من سيرة النبي آدم(ع)...قصة الكلمات التي تلقاها النبي آدم أبو البشر

الأحد 3 إبريل 2022 - 07:25 بتوقيت غرينتش
من سيرة النبي آدم(ع)...قصة الكلمات التي تلقاها النبي آدم أبو البشر

صحيح أن آدم لم يرتكب محرما، ولكنه ترك الأولى يعتبر معصية منه، ولذلك سرعان ما تدارك الموقف، وعاد إلى خالقه...

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

بعد حادثة وسوسة إبليس، وصدور الأمر الإلهي بالخروج من الجنة، فهم آدم أنه ظلم نفسه، وإنه أخرج من ذلك الجو الهاديء المنعم على إثر إغواء الشيطان، ليعيش في جو جديد مليء بالتعب والنصب، وهنا أخذ آدم يفكر في تلافي خطئه، فاتجه بكل وجوده إلى بارئه وهو نادم أشد الندم.

وأدركته رحمة الله في هذه اللحظات كما تقول الآية: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾.

صحيح أن آدم لم يرتكب محرما، ولكنه ترك الأولى يعتبر معصية منه، ولذلك سرعان ما تدارك الموقف، وعاد إلى خالقه.

على أي حال، لقد حدث ما لا ينبغي أن يحدث  أو ينبغي أن يحدث وقبلت توبة آدم. لكن الأثر الوضعي للهبوط في الأرض لم يتغير.

الكلمات التي تلقاها آدم:

تعددت الآراء في تفسير "الكلمات" التي تلقاها آدم(ع) من ربه.

المعروف إنها الكلمات المذكورة في الآية 23 من سورة الأعراف: ﴿ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾

وفي روايات وردت عن طرق أهل البيت (ع) أن المقصود من "الكلمات" أسماء أفضل مخلوقات الله وهم: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام- وآدم توسل بهذه الكلمات ليطلب العفو من رب العالمين فعفا عنه.

قصة آدم ومستقبل هذا العالم:

إن بعض الذين تأثروا بموجة الأفكار الغربية الإلحادية عادة، حاولوا أن يضفوا على قصة آدم وحواء من بدايتها إلى نهايتها طابع التشبيه والكناية المجازية، أو ما يسمى الآن بالرمزية ويحملوا جميع الألفاظ المتعلقة بهذه الحادثة على خلاف الظاهر  يعني على الكناية عن المسائل المعنوية.

ولكن الذي لا شك فيه أن ظاهر هذه الآيات يحكي عن حادثة واقعية وقعت لأبينا وأمنا الأولين: آدم وحواء، وحيث أن هذه القصة لا تتضمن أية نكتة غير قابلة للتفسير حسب الظاهر، كما ليس فيها ما يخالف الموازين العقلية "ليكون قرينة على حملها على المعنى الكنائي" لهذا ليس هناك أي دليل على أن نعرض عن ظاهر الآيات، ولا نحملها على معناها الحقيقي.

ولكن مع ذلك يمكن أن تحمل هذه الحادثة الواقعية الحسية إشارات إلى حياة النوع البشري في مستقبل هذا العالم.

يعني ذلك أن الإنسان المركب من قوة "العقل" ومن "الغرائز الجامحة" والتي تجره كل واحدة منهما إلى جهة وناحية يواجه في خضم هذه الحياة الصاخبة دعاة كذابين أصحاب سوابق سيئة مثل الشيطان، يحاولون بوسوساتهم المتواصلة إلقاء الستار والحجاب على عقله بغية عزله عنه، وبغية خداعه وإضلاله وتركه حائرا في متاهات الحياة يبحث عن سراب.

إن أول نتيجة للإستسلام أمام الوساوس هو إنهيار حاجز التقوى، وسقوط لباسه، وانكشاف مساوئه وسوءاته.

والأخرى هي الابتعاد عن مقام القرب إلى الله، وسقوط الإنسان عن مقام الإنسانية الكريم، والإخراج من جنة الأمن والطمأنينة، والوقوع في دوامة الحياة المادية المضنية.

وفي هذه الحالة يمكن لقوة العقل أيضا- أن تساعد الإنسان وتعينه على النهوض من كبوته، فيفكر فورا في تلافي ما فاته، وجبران ما بدر منه، فيبعثه العقل والتفكير إلى أن يعود إلى الله كي يعترف بكل شجاعة وصراحة بذنوبه، اعترافا بناءا واعيا مفيدا يعد منعطفا في حياته.

وفي هذا الوقت تمتد إليه يد الرحمة الإلهية مرة أخرى، وتنقذه وتخلصه من السقوط الأبدي، وإن كان لا يستطيع مع ذلك التخلص من آثار معصيته الوضعية ونتائجها الطبيعية مهما كانت قليلة وحدودة. ولكن هذه الحادثة ستكون له درسا وعبرة، وسيمكنه ذلك من أن يتخذ من هذه الهزيمة قاعدة صلبة لانتصاره في مستقبل الحياة، ويستفيد من هذا الضرر نفعا كبيرا في المراحل القادمة من حياته.

المصدر:تفسير الأمثل