آية الله مكارم الشيرازي
إن القرآن الكريم لم يذكر أي إسم لأبناء آدم (ع): لكن الروايات الإسلامية تدل على أن ولدي آدم المذكورين في هذه الآية كان اسم أحدهما "هابيل" والآخر "قابيل" وقد ورد في سفر التكوين من التوراة في الباب الرابع أن ولدي آدم المذكورين اسمهما "قائن"و "هابل".
وقد ذكر المفسر المعروف "أبو الفتوح الرازي" أن هذين الإسمين قد وردا بألفاظ مختلفة، فالاسم الأول جاء فيه "هابيل" و "هابل" و "هابن"، أما الاسم الثاني فجاء فيه "قابيل" و "قايين" و "قابل" و "قابن" أو "قبن"، وعلى أي صورة كان الاسم فإن الإختلاف بين الروايات الإسلامية ونص التوراة بخصوص اسم "قابيل" نابع عن الإختلاف اللغوي، ولا يشكل أمرا مهما في هذا المجال.
والغريب في الأمر أن أحد الكتاب المسيحيين قد أورد الإختلاف المذكور دليلا إعترض به على القرآن، فقال: إن القرآن أورد لفظة "قابيل" بدل "قائن"!
والجواب هو أن مثل هذا الاختلاف اللغوي أمر شائع وبالأخص في مجال الأسماء، فمثلا كلمة "إبراهيم" الواردة في القرآن قد وردت في التوراة على شكل "أبراهام"، كما أن القرآن الكريم لم يأت مطلقا باسم "هابيل" و "قابيل" وقد ورد هذان الإسمان في الروايات الإسلامية فقط .
والقرآن الكريم يقول في هذا المجال لنبي الله أن يتلو على قومه قصة ولدي آدم: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ ﴾.
لكن القرآن الكريم لم يذكر شيئا عن ماهية القربان الذي قدمة ولدا آدم، بينما نقلت الروايات الإسلامية والتوراة في سفر التكوين، الباب الرابع ، أن (هابيل) كان يمتلك ماشية فإختار لأفضل أغنامه ومنتوجاتها للقربان المذكور، وأن (قابيل) الذي كان صاحب زرع، قد أختار لقربانه أردأ الأنواع من الزرع.
لم يرد في القرآن أي توضيح عن الأسلوب الذي عرف به ابنا آدم قبول قربان أحدهما ورفض قربان الآخر عتد الله ؛ والذي ورد في هذا المجال هو مانقلتة بعض الروايات الإسلامية من أن هذين الشخصين كانا قد وضعا قربانهما على قمة جبل، فنزلت صاعقة فأحرقت قربان هابيل دلالة على قبوله، وبقى قربان قابيل على حاله لم يمسه شيء، وكانت لهذه العلامة سابقة معروفة أيضاً.
لكن البعض، يعتقدون أن قبول ورفض القربانين إنما أعلنا عن طريق الوحي لآدم (ع)، وما كان سبب ذلك غير أن هابيل كان إنسانا ذا سريرة نقية يحب التضحية والعفو في سبيل الله فتقبل الله لذلك قربانه، بينما كان قابيل رجلا ملوث القلب حسودا معاندا فرفض الله قربانه، والآيات التالية توضح حقيقة ما جبلت عليه نفسا هذين الأخوين من خير وشر.
وقد أدت هذه الواقعة إلى أن يهدد الأخ الذي لم يتقبل الله القربان منه- أخاه بالقتل ويقسم إنه قاتله لا محالة، ﴿ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ﴾ أما الأخ الآخر فقد نصح أخاه مشيرا إلى أن عدم قبول القربان منه إنما نتج عن علة في عمله، وإنه ليس لأخيه أي ذنب في رفض القربان، مؤكدا إن الله يقبل أعمال المتقين فقط ﴿ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾.
وأكد له أنه لو نفذ تهديده وعمد إلى قتله، فإنه أي الأخ الذي تقبل الله منه القربان لن يمد يده لقتل أخيه، فهو يخاف الله ويخشاه، ولن يرتكب أو يلوث يده بمثل هذا الإثم حيث تقول الآية: ﴿ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾.
تواصل هاتان الآيتان بقية الواقعة التي حصلت بين إبني آدم (ع)، فتبين الآية الأولى منهما إن نفس قابيل هي التي دفعته إلى قتل أخيه فقتله، حيث تقول: ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ).
يستدل من هذه العبارة على إن قلب " قابيل" بعد أن تقبل الله قربان أخيه "هابيل" أخذت تعصف به الأحاسيس والمشاعر المتناقضة، فمن جانب استعرت فيه نار الحسد وكانت تدفعه إلى الإنتقام من أخيه "هابيل" ومن جانب آخر كانت عواطفه الإنسانية وشعوره الفطرية يقبح الذنب والظلم والجور وقتل النفس، يحولان دون قيامه بارتكاب الجريمة، لكن نفسه الأمارة بالسوء تغلبت رويدا رويدا على مشاعره الرادعة فطوعت ضميره الحي وكبلته بقيودها وأعدته لقتل أخيه.
المصدر:التفسير الأمثل