحربية، ولم يعقدوا في كتبهم الفقهية عنواناً باسم الخمس.

وأما مصرف الخمس فقد ألغى العامة سهم الله في الخمس من الأصل! وزعموا إنه تعالى ذكر اسمه في الآية تبرّكاً وتيمنّاً فحسب. وقالوا كذلك: بأنّ سهم صلى الله عليه وآله يسقط بوفاته! وكذا سهم ذوي القربى!. وإن المراد من اليتامى والمساكين وأبناء السبيل يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء سبيلهم لا خصوص الهاشمي منهم (5).

ومن هنا يتّضح الخلاف الواسع بين الإمامية وبين العامة في هذه المسألة المهمة الحساسة لأن الخمس – كما أسلفنا – له دور كبير في الاقتصاد الإسلامي، وله مدخليّة واضحة في الكيان السياسي والثقافي في المجتمع الإسلامي.

ولكن اللغة والنصوص الدينية هي الحكم والقاضي في حسم هذه المسألة وبيان الحق فيها بين المختلفين الإمامية في جهة والعامة من جهة أخرى. وعندما نرجع إلى المصادر اللغوية في مادة غنم نجد اللغويين يفسرونها بأنّها الفوز بالشيء ونيله بلا بديل (6).

ومنا لا يبقى أي ريب أو تردد بأن معنى ما غنمتم في الآية هو: أصبتم وفزتم بالشيء. فتفسير الآية وحصرها بالغنائم الحربية كما عليه العامة يخالف النّصوص اللغوية في حين هي المرجع في تحديد المفهوم مع وجود الشك والاختلاف، هذا فضلاً عن سيرة النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام في مسألة الخمس، ولكنّها ضربت عرض الحائط بغية تحقيق أهداف سياسية معينة.

نعم، في السنة الشريفة عشرات النصوص الدالة على كلا الأمرين – ثبوت الخمس في كل فائدة، وأصناف مستحقيه – لا سيما ما جاء في العهود والمواثيق التي كتبها النبي صلى الله عليه وآله إلى بعض الوفود.

وإليك بعضاً منها:

1-ما كتبه النبي صلى الله عليه وآله لوفد عبد القيس: آمركم بالإيمان بالله، وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتعطوا الخمس من المغنم (7).

2-كتابه صلى الله عليه وآله إلى وفد الحارث بن زهير: أما بعد، فإنّكم إن أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم سهم الله عزّ وجل، والصفي، فأنتم آمنون بأمان الله عزّ وجل (8).

وهناك كتب عديدة للنبي صلى الله عليه وآله صرّحت بوجوب إخراج الخمس، كما ذكرت ذلك كتب الحديث وغيرها (9).

وحينئذ لا يبقى للجمهور حجة شرعية في عدم إيجاب الخمس الذي ثبت بالقرآن والسنة. والسبب الوحيد في هذا، هو أنّ الأيادي السياسية الطامعة هي التي طمست هذه الفريضة المهمة من أجل أن لا تصل إلى أيدي أهل البيت عليهم السلام خوفاً على سلطانهم، وحفاظاً على قوتهم، وحرصاً على إضعاف أهل بيت نبيّهم صلى الله عليه وآله؛ لأنّ المال من أهم عوامل السيطرة والنفوذ.

فاضل الموسوي الجابري - الاجتهاد

تصنيف :