من سيرة النبي نوح(ع)...هذه السفينة فأين البحر؟!

الأحد 3 إبريل 2022 - 06:46 بتوقيت غرينتش
من سيرة النبي نوح(ع)...هذه السفينة فأين البحر؟!

يقال إن الملأ من قوم نوح والأشراف كانوا جماعات، وكل جماعة تختار نوعا من السخرية والإستهزاء بنوح ليضحكوا ويفرحوا بذلك الإستهزاء!...

من سيرة النبي نوح(ع)...هذه السفينة فأين البحر؟!

آية الله مكارم شيرازي

ذكر نوح (ع) في كثير من الآيات القرآنية، ومجموع السور التي ذكر فيها (ع) (29) سورة، وأما اسمه (ع) فقد ورد 43 مرة.

وقد شرح القرآن المجيد أقساما مختلفة من حياته (ع) شرحا مفصلا، وتتعلق أكثرها بالجوانب التعليمية والتربوية والمواعظ.

إن قصة نوح (ع) الواردة في القرآن الكريم، بينت بعدة عبارات وجمل، كل جملة مرتبطة بالأخرى، وكل منها يمثل سلسلة من مواجهة نوح (ع) في قبال المستكبرين، ففي القرآن بيان لمرحلة دعوة نوح (ع) المستمرة والتي كانت في غاية الجدية، وبالإستعانة بجميع الوسائل المتاحة حيث استمرت سنوات طوالا – آمن به جماعة قليلة.. قليلة من حيث العدد وكثيرة من حيث الكيفية والإستقامة.

وهنا إشارة إلى المرحلة الثالثة من هذه المواجهة، وهي مرحلة إنتهاء دورة التبليغ والتهيؤ للتصفية الإلهية.

ففي البداية تقرأ ما معناه: يا نوح، إنك لن تجد من يستجيب لدعوتك ويؤمن بالله غير هؤلاء: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ﴾.

وهي إشارة إلى أن الصفوف قد امتازت بشكل تام، والدعوة للإيمان والإصلاح غير مجدية، فلا بد إذا من الإستعداد لتصفية والتحول النهائي.

وفي النهاية تسلية لقلب نوح (ع) أن لا تحزن على قومك حين تجدهم يصنعون مثل هذه الأعمال ﴿فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾.

وعلى كل حال لابد من إنزال العقاب بهؤلاء العصاة اللجوجين ليطهر العالم من التلوث بوجودهم، وليكون المؤمنون في منأى عن مخالبهم، وهكذا صدر الأمر بإعراقهم، ولكن لابد لكل شيء من سبب، فعلى نوح أن يصنع السفينة المناسبة لنجاة المؤمنين الصادقين لينشط المؤمنون في مسيرهم أكثر فأكثر، ولتتم الحجة على غيرهم بالمقدار الكافي أيضا.

سفينة نوح

وجاء الأمر لنوح أن ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا....

يستفاد من كلمة "وحينا" أيضا أن صنع السفينة كان بتعليم الله، وينبغي أن يكون كذلك، لأن نوحا (ع) لم يكن بذاته ليعرف مدى الطوفان الذي سيحدث في المستقبل ليصنع السفينة بما يتناسب معه، وإنما هو وحي الله الذي يعيته في إنتخاب أحسن الكيفيات.

وفي النهاية ينذر الله نوحا أن لا يشفع في قومه الظالمين، لأنهم محكوم عليهم بالعذاب وإن الغرق قد كتب عليهم حتما ﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾.

هذه السفينة فأين البحر؟

أما عن قوم نوح فكان عليهم أن يفكروا بجد – ولو لحظة واحدة – في دعوة النبي نوح (ع) ويحتملوا على الأقل أن هذا الإصرار وهذه الدعوات المكررة كلها من "وحي الله" فتكون مسألة العذاب والطوفان حتمية!! إلا أنهم واصلوا إستهزاءهم وسخريتهم مرة أخرى وهي عادة الأفراد المستكبيرن والمغرورين ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾.

يقال إن الملأ من قوم نوح والأشراف كانوا جماعات، وكل جماعة تختار نوعا من السخرية والإستهزاء بنوح ليضحكوا ويفرحوا بذلك الإستهزاء!

فمنهم من يقول: يا نوح، يبدو أن دعوى النبوة لم تنفع وصرت نجارا آخر الأمر!

ومنهم من يقول: حسنا تصنع السفينة، فينبغي أن تصنع لها بحرا، أرأيت إنسانا عاقلا يصنع السفينة على اليابسة. ومنهم من يقول: واها لهذه السفينة العظيمة، كان بإمكانك أن تصنع أصغر منها لمكنك سحبها إلى البحر.

كانون يقولون مثل ذلك ويقهقهون عاليا، وكان هذا الموضوع مثار حديثهم وبحثهم في البيوت وأماكن عملهم، حيث يتحدثون عن نوح وأصحابه وقلة عقلهم: تأملوا الرجل العجوز وتفرجوا عليه كيف انتهى به الأمر، الآن ندرك أن الحق معنا حيث لم نؤمن بكلامه، فهو لا يملك عقلا صحيحا!!

ولكن نوحا كان يواصل عمله بجدية فائقة وأناة واستقامة منقطعة النظير لأنها وليدة الإيمان، وكان لا يكترث بكلمات هؤلاء الذين رضوا عن أنفسهم وعميت قلوبهم، وإنما يواصل عمله ليكمله بسرعة. ويوما بعد يوم كان هيكل السفينة يتكامل ويتهيأ لذلك اليوم العظيم، وكان نوح (ع) أحيانا يرفع رأسه ويقول لقومه الذين يسخرون منه هذه الجملة القصيرة ﴿قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾.

ذلك اليوم الذي يطغى فيه الطوفان فلا تعرفون ما تصنعون، ولا ملجأ لكم، وتصرخون معولين بين الأمواج تطلبون النجاة.. ذلك اليوم يسخر منكم المؤمنين ومن غفلتكم وجهلكم وعدم معرفتكم ويضحكون عليكم.

﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾.

لاشك إن سفينة نوح لم تكن سفينة عادية ولم تنته بسهولة مع وسائل ذلك الزمان وآلاته، إذ كانت سفينة كبيرة تحمل بالإضافة الى المؤمنين الصادقين زوجين اثنين من كل نوع من الحيوانات، وتحمل متاعا وطعاما كثيرا يكفي للمدة التي يعيشها المؤمنون والحيوانات في السفينة حال الطوفان، ومثل هذه السفينة بهذا الحجم وقدرة الاستيعاب لم يسبق لها مثيل في ذلك الزمان. فهذه السفينة ستجري في بحر بسعة العالم، وينبغي أن تمر سالمة عبر أمواج كالجبال فلا تتحطم بها، لذلك تقول بعض الروايات: إن طول السفينة كان ألفا ومئتي ذراع، وعرضها كان ستمائة ذراع "كل ذراع يعادل نصف متر تقريبا".

ونقرأ في بعض الروايات أن النساء أبتلين قبل الطوفان بأربعين عاما بالعقم وعدم الانجاب، وكان ذلك مقدمة لعذابهم وعقابهم.