آية الله ناصر مكارم الشيرازي
جاءت الإشارة إلى الشجرة الممنوعة في ست مواضع من القرآن الكريم، من دون أن يجري حديث عن طبيعة أو كيفية أو اسم هذه الشجرة، وأنهما ماذا كانت؟ وماذا كان ثمرها؟ بيد أنه ورد في المصادر الإسلامية تفسيران لها، أحدهما "مادي" وهو أنها كانت "الحنطة" كما هو المعروف في الروايات.
ويجب الإنتباه إلى نقطة وهي إن العرب تطلق لفظة "الشجرة" حتى على النبتة، ولهذا أطلقت في القرآن الكريم- لفظة الشجرة على نبتة اليقطين.(1)
والتفسير الآخر "معنوي" وهو أن المقصود من تلك الشجرة - كما في الروايات- هو ما عبر عنها "بشجرة الحسد" لأن آدم طبقا لهذه الروايات - بعد ملاحظة مكانته ومقامه -تصور إنه لا يوجد فوق مقامه مقام، ولا فوق مكانته مكانة، ولكن الله تعالى أطلعه على مقام ثلة من الأولياء من ذريته وأبنائه "رسول الإسلام وأهل بيته"، فحصل عنده ما يشبه الحسد، وكانت هذه هي الشجرة الممنوعة التي أمر آدم بأن لا يقربها.
وفي الحقيقة تناول آدم - طبقا لهذه الروايات - من شجرتين، كانت إحداهما أقل منه مرتبة وأدنى منه منزلة، وقد قادته إلى العالم المادي، وكانت هي "الحنطة". والأخرى هي الشجرة المعنوية التي كانت تشكل مقام ثلة من أولياء الله، والذي كان أعلى وأسمى من مقامه ومرتبته، وحيث إنه تعدى حده في كلا الصعيدين ابتلي بذلك المصير المؤلم. ولكن يجب أن نعلم أن هذا الحسد لم يكن من النوع الحرام منه، بل كان مجرد إحساس نفساني من دون أن تتبعه أية خطوة عملية على طبقه.
وحيث إن للآيات القرآنية معان متعددة، فلا مانع من أن يكون كلا المعنيين مرادين من الآية.
ومن حسن الصدف، أن كلمة " الشجرة" قد استعملت في القرآن الكريم في كلا المعنيين، فحينا استعملت في المعنى المادي المتعارف للشجرة،(2)وتارة استعملت في الشجرة المعنوية.
ولكن النقطة التي يجب أن نذكر بها هنا، هي إنه وصفت الشجرة الممنوعة في التوراة المختلقة- المعترف بها اليوم من قبل جميع مسيحي العالم ويهودييه بشجرة العلم والمعرفة وشجرة الحياة(3)تقول التوراة: إن آدم لم يكن عالما ولا عارفا قبل أكله من شجرة العلم والمعرفة، حتى إنه لا يعرف ولم يميز عريه، وعندما أكل من تلك الشجرة، وصار إنسانا بمعنى الكلمة طرد من الجنة خشية أن يأكل من شجرة الحياة أيضا فيخلد كما الآلهة.(4)
وهذا من أوضح القرائن الشاهدة على أن التوراة الرائجة ليست كتابا سماويا، بل هي من نسيج العقل البشري القاصر المحدود، الذي يعتبر العلم والمعرفة عيبا وشيئا للإنسان، ويعتبر آدم بسبب إرتكابه معصية تحصيل العلم والمعرفة مستحقا للطرد من جنة الله، وكأن الجنة لم تكن مكان العقلاء الفاهمين ومنزل العلماء العارفين!!
والملفت للنظر أن الدكتور "ويليم ميلر" الذي يعد من مفسري الإنجيل القديرين والبارزين بل من مفسري العهدين "التوراة والإنجيل معا" يقول في كتابه المسمى "ماهي المسيحية": (إن الشيطان تسلل إلى الجنة في صورة حيّة، وأقنع حواء بأن تأكل من ثمرة تلك الشجرة، ثم أعطت حواء من تلك الشجرة إلى آدم، فأكل منها آدم أيضا، ولم يكن فعل أبوينا الأوليين مجرّد خطأ عادي، أو غلطة ناشئة من عدم التفكير، بل كان معصية معمّدة ضد الخالق، وبعبارة أخرى: إن آدم وحواء كانا يريدان بهذا الصنيع أن يصيرا آلهة، إنهما لم يرغبا في أن يطيعا الله، بل كانا يريدان أن يعملا وفق رغباتهما وميولهما الشخصية، فماذا كانت النتيجة؟ لقد وبخهما الله تعالى بشدة، وأخرجهما من الجنة، ليعيشا في عالم مليء بالعذاب والمحنة والألم).
لقد أراد مفسر التوراة والإنجيل هذا أن يبرر شجرة التوراة الممنوعة، ولكنه نسب أعظم الذنوب وهو مضادة الله ومحاربته إلى آدم... أما كان من الأفضل أن يعترف- بدل إعطاء هذه التفسيرات بتطرق التحريف والتلاعب إلى هذه الكتب المسماة بالكتب المقدسة؟!
الهوامش:
(1) إذ قال سبحانه: ﴿وانبتنا عليه شجرة من يقطين﴾ الصافات، 146.
(2) مثل: ﴿وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن﴾ المؤمنون، 20 التي هي إشارة إلى شجرة الزيتون.
(3) مثل: ﴿والشجرة الملعونة في القرآن﴾ الإسراء، 60 التي يكون المراد منها إمّا طائفة من المشركين، أو اليهود، أو الأقوام الطاغية الأخرى مثل بني أمية.
(4)التوراة، سفر التكوين الإصحاح الثاني الفقرة رقم 17.
المصدر:تفسير الأمثل
إقرأ أيضا : من سيرة النبي آدم(ع)...القابلية الخارقة