محمّد ابن الحنفيّة

السبت 12 نوفمبر 2016 - 09:10 بتوقيت غرينتش

هو أبو القاسم وأبو عبد الله محمد بن الإمام علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب شيبة بن هاشم عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي الهاشمي المدني أخو الحسن والحسين عليهم السلام.

محمّد ابن الحنفيّة

هو أبو القاسم وأبو عبد الله محمد بن الإمام علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب شيبة بن هاشم عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي الهاشمي المدني أخو الحسن والحسين عليهم السلام.

لماذا « ابن الحنفيّة » ؟
لأنّ أمّه « خولة بنت جعفر » من قبيلةٍ امتنعت عن دفع الزكاة إلاّ لمَن بايَعَتْه يوم غدير خُمّ، فحَمَل عليهم خالد بن الوليد في جيشٍ جهّزه أبو بكر ـ وقد أطلق عليهم « أهل الرِّدّة » ـ فقتَلَ خالدٌ مُقاتليهم واستباح أموالهم وسبى ذراريهم ـ وهم مسلمون! ـ وجعل ما حصل عليه فيئاً غنيمةً قسّمه بين أصحابه.
وكانت « خولة » من بين الأُسارى، فأكرمها الإمام عليٌّ أمير المؤمنين عليه السّلام بالزواج منها، فوَلدَت له « محمّداً »، وكان لقبها « الحنفيّة »؛ إذ هي ابنة جعفر بن قيس بن مسلمة بن ثعلبة بن يرنوع بن ثعلبة بن الدول بن حنفيّة..(1)

ولادته وأُسرته
وُلد محمّد سنة 16 هجريّة، وزوجته أمّ عون بنت محمّد بن جعفر الطيّار الهاشميّة، ويُقال لها أم جعفر، وهي تروي عن جدّتها أسماء بنت عُمَيس(2).
أمّا أبناؤه: فقد ذكرت المصادر أنّه كان له ثمانية، هم: عبدالله، والحسن، والحسين، وإبراهيم، وعون، والقاسم، وجعفر، وعليّ(3).

خصال رائقة
ذكر ابن سعد في طبقاته: أنّ محمّد ابن الحنفيّة كان أحدَ أبطال الإسلام(4)؛ فقد كان له نصيبٌ من الشجاعة. وذكر ابنُ خلّكان أنّه كان ورعاً واسِع العلم(5).
أمّا أخلاقه في بيت أمير المؤمنين عليه السّلام فقد نَمَت في أجواءٍ نورانيّة زاكية، حتّى جاء في الخبر عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال: ما تكلّم الحسين عليه السّلام بين يدَي الحسن؛ إعظاماً له، ولا تكلّم محمّد ابن الحنفيّة بين يدَي الحسين عليه السّلام؛ إعظاماً له(6).
وقد استُثير بقول بعضهم: لِمَ كان أبوك يزِجّ بك في المعارك، بينما يضنّ بالحسن والحسين ( أي يُؤخّرهما حرصاً عليهما ) ؟! فأجاب على الفور: كان الحسنُ والحسين عليهما السّلام عينَي أبي أميرِ المؤمنين عليه السّلام، وكنتُ يَدَيه، والمرءُ يَقي عينيه بيدَيه(7).
ويروي ابن كثير أنّ ملك الروم بعث إلى معاوية برجلَينِ من جيشه، يزعم أنّ أحدهم أقوى الروم والآخر أطول الروم، فلمّا اجتمع الناس قال معاوية: مَن لهذا القوي ؟ فجِيء بمحمّد ابن الحنفيّة فغلبه بأنّ أقامه ورفعه في الهواء ثمّ ألقاه على الأرض، فسُرّ بذلك معاوية(8).
وأمّا علمه، فقد عاش في بيت الوحي والرسالة والإمامة، فتلقّى مِن المعارف ما ارتقى بها سُلّماً عجزَ غيره عن بلوغه، كما بلغ من الجلال ما جعل المؤرّخين والرجاليّين يُعرّفون به، حتّى:
ـ جاء في ( أخبار السيد الحِمْيرَيّ للمرزبانيّ ص 164 ) أنّ محمّد ابن الحنفيّة كان أحدَ رجال الدهر في العلم والزهد والعبادة والشجاعة، وهو أفضلُ وُلْد الإمام عليّ عليه السّلام بعد الحسن والحسين عليهما السّلام.
ـ وكتب الشيخ المفيد في ( وقعة الجمل 179 ): لا بِدْعَ في ابن حيدرةَ إذا كانت له مواقف محمودة في الجَمل وصفّين والنهروان، وكانت الراية معه، فأبلى بلاءً حسَناً سجّله له التاريخ وشكره له الإسلام. وخطبتُه التي ارتجلها يوم صفّين في مدح أبيه عليه السّلام، وهو واقف بين الصفَّين، تشهد له بالفصاحة والبلاغة على أتمّ معانيها، فهو جليل القدر عظيم المنزلة.
ـ وفي ( منهاج الكرامة ص 175 ) قال العلاّمة الحلّي: كان محمّد ابن الحنفيّة فاضلاً عالماً.
ـ فيما كتب الشهرستانيّ في ( الملل والنِّحل 133:1 ): محمّد ابن الحنفيّة، كثير العلم غزير المعرفة، وكان مستودعاً لعلم الإمامة، حتّى سَلّم الإمامة ( أي أقرّ بها ) إلى أهلها..

مع النبيّ صلّى الله عليه وآله
لم يُدرك محمّدُ ابن الحنفيّة رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، إلاّ أنّه كان متعلّقاً به تعلّقاً شديداً، وقد سمع مِن أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام كثيراً عنه، فروى جملةً من الأحاديث النبويّة الشريفة، ومنها حديث المعراج، وروى الخطيب البغداديّ في كتابه ( الأربعين ) مسنداً عن محمّد ابن الحنفيّة، جاء فيه:
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: لمّا عُرِج بي إلى السماء السادسة، رأيت مَلَكاً نصفُه مِن نار ونصفه مِن ثلج، في جبهته مكتوب: ( أيّد اللهُ محمّداً بعليّ ).. وفيه أيضاً: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: أتاني جبرائيل وقد نشر جَناحيه، فإذا فيهما مكتوب: « لا إله إلاّ الله، محمّدٌ النبيّ »، وكُتب على الآخر: « لا إله إلاّ الله، عليٌّ الوصيّ »(9).
ورُوي عنه شيء من أحداث يوم فتح مكّة.. قال حبيب بن أبي ثابت: حدّثني منذر الثوريّ قال: قال محمّد ابن الحنفيّة: لمّا أتى الرسولُ صلّى الله عليه وآله القومَ مِن أعلى الوادي ومِن أسفله، وملأ الأودية كتائب، استسلموا.. حتّى وجدوا أعواناً(10).
وكانت له رؤية في قريش ممّن كانوا في مكّة يومَ الفتح، إذ رُويَ عنه أنّه قال: إنّهم لم يُسْلموا ولم يدخلوا الإسلام(11).

مع أمير المؤمنين عليه السّلام
عاش جُلَّ عصر أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام، وارتوى مِن عذب سيرته، وكان المطيعَ لأمرِ والده وفي خدمته(12).
وقد بعثه أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الكوفة برفقه محمّد بن أبي بكر، وكان على الكوفة أبو موسى الأشعري، فأساء أبو موسى القول لهما وأغلظ وقال: إنّ بيعة عثمان لفي رقبة صاحبكم وفي رقبتي! ثمّ قام على المنبر يكلّم الناس ويحرّضهم على أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال محمّد ابن الحنفية لمحمّد بن أبي بكر: يا أخي، ما عند هذا خير، ارجِعْ بنا إلى أمير المومنين عليه السّلام نُخبره الخبر.
ولمّا عاد أعطاه أمير المؤمنين عليه السّلام الرايةَ في حرب الجمل، وأوصاه قائلاً له: تَزول الجبالُ ولا تَزُل، عَضَّ على ناجذِك، أعِرِ اللهَ جُمجمتَك، تِدْ في الأرض قدمَك ( أي ثَبّتْها )، إرمِ ببصرِك أقصى القوم، وغُضَّ بصَرَك، واعلمْ أنّ النصر مِن عندِ الله سبحانه(13).
وكان على ميمنة جيش أمير المؤمنين عليه السّلام مالك الأشتر، وعلى ميسرته عمّار ابن ياسر، وأعطى الراية ابنَه محمّد ابن الحنفيّة، وسار حتّى وقف موقفاً(14)، وكان عُمْر ابن الحنفيّة يومذاك عشرين سنة(15).
وبعد إعطاء أمير المؤمنين الرايةَ لولده محمّد قال له: يا بُنيّ، هذه رايةٌ لا تُرَدّ قطّ.. وهي راية رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال محمّد: فأخذتُها والريح تهبّ عليها، فلمّا تمكّنتُ مِن حملها صارت الريح على طلحة والزبير وأصحاب الجمل، فأردتُ أن أمشيَ بها، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: قِفْ يا بُنيَّ حتّى آمرك. ثمّ نادى عليه السّلام:
أيّها الناس، لا تقتلوا مُدبِراً، ولا تُجْهِزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تَهيجوا امرأة، ولا تُمثّلوا بقتيل.. فبينما هو يوصي قومَه إذ أظلّهم نَبْلُ القوم، فقُتل رجلٌ من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام، فلمّا رآه قتيلاً قال: اللّهمّ اشهَدْ. ثمّ قال محمد: فقال لي أمير المؤمنين عليه السّلام: رايتك يا بُنيَّ قَدِّمْها..
وتنقل المصادر أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا دعا بدرعه ولَبِسَه، حتّى إذا وقع مِن بطنه أمر ابنَه محمّدَ ابن الحنفيّة أن يحزمها بعمامته، ثمّ انتضى سيفه فهزّه وقد تدرّع بدرع رسول الله صلّى الله عليه وآله(16).
ويروي الواقدي: لمّا صفّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام صفوفه، أطال الوقوفَ والناس ينتظرون أمرَه، فاشتد عليهم فصاحوا: حتّى متى ؟! فصفق بإحدى يديه على الأخرى ثمّ قال: عبادَ الله لا تَعجَلوا؛ فإنّي كنت أرى رسولَ الله صلّى الله عليه وآله يَستحبّ أن يَحمِل إذا هَبَّت الريح.
فأمهل حتّى كان الزوال، وصلّى ركعتين ثمّ قال: ادعوا ابني محمّداً.
فدُعيَ له محمّد، فوقف بين يديه ودعا بالراية فنُصبت، فحَمِد اللهَ وأثنى عليه، وقال: أمّا هذه الراية لم تُردّ قطّ، ولا تُردّ أبداً، وإنّي واضعها اليوم في أهلها. ودفعها إلى ولده محمّد، وقال له: تَقَدّمْ يا بُنيّ. فلمّا رآه القوم قد أقبل والراية بين يديه، فتضعضعوا، فما هو إلاّ أن الناس نظروا إلى عزّة أمير المؤمنين عليه السّلام(17).
وكانت المعركة الحاسمة، وفيها أبلى محمّد ابن الحنفيّة بلاءً حسَناً، وقد أخذ منها دروساً وعِبراً كبرى.
وفي صِفّين.. استعدّ محمّد ابن الحنفيّة لمواجهة عسكر معاوية بن أبي سفيان، وقبل أن يتحرّك نحو القوم أوصاه والده أمير المؤمنين عليه السّلام بقوله: يا بُنيّ.. إمشِ نحو هذه الراية مَشْياً وَئيداً على هيئتك، حتّى إذا شُرِعت في صدورهم الأسنّة فأمسِكْ.. حتّى يأتيَك رأيي.
يقول سُلَيم بن قيس: ففعل، وذلك بعد أن ثارت على الأمير عصابة عددها أربعة آلاف من معسكر معاوية، فأعدَّ مِثْلَهم، ثمّ دنا محمّد وأشرع الرماحَ في صدورهم، فأمر الإمامُ عليٌّ عليه السّلام الذي كان أعدَّهم أن يحملوا معهم، فشدّوا عليهم، ونهض محمّد ابن الحنفيّة ومَن معه في وجوههم، فأزالوهم عن مواقفهم، وقَتَلوا عامّتَهم(18).
وكان محمّد في لَهوَات الحرب، وعُرِف بجرأته في الدفاع عن أبيه باعتباره إمامَه وأميراً للمؤمنين تنصيباً من ربّ العالمين.. يروي عروة: أنّ محمّد ابن الحنفية كان في دمشق ديار الأُمويّين، فسمع رجلاً يقول: هذا ابن أبي تراب! فأسندَ محمّدٌ ظهرَه إلى الجدار جهة المحراب في جامع دمشق، ثمّ قال:
اختسئوا ذريّةَ النفاق، وحشوةَ النيران، وحصبةَ جهنّم، عن البدرِ الزاهر، والنجمِ الثاقب، واللسانِ الناقد، وشهاب المؤمنين، والصراطِ المستقيم، مِن قبلِ أن نطمسَ وجوهاً فنردَّها على أعقابها، أو نَلعنَهم كما لَعَنّا أصحابَ السبت، وكان أمرُ الله مفعولاً.
أتدرون أيَّ عَقَبةٍ تقتحمون، أخا رسول الله تستهدفون، ويعسوبَ الدين تلمزون، فبأيّ سبيلِ رشادٍ بعد ذلك تسلكون، وأيّ حرقٍ بعد ذلك تدفعون ؟! هيهاتَ! برز لله في السيف، وفاز بالخصل..
إلى أن قال: وأبي سيدُ قلمة رسول الله صلّى الله عليه وآله إذ سفعوا، وشفيق نبيّه إذ حصلوا، ونديدُ هارون من موسى عليهما السّلام إذ مثلوا، وذو قربى كبيرها إذا امتُحِنوا، والمصلّي للقِبلتَينِ إذا انحرفوا، والمشهودُ له بالإيمان إذا كفروا، والمدعوُّ إلى الخير إذا نكلوا، والمندوب لعهد المشركين إذا نكثوا، والخليفة على المهاجرين إذا جزعوا، والمستودَعُ الأسرار ساعةَ الوداع إذا حُجِبوا!

هذي المكارمُ لا قَعبانِ مِن لَبَنٍ

 

شِيبا بماءٍ فعادا بَعدُ أبوالا!(19)

 

رواياته
وكان من دفاعه عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه ثبّت كونَه ( مَن عنده عِلمُ الكتاب )، وهو المشار إليه في قوله تعالى: «قُلْ كفى باللهِ شهيداً بيني وبينَكُم ومَن عِندَه عِلمُ الكتاب» (20)، وكذا روى عبدالله بن عطاء عن الإمام الباقر عليه السّلام قولَه: إنّما ذلك عليُّ بن أبي طالب عليه السّلام(21).
وروى محمّد ابن الحنفيّة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بعث عليّاً عليه السّلام في غزوة بدر أن يأتيه بالماء حين سكت أصحابه عن إيراده، فلما أتى القَليب فملأها جاءت ريحٌ فأهرقت الماء، وهكذا في الثالثة، فلما كانت الرابعة ملأها فأتى النبيَّ صلّى الله عليه وآله، فقال له: أمّا الريحُ الأُولى فجبرائيلُ في ألفٍ من الملائكة سَلَّموا عليك، والريح الثانية ميكائيلُ في ألفٍ من الملائكة سَلّموا عليك، والريح الثالثة إسرافيلُ في ألفٍ من الملائكة سَلَّموا عليك.
وفي رواية: ما أتَوك إلاّ ليحفظوك(22).
وممّا رواه ابن الحنفيّة أيضاً: ما نقله عن جابر بن عبدالله الأنصاريّ رضوان الله عليه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: إنّ الله جعَلَ عليّاً قائدَ المسلمين إلى الجنّة، به يدخلون الجنّة وبه يدخلون النار، وبه يُعذَّبون يوم القيامة! قيل: وكيف ذلك يا رسول الله ؟! فقال: بحُبِّه يدخلون الجنّة، وببغضه يدخلون النارَ ويُعذَّبون(23).
وروى الزمخشري أنّ ابن الحنفيّة قال: كان أبي يدعو قنبراً باللّيل، فيُحمّله دقيقاً وتمراً، فيمضي به إلى أبياتٍ قد عَرَفها، ولا يُطْلِع عليها أحداً، فقلت له: يا أبَ، ما يمنعُك أن تدفع إليه نهاراً ؟ فقال: يا بُنيّ، إنّ صدقة السرّ تُطفئ غضَبَ الربّ(24).

الفراق المرير
وإلى آخر اللحظات.. كان محمّد ابن الحنفية رضوان الله عليه مع أبيه أمير المؤمنين سلام الله عليه وفي كَنَفه وإلى جنبه، حتّى روي أنّه اشترك في غُسل والده بعد شهادته صلوات الله عليه(25)، وشارك في تجهيزه بعد أن كان الحسن عليه السّلام يغسله والحسين عليه السّلام يصبّ عليه الماء، وكان أمير المؤمنين عليه السّلام لا يحتاج إلى مَن يقلّبه، فقد كان يتقلّب كما يريد الغاسل يميناً وشمالاً، وكانت رائحته أطيبَ من المسك والعنبر صلوات الله تعالى عليه(26).
وورث محمد أباه في علمه، وقد دفعا أخواه الحسن والحسين عليهما السّلام إليه تلك الصحيفة فما استطاع فتحَها، لكنّه علمَ منها شيئاً فأخبر ابن عبّاس بالأمر(27).
وكان من وصايا أبيه إليه:
ـ يا بُنيّ، إنّي أخاف عليك الفَقْر، فاستَعِذْ بالله منه؛ فإنّ الفقر منقصّةٌ للدِّين ( أي عند أغلب الناس إذ لا يتحمّلونه )، مَدْهَشةٌ للعقل، داعيةٌ للمَقت(28).
ـ إيّاك والاتّكال على الأمانيّ(29).
ـ وأوصاه أمير المؤمنين عليه السّلام وصيّةً خاصّة بأخوَيه الحسن والحسين عليهما السّلام فقال له: أُوصيك بتوقير أخَوَيك؛ لعِظَم حقِّهِما عليك، ولا تُوثِقْ أمراً دونَهما ( أو تقطع أمراً دونهما ).
كما أوصى عليه السّلام ولديه الحسنَ والحسين عليهما السّلام بأخيهما محمّد ابن الحنفيّة فقال لهما: أُوصيكما به؛ فإنّه أخوكما وابن أبيكما، وقد كان أبوكما يُحبّه(30).

مع الإمام الحسن عليه السّلام
بعد شهادة أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام لازَمَ ابنُ الحنفيّة أخاه الإمام الحسن عليه السّلام، ملتزماً بمحبّته وولايته والدفاع عنه وعن إمامته، والاستماع إلى وصاياه. حتّى إذا اشتكى الإمامُ الحسن عليه السّلام السمَّ وعَلِم بقُرب أجَله، أرسل إلى أخيه محمّد ابن الحنفيّة، فجاء من فوره وكان في بستانٍ له، فدخل عليه وجلس عن يساره؛ إذ كان الإمام الحسين عن يمينه، فقال الإمام الحسن عليه السّلام ـ بعد أن فتح عينيه ـ للحسين عليه السّلام: يا أخي، أُوصيك بمحمّدٍ أخيك خيراً؛ فإنه جِلدةُ ما بين العينَين. ثمّ قال: يا محمّد، وأنا أُوصيك بالحسين، كانِفْه ووازِرْه(31).
وعندما حضرته الوفاة قال لأخيه محمّد: يا محمّد بن عليّ، أمَا علمتَ أنّ الحسين بن عليّ بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي، إمامٌ مِن بعدي... يا أخي، إنّ هذه آخر ثلاث مرّاتٍ سُقيتُ السمّ ولم أُسقَه مِثْلَ مرّتي هذه، وأنا ميّتٌ مِن يومي(32).
حتّى اذا استُشهد أخوه الحسن المجتبى عليه السّلام تأثّر تأثّراً شديداً ورثاه، وكان ممّا رثاه به قوله:

سأبكيك ما ناحَتْ حمامـةُ أيكـةٍ

 

وما آخضَرّ في دَوحِ الحجازِ قضيبُ(33)

 

ثمّ شارك أخاه الإمام الحسين عليه السّلام في إدخال الحسن المجتبى عليه السّلام في قبره(34)، ووقف على شفير القبر وقد خنقته العَبرة فقال:
رَحِمَك اللهُ يا أبا محمّد، فلئن عَزَّتْ حياتُك، فلقد هَدَّتْ وفاتُك، ولَنِعمَ الروحُ روحٌ ضمّه بدنُك، ولَنِعمَ البدنُ بدنٌ ضمّه كفَنُك.. وكيف لا يكون ذلك وأنت بقيّةُ وُلْد الأنبياء، وسليلُ الهدى وخامسُ أصحاب الكساء، وغَذَتْك أكُفُّ الحقّ ورُبّيتَ في حِجْر الإسلام، فطِبْت حيّاً وطِبْتَ ميّتاً، وإنْ كانت أنفسُنا غيرَ طيّبةٍ بفراقك..(35)
وحينما عارضت عائشةُ أن يُدفنَ الإمام الحسن سلام الله عليه إلى جَنْب جَدّه المصطفى صلّى الله عليه وآله، وخرجت على بغلتها وهي تقول: لا تُدخلوا بيتي مَن لا أُحبّ! والحسن عليه السّللام كان حبيبَ رسول الله صلّى الله عليه وآله.. غَضِب محمّد ابن الحنفيّة من موقفها ذاك، فقال لها: خرجتِ على أبي وأنتِ على جمل، واليومَ جئتِ تَشتميننا وأنت على بغلة! وإنْ خرجتِ غداً لخزي الإسلام وستكونين على فيل! فغَضِبَت من ذلك، والتَفَتتْ إلى بني أميّة تسألهم عن سرّ سكوتهم، فقالوا متحيّرين: ما نفعل ؟! فقالت: ارموا جَنازةَ الحسن بالسهام، ففعلوا، حتّى سُلّ منها سبعونَ سهماً ( نبلاً )، فدفنوه في البقيع(36).

مع الإمام الحسين عليه السّلام
وعايش أخاه الإمامَ الحسين عليه السّلام أخاً وإماماً في جميع ما جرى بعد الإمام الحسن عليه السّلام، وكان يقول: إنّ الحسين أعلَمُنا عِلماً، وأثقَلُنا حِلْماً، وأقرَبُنا مِن رسول الله صلّى الله عليه وآله رَحِماً، وكان إماماً فقيهاً(37).
وبقيَ محمّد ابن الحنفيّة يترقّب الوقائع وقد طغى بنو أُميّة ولم يكن ليتحرّك إلاّ بأمر إمامه الحسين سلام الله عليه.. قال ابن سعد: في عهد الحسين عليه السّلام، كان أهلُ الكوفة يكتبون إلى الإمام الحسين عليه السّلام يَدْعُونه إلى الخروج إليهم في زمن معاوية، فكان يأبى ذلك، فقَدِم منهم قومٌ إلى محمّد ابن الحنفيّة يطلبون منه أن يخرج معهم، فأبى وجاء إلى الإمام الحسين عليه السّلام يُخبره بما عرضوا عليه، فأجابه: إنّ القوم إنّما يريدون أن يأكلوا منّا، ويُشيطوا دماءنا(38).
وبقي ابن الحنفيّة على ارتباطٍ ولائيّ واعتقاديّ بإمامه أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه، إلاّ أنّ خروج الإمام الحسين عليه السّلام إلى كربلاء هزّ كيانه، فانتابه القلق والأسف معاً، إذ لم يكن قادراً على الخروج معه، وتحيّر إذ رأى إمامَه مأموراً مِن قبل رسول الله صلّى الله عليه وآله في رؤيا رآها أن يخرج مع أهل بيته إلى كربلاء(39).
وما كان من ابن الحنفيّة إلاّ أن قال لأخيه الحسين عليه السّلام: إنّي ـ والله ـ لَيَحزُنُني فراقُك، وما أقعَدَني عن المسير معك إلاّ لأجل ما أجِده من المرض الشديد.. فواللهِ ـ يا أخي ـ ما أقدر أن أقبضَ على قائم سيف، ولا كعبِ رمح، فواللهِ لا فَرِحتُ بعدك أبداً!
ثمّ بكى بكاءً شديداً حتّى غُشيَ عليه، فلمّا أفاق من غشيته قال: يا أخي، أستَودِعُك اللهَ مِن شهيدٍ مظلوم! وودّعه الإمامُ الحسين عليه السّلام مُيّمماً نحو مكّة(40).
ولمّا بلغَه سَيرُ الإمام الحسين عليه السّلام مِن مكّة نحو كربلاء ـ وكان يتوضّأ ـ بكى وجَرَت دموعه في الطَّست، ثمّ نادى: واحُسينا، واخليفةَ الماضين، وثُمالةَ الباقين.
ومع علمه وعلم الكثيرين بأنّ الإمام الحسين عليه السّلام إمامٌ معصوم له تكليفه الإلهيّ، ولم يَقْدِم إلاّ على ما أمره اللهُ تعالى به، إلاّ أنّ قلوبهم لم تَتَحمّلْ أن تفارقَه، أو تسمع بشهادته، فكأنّهم نَسُوا ما اعتقدوه فيه، فأخذوا يَرجُونه الانصرافَ عن مسيره، حتّى إذا بيّن لهم سيّدُ الشهداء عليه السّلام حقائق الأمر سلّموا وقالوا له: اللهُ ورسولُه وابن رسوله أعلم(41).
والكلّ كان مرتقباً خائفاً أن يسمع أنّ مصيبةً قد أحاطت بالحسين عليه السّلام وأهل بيته الكرام، أو أن فاجعة حلّت بهم.. وجاءت الأخبار قاتلةً لولا أن ربط اللهُ على القلوب، لقد جاء نعيّ الإمام الحسين عليه السّلام يقلب المدينةَ بكاءً ونياحةً وعويلاً، والكلُّ مذهول لا يريد أن يصدّق هذا النبأَ الرهيب.. ومنهم محمّد ابن الحنفيّة، حتّى إذا استسلم لحقيقة الواقعة العظمى قال: أنا واللهِ كنتُ أتوقّع ما أصابه، فعند الله نحتسبه، ونسأله الأجر وحسن الخَلَف. ثمّ أخذ يبكي بكاءً شديداً(42).
وبقيت تلك الحسرة تعيش في قلب محمّد ابن الحنفيّة أنّه لم يَرحَلْ إلى كربلاء فيواسي أخاه الحسين ويُقتَل بين يديه.. يقول الشيخ المفيد: عدم حضوره في مشهد الطفّ: إمّا لأنّ الحسين عليه السّلام أذِن له بالبقاء ليكون عَيناً له، كما ورد ذلك في المقتل لمحمّد ابن أبي طالب الحائريّ، أو للمرض كما يراه العلاّمة الحلّي. واعترافه بإمامة السجّاد عليّ بن الحسين عليه السّلام يَدُلّ على حُسن رأيه، ومعذوريّتِه في التأخّر..(43)

مع الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام
بعد شهادة الإمام الحسين عليه السّلام.. انفجَرَت كثيرٌ من الثورات في وجه بني أميّة وطواغيتها، وكان المظنون أنّ من كان وراءها والمحرّك لها هو محمّد ابن الحنفيّة، ولكنّه لم يكن ليُقْدِم على أمرٍ أو يُرخِّص لأحدٍ بالنهوض والثورة إلاّ بموافقة إمام زمانه السجّاد عليّ بن الحسين صلوات الله عليه الذي قال له: يا عَمِّ، لو أنّ عبداً زنجيّاً تعصّب لنا ـ أهلَ البيت ـ لَوجَبَ على الناس مؤازرتُه، وقد وَلَّيتُك هذا الأمر فاصنَعْ ما شئت(44).
ومِن هنا فهم المختار والتوّابون الإذنَ بثورتهم ضدَّ بني أميّة، لا سيّما وقد كان ابن الحنفيّة يلتقي بوفودهم، وينقل لهم موقف الإمامة في مناصرة الناهضين والثائرين في وجه قَتَلة أهل البيت صلوات الله عليهم.
ومن المؤكَّدات في شخصيّة ابن الحنفيّة أنّه كان من المعتقدين بالإمام والثابتين عليها، وإن انحرف جماعة باسمه دُعُوا بـ « الكَيْسانيّة » فادّعَوا إمامته وهو بريء منهم ومن ادّعاءاتهم؛ إذ كان ملازماً للإمام السجّاد عليه السّلام معتقداً بإمامته، تابعاً لوصاياه وأوامره، ماضياً في طاعته، بل وكان واضح التبرّي مِن مخالفي أهل البيت وأعداءِ أئمّة الهدى عليهم السّلام وكان يلعنهم ويفضحهم(45).
ولمّا رأى ابن الحنفيّة أنّ البعض يتوجّه إليه فيزعم أنّه هو الإمام المنصوص عليه، استجاب لابن أخيه السجّاد عليه السّلام أن يحتكما إلى الحجر الأسود مَن هو الإمام الحقّ! فكانت المعجزة، إذ دعا الإمام عليّ بن الحسين عليهما السّلام ثمّ قال للحجر الأسود: أسألك بالذي جَعَل فيك ميثاقَ العباد، وميثاقَ الأنبياء والأوصياء، لمّا أخبرتَنا بلسانٍ عربيٍّ مُبين: مَن الوصيّ والإمام بعد الحسين بن عليّ عليهما السّلام ؟! فتحرّك الحجر حتّى كاد أن يزول من موضعه، ثمّ أنطقه الله بلسانٍ عربيٍّ مبين، فقال: اَللّهمّ إنّ الوصيّة والإمامة بعد الحسين بن عليّ عليهما السّلام إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام ابن فاطمة ابنة رسول الله صلّى الله عليه وآله.
فانصرف محمّد ابن الحنفيّة وهو يتولّى عليَّ بن الحسين عليه السّلام(46).
وكان من كلام الإمام جعفر الصادق عليه السّلام فيه، قوله: ما مات محمّد ابن الحنفيّة حتّى آمَنَ بعليّ بن الحسين عليهما السّلام(47).

مع القرآن الكريم
لم يكن مؤمنٌ لِيَجرؤ أن يفسّر القرآن الكريم ـ لا سيّما في محضر أهل بيت الوحي والرسالة وأنّى له بفهم مقاصد كلام الله تبارك وتعالى، إنّما يعرف معاني القرآن وأبعاده مَن نزل في بيوتهم. وإذا كان صَدَر شيءٌ عن محمّد ابن الحنفيّة في بيان بعض المعاني القرآنيّة الشريفة، فلابدّ أن يكون ذلك مشروطاً بأمرين:
الأوّل ـ أنّه استقى بيانَ ذلك من الأئمّة الهداة عليهم السّلام: أبيه أمير المؤمنين، وأخويه الحسن والحسين، وابن أخيه عليّ بن الحسين صلوات الله عليهم أجمعين، وقد عاش في كَنَفهم، ونَهَل شيئاً من معارفهم.
الثاني ـ أنّه وجَدَ ضرورةً في بيان بعض الأمور، لأهميّتها أو لسؤال الناس حولها، لا سيّما في شأن الآيات المؤوّلة أو النازلة في حقّ آل البيت سلام الله عليهم جميعاً.. وهنا ننقل شيئاً ممّا ورد عنه:
ـ قال الإمام محمّد الباقر عليه السّلام: كان محمّد ابن الحنفية يقول: « الصَّمَد » القائم بنفسه، الغنيُّ عن غيره(48).
ـ وقد نقل معنىً منبسطاً عن أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام حول معنى الصمد يطول بيانه..(49)
ـ وفي تفسير قوله تعالى: «فأذَّنَ مؤذّنٌ بينهم أنْ لَعنةُ الله على الظالمين» ، روى الحاكم الحسكانيّ بإسناده عن محمّد ابن الحنفيّة، عن عليٍّ عليه السّلام أنّه قال: أنا ذلك المؤذّن(50).
ـ وروى عن أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام في ظلّ قوله تعالى: «إنّا عَرَضْنا الأمانةَ علَى السَّماواتِ والأرضِ والجبالِ فأبَيْنَ أن يَحملنَها وأشفَقْنَ منها، وحَمَلَها الإنسانُ إنّه كان ظَلُوماً جَهُولاً» ، أنّه قال: عرَضَ الله أمانتي [ أي إمامته وولايته صلوات الله عليه ] على السماوات السبع بالثواب والعقاب، فقلن: ربَّنا لا نحملها بالثواب والعقاب، ولكن نحملُها بلا ثوابٍ ولا عقاب...
وإنّ الله عرض أمانتي على الأرض، فكلُّ بقعةٍ آمنت بولايتي وأمانتي جعَلَها اللهُ طيّبةً مباركةً زكيّة، وجعَلَ نباتَها وثمرها حُلْواً عَذْباً، وجعل ماءها زلالاً... ثمّ قال: «وحَمَلَها الإنسان» يعني أمّتُك يا محمّد ولايةَ أمير المؤمنين وإمامته بما فيها من الثواب والعقاب، وإنّه كان ظَلوماً لنفسه، جَهُولاً لأمر ربّه، مَن لم يُؤدِّها بحقِّها فهو ظلومٌ غَشُوم(51).
ـ وفي قوله تعالى «ورَجُلاً سَلَماً لرجل» ، روى المنذر الثوريّ عن ابن الحنفيّة عن أبيه عليه السّلام أنّه قال: أنا ذلك الرجلُ السَّلَمُ لرسول الله صلّى الله عليه وآله(52).
ـ وفي ظلّ قوله تعالى: «اللهُ يَستهزئُ بهم» بيّن ابن الحنفيّة أنّ هؤلاء ـ وهم من بني أُميّة ـ قالوا: إنّما نحن مستهزئون بعليّ بن أبي طالب، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهي تعني: يُجازيهم في الآخرة جزاءَ استهزائهم بأمير المؤمنين عليه السّلام(53).
ـ وروى عن أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام قولَه: كنتُ عاهَدتُ الله ورسولَه صلّى الله عليه وآله: أنا وعمّي حمزة وأخي جعفر وابن عمّي عُبيدة بن الحارث، على أمرٍ وَفَينا به لله ولرسوله، فتقدَّمني أصحابي وخُلِفتُ بعدَهم لِما أراد اللهُ عزّوجلّ، فأنزلَ اللهُ سبحانَه فينا: «مِنَ المؤمنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدوا اللهَ عليه، فمِنهُم مَن قضى نَحْبَه» حمزة وجعفر وعبيدة «ومنهم مَن ينتظرُ وما بَدَّلوا تبديلاً» ، أنا المنتظِر وما بَدَّلتُ تبديلاً(54).
ـ وروى ابن حجر(55) عن الحافظ السلقي، عن محمد ابن الحنفيّة أنّه قال في تفسيره هذه الآية: «إنّ الذين آمَنُوا وعَمِلوا الصالحاتِ سيجعلُ لَهمُ الرحمنُ وُدّاً» : لا يبقى مؤمنٌ إلاّ وفي قلبه وُدٌّ لعليٍّ وأهلِ بيته(56).
ـ وفي قوله تعالى: «يس» قال: محمّد صلّى الله عليه وآله(57).
ـ وفي قوله تعالى: «وهم يَنْهَون عنه» قال ابن الحنفيّة: هم كفّار مكّة، كانوا يدفعون الناسَ عنه ( أي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله ) ولا يُجيبونه(58).

مع الحديث الشريف
ـ روى ابن الحنفيّة عن أبيه الإمام عليّ عليه السّلام خبرَ رسول الله صلّى الله عليه وآله: المهديّ منّا أهلَ البيت، يُصلحه الله في ليلة ـ أو قال: في يومين(59).
ـ وروى الإمام الباقر عليه السّلام عن محمّد ابن الحنفية عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال:
أشفَعُ لأُمّتي حتّى ينادي ربّي: رِضِيتَ يا محمّد ؟ فأقول: رَضِيتُ(60).
ـ وعن محمّد بن بِشْر الهَمْدانيّ قال: سمعتُ محمّدَ ابن الحنفيّة يقول: حدّثني أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله يوم القيامة آخِذٌ بحُجزةِ الله، ونحن آخِذون بحجزةِ نبيّنا، وشيعتنا آخِذُون بحُجزتنا. قلت: يا أمير المؤمنين، وما الحُجْزة ؟ قال:
اللهُ أعظمُ مِن أن يُوصفَ بالحُجْزة أو غيرِ ذلك، ولكنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله آخِذٌ بأمرِ الله، ونحن ـ آلَ محمّدٍ ـ آخِذونَ بأمر نبيّنا، وشيعتنا آخِذون بأمرنا(61).
ـ وروى محمّد ابن الحنفيّة عن أبيه في قضية عبدالرحمان بن مُلجَم لعنه الله يوم أُتيَ به أسيراً، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّه أسير فأحسِنوا إليه وأكرموا مَثْواه، فإنْ بقيتُ قَتَلتُ أو عَفَوتُ.. فإن متُّ فاقتلوه كما قتلني، ولا تعتدوا إنّه لا يحبُّ المعتدين(62).

وفاته
ذكر المؤرّخون أنّ وفاة محمّد ابن الحنفيّة رضوان الله عليه كانت سنة 81 هجريّة(63)، وقيل: سنة 67 هجريّة(64)، وقيل: سنة 87 هجريّة(65). كما ذكرت المصادر أنّ عمره كان يوم وفاته خمساً وستّين سنة(66).
وقد حضر الإمام محمّد الباقر عليه السّلام واقعة رحيل عمّه ابن الحنفيّة، فيما رواه حيّان السرّاج عن الإمام الصادق عليه السّلام عندما دخل عليه، فقال عليه السّلام له: يا حيّان، ما يقول أصحابك في محمّد ابن الحنفيّة ؟ قال: يقولون: إنّه حيٌّ يُرزَق! فقال عليه السّلام: حدّثني أبي عليه السّلام أنّه كان فيمَن دعاه في مرضه، وفيمَن غمّضه، وأدخَلَه حفرته.. وقسّم ميراثَه(67).
وله رحمه الله في منطقةٍ بدمشق تّسمّى « المَزّة » قبرٌ يُنسَب إليه.

الهوامش:

1ـ الاستغاثة لأبي القاسم الكوفي 5:1؛ مسألتان في النصّ على عليٍّ عليه السّلام للشيخ المفيد ص 15.
2ـ التنبيه والإشراف للمسعودي 283؛ تذكرة خواص الأُمّة لسبط ابن الجوزي 169؛ البداية والنهاية لابن كثير 38:9؛ لوامع الحقائق للأشتياني الميرزا أحمد 257.
3ـ ملحقات إحقاق الحقّ للسيّد شهاب الدين المرعشيّ 119:13؛ لوامع الحقائق 257؛ الروض الأنف للسهيلي 290:2.
4ـ الطبقات الكبرى 66:5.
5ـ وفيات الأعيان 449:1.
6ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 269:3؛ بحار الأنوار للشيخ المجلسي 319:43.
7ـ سير أعلام النبلاء للذهبي 115:4؛ تاريخ الإسلام للذهبي 296:23.
8ـ البداية والنهاية لابن كثير 103:28.
9ـ نهج الإيمان لزين الدين عليّ بن يوسف بن جبر 632.
10ـ وقعة صفّين للمنقري 216.
11ـ وقعة صفّين 216.
12ـ الاحتجاج لأبي منصور أحمد بن عليّ الطبرسيّ 267:2.
13ـ نهج البلاغة: الخطبة 11.
14ـ وقعة الجمل 179.
15ـ التنبيه والإشراف 283؛ تذكرة خواصّ الأمّة 169؛ البداية والنهاية 38:9.
16ـ وقعة الجمل 191.
17ـ وقعة الجمل 189.
18ـ كتاب سُلَيم بن قيس 341 ـ 342.
19ـ الطرائف لابن طاووس 90.
20ـ سورة الرعد: 43.
21ـ بناء المقالة الفاطميّة في نقض الرسالة العثمانية للسيّد أحمد بن موسى بن طاووس 220.
22ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 180:2.
23ـ ينابيع المودّة 252 ـ الطبعة القديمة.
24ـ ربيع الأبرار للزمخشري 210 ـ الطبعة القديمة.
25ـ العُدد القويّة 242.
26ـ بحار الأنوار للشيخ المجلسي 294:42.
27ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 149:7.
28ـ نهج البلاغة: الحكمة 319.
29ـ مَن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق 275:4.
30ـ ملحقات إحقاق الحقّ للسيّد شهاب الدين المرعشي 41:18.
31ـ الأخبار الطِّوال للدينوري 221.
32ـ إحقاق الحقّ 536:32.
33ـ مروج الذهب للمسعودي 429:2.
34ـ العقد الفريد لابن عبدربّه 9:2.
35ـ إحقاق الحقّ 602:26.
36ـ إحقاق الحقّ 544:33.
37ـ بحار الأنوار 140:1.
38ـ الطبقات الكبرى لابن سعد ـ ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام 53.
39ـ أُسد الغابة لابن الأثير 21:1. تاريخ دمشق ـ ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام 59.
40ـ معالي السبطين لمحمّد مهدي الحائري المازندراني 229:1. أسرار الشهادة للفاضل الدربندي 246.
41ـ إحقاق الحقّ 221:27.
42ـ تاريخ دمشق ـ ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام 86؛ أنساب الشراف للبلاذري 52؛ ينابيع المودّة 334 ـ الطبعة القديمة؛ تذكرة خواصّ الأمّة لسبط ابن الجوزيّ 137.
43ـ وقعة الجمل للشيخ المفيد 179.
44ـ بحار الأنوار 365:45.
45ـ تقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي 259؛ الاستيعاب لابن عبدالبر 458:2؛ الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم للنباطي البياضي 58:3.
46ـ الإمامة والتبصرة لابن بابويه القمّي 62:60 / ح 49؛ بصائر الدرجات للصفّار القمّي 502/ح3 ـ الجزء العاشر، الباب 17؛ الكافي للكليني 348:1 / ح 5؛ إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسيّ 485:1؛ الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي 257:1 / ح 3؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 147:4؛ إثبات الوصيّة للمسعودي 147؛ الهداية الكبرى للخُصَيبي 220؛ روضة الواعظين للفتّال النيسابوري 197.. وغيرها.
47ـ كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق 36:1.
48ـ التوحيد للشيخ الصدوق 90.
49ـ معارج اليقين في أصول الدين للشيخ محمّد بن محمّد السبزواريّ 38.
50ـ شواهد التنزيل للحسكاني 267:1، والآية في سورة الأعراف:44.
51ـ غاية المرام للسيّد هاشم البحراني 186:4؛ بحار الأنوار 281:23 ـ عن مناقب آل أبي طالب 141:2 ـ 142، والآية في سورة الأحزاب:72.
52ـ إحقاق الحق 674:14؛ غاية المرام 255:4؛ بحار الأنوار 161:24 ـ عن الحاكم أبي القاسم الحسكانيّ في ظلّ الآية 29 من سورة الزمر المباركة.
53ـ غاية المرام 285:4، والآية في سورة البقرة:15.
54ـ بحار الأنوار 349:31 ـ عن الخصال للشيخ الصدوق 376:2 ـ باب السبعة والآية في سورة الأحزاب:23.
55ـ في الصواعق المحرقة 170.
56ـ إحقاق الحقّ 85:3، والآية في سورة مريم:96.
57ـ دلائل النبوّة لأبي نُعَيم 158:1.
58ـ فتح القدير للشوكاني ـ ج 2، والآية في سورة الأنعام:26.
59ـ حلية الأولياء لأبي نعيم الإصفهاني 177:3؛ غاية المرام 97:7.
60ـ إحقاق الحقّ 463:14.
61ـ التوحيد للشيخ الصدوق 165.
62ـ المناقب للخوارزمي 271.
63ـ وفيات الأعيان لابن خلِّكان 449:2.
64ـ أخبار السيّد الحِمْيرَي للمرزباني 164.
65ـ كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق 36.
66ـ التنبيه والإشراف للمسعودي 283؛ تذكرة خواصّ الأُمّة لسبط ابن الجوزي 169؛ البداية والنهاية لابن كثير 38:9.
67ـ كمال الدين للصدوق 36.

 

 

تصنيف :