هل سمعتم من قبل بمشروع «الإسلام الديمقراطي المدني» ومن يخطط له؟

الثلاثاء 10 ديسمبر 2019 - 10:43 بتوقيت غرينتش
هل سمعتم من قبل بمشروع «الإسلام الديمقراطي المدني» ومن يخطط له؟

مقالات_الكوثر: إن في هذا الكتاب الشيء الكثير عمَّا تريده أمريكا من الإسلام، أو أي إسلام تريد، كيف شكله، وماهيته، وأسسه، وأهدافه، وأتباعه. هي تريد إسلامًا بحسب مزاجها، ومسلمين منمّطين وفق ما تريد، وعقيدة وعبادة تتلاءم وطموحاتها.

نقرأ في توطئة الكتاب: إن للولايات المتحدة ثلاثة أهداف تتعلق بالإسلام المُسيس هي:

أولًا: منع انتشار التطرف والعنف.

ثانيًا: لا بدّ من تحاشي ترك أي انطباع يُشير إلى عداء الولايات المتحدة للإسلام.

ثالثًا: يجب على الولايات المتحدة إيجاد سبل وعلى المدى الطويل تُمكنها من التحكم في الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأكثر عمقًا، والتي تُغذي التطرف الإسلامي، فضلًا عن دعم التنمية والتحول الديمقراطي[2].

والنتيجة أنهم يريدون إسلامًا متناغمًا مع النظام العالمي، ومع أهداف أوروبا والعالم الغربي، وبالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية.

لهذا تقرر في سبيل ذلك أن يسعوا إلى دعاة التحرر والحداثة، وإلى دعاة الانفتاح والديمقراطية الغربية من المسلمين؛ إذ كانت التوصية بأنه «من الحكمة تشجيع العناصر الإسلامية المتوائمة مع السلام العالمي والمجتمع الدولي، والتي تحبذ الديمقراطية والحداثة»[3].

إنهم يريدون تشجيع المتأسلمين ممن قد انبهروا بالغرب وبكل ما هو غربي، وبالخصوص من انبهر بالشعارات الناعمة الغربية، كالديمقراطية، والمساواة، وما شاكل ذلك، ومن تأثر بالحداثة الغربية وأخذها من غير تحقيق أو تمحيص، وقلدها تقليدًا أعمى، من دون إعمال فكر مطلقًا.

فالحداثة إن كانت تطورًا فالكل يريد ذلك، لكن لا أن يكون تطورًا منسوخًا أُعد لغير المسلمين، وبأدوات قد تعارض الإسلام، فالحداثة إن كانت مواكبة ففي الإسلام عمومًا وعند التشيع بشكلٍ خاص ما هو أصل المواكبة وهو (الاجتهاد)؛ فهو أساس مواكبة الزمان والمكان.

وإن كانت الحداثة دينًا جديدًا فيه معبود أو معبودات جديدة، وفيه سلوكات جديدة لا تتوافق مع سلوكاتنا، فإننا نرفضها ولن نقبل بها أبدًا، ولن نقبل بأن تَشيعَ في مجتمعاتنا، كي لا تخرب أجيالنا، وتغير كل قيمهم وأخلاقياتهم وسلوكاتهم.

الشرائح المستهدفة

إن كتاب (الإسلام الديمقراطي المدني) الصادر عن مؤسسة راند الأمريكية عام 2004م، يحدد أربع شرائح موجودة في المجتمع الإسلامي وهي[4]:

1- الأصوليون: الذين يرفضون القيم الديمقراطية والثقافة الغربية المعاصرة.

2- التقليديون: الذين يريدون مجتمعًا محافظًا، ويشكّكون في الحداثة والإبداع والتطوّر.

3- الحداثيون: الذين يريدون أن يصبح العالم الإسلامي جزءًا من الحداثة العالمية، وأن يتم تحديث الإسلام وتقويمه ليواكب العصر.

4- العلمانيون: الذين يريدون أن يقبل العالم الإسلامي انفصال الدين والدولة، كما هو الحال في الديمقراطيات الصناعية الغربية؛ مع قصر الدين على المجال الخاص.

وهذا التقسيم غير دقيق عمومًا، لكنه لأنه تقسيمهم سنسايره لنعرف ماذا يريدون من وراء هذا التقسيم، ولماذا قسموا بهذا الشكل.

ثم يأتي المراد، فتقول الكاتبة شيريل بينارد: «إن الحداثيين والعلمانيين هم الأقرب إلى الغرب من حيث القيم والسياسات. إلَّا أنهم -بوجه عام- أضعف مكانًا من المجموعات الأخرى؛ إذ يفتقرون إلى الدعم الحقيقي، والموارد المالية، والبنية التحتية الفعالة، والمنبر الذي يحمل أفكارهم للفضاء العام»[5].

ثم يصل الكلام إلى المراد الحقيقي من التقسيم، وسببه، إذ وفي فقرة التوصيات والنصائح والإرشادات التي يجب على الولايات المتحدة الأمريكية فعله، كانت نصيحة دعم الحداثيين[6]، وذلك من خلال:

1- نشر أعمالهم وتوزيعها بأسعار مدعمة.

2- تشجيعهم على الكتابة للجماهير العريضة وللشباب.

3- دمج آرائهم في مناهج التعليم الإسلامي.

4- منحهم منابر عامة.

5- نشر آرائهم وتفسيراتهم وفتاواهم على نطاقٍ جماهيري واسع، وذلك لمنافسة آراء وفتاوى الأصوليين والتقليديين؛ الذين يمتلكون مواقع إلكترونية، ودور نشر، ومدارس، ومعاهد، ومنابر كثيرة لنشر أفكارهم.

6- طرح العلمانية والحداثة باعتبارهما الخيار الثقافي (البديل) للشباب المسلم الساخط.

7- تعبيد الطريق نحو الوعي بالتاريخ والثقافة الجاهلية السابقة على الإسلام؛ في الإعلام والمناهج الدراسية في البلدان التي نحن بصددها.

8- المساعدة في تطوير منظمات المجتمع المدني المستقلة؛ من أجل تعزيز الثقافة المدنية، وتوفير مجال للمواطنين لتثقيف أنفسهم والتعبير عن آرائهم بشأن العملية السياسية.

إن هذا ما يريدونه من تشجيع الحداثيين، ومن نشر الفكر الحداثي، فلا يريدون من الحداثة التطوّر، أو أن تسهم بالتطوّر الحقيقي والصحيح، بل يريدونها حداثة منمطة ومجعولة على مقاسهم، وتنفّذ أهدافهم، فهم يريدون نشر الحداثة الغربية الأمريكية حصرًا.

ومن أهدافهم المرسومة للحداثيين أيضًا «زيادة وجود الحداثيين ونشاطاتهم داخل المؤسسات التقليدية»[7]، وهذه مهمة اختراقية، فتجد مطوعًا سنّيًّا حداثويًّا داخل المؤسسة الدينية السنية، وتجد معمّمًا شيعيًّا حداثويًّا داخل المؤسسة الدينية الشيعية، وكذلك الحال في باقي المؤسسات الدينية في مختلف دول العالم الإسلامي، بل في العالم أجمع، أين ما حل الإسلام.

وأيضًا كان من ضمن الأهداف المعدة لضرب الإسلام هو «تشجيع انتشار التصوف وتقبّل المجتمعات له»[8]، سواءً كان هذا التصوف هو التصوف الإسلامي السني، أم التصوف الإسلامي الشيعي، إلَّا أن المائز في المنظومة الشيعية إطلاق مصطلح (العرفان) على التصوف أو ما يشابه التصوف عند السُّنة.

بعد ذلك تُبيّن الكاتبة أهداف الحداثيين، إذ إنهم -بحسب ما تقول- «يسعون لإحداث تغييرات جوهرية في الفهم والتطبيق الحاليين للإسلام، وذلك بتقليص مساحة تلك الصبارة الضارة التي شكّلتها الأعراف المحلية والتقاليد الإقليمية، فتداخلت مع الإسلام عبر القرون. كما يؤمنون بتاريخانية الإسلام؛ وهو ما يعني أن الإسلام الذي تُعبّد به في أيام النبي قد عكس حقائق أبدية، وملابسات تاريخية كانت تناسب ذلك العصر ولم تعد صالحة الآن. وهم يعتقدون أيضًا في إمكان تحديد جوهر أساسي للدين الإسلامي، وسيبقى هذا الجوهر ليس فقط مصونًا من الضرر، بل ستقويه التغييرات الكثيرة، والتي تعكس تغيّر الزمان والأحوال الاجتماعية والملابسات التاريخية»[9].

إن التاريخانية تعني أن لكل شيء فترة استعمال وفترة انتهاء، وأن كل شيء له صلاحية انتهاء حتى التشريعات الدينية، ولذلك تجد أن الفكر التاريخاني يتمسك به كل معارض للقوانين، وبالخصوص القوانين والتشريعات الدينية، وحجته انتهاء صلاحيتها!

فمن جانب (التاريخانية) التي تدَّعي انتهاء الصلاحيات، ومن جانب آخر (الهرمنيوطيقيا) التي تريد التأويل من دون أي ضابطة، ومن جانب ثالث (التعددية) التي تنادي بأن الكل على حق، وما شاكل ذلك من أطروحات ونظريات تبنّاها الحداثيون وغيرهم، ليجعلوا من عنوان الحداثة العام دينًا مكان الأديان، وقانونًا مكان القوانين!

تنقل الكاتبة نصًّا عن ذلك، يقول: «إن الغالبية العظمى من أولئك الذين يقولون بتاريخانية القرآن، قد تشربوا الرؤى الفلسفية والمعرفية الغربية...»[10].

وبذلك يتوضّح أصل الفكر التاريخاني، وكذلك يتوضّح هدف التاريخانية، فالمراد هو نقد الدين من خلال محوه، بحجة انتهاء صلاحيته.

تبنّي الحداثة كمنهج واستراتيجية

إن تبنّي الغرب وأمريكا للحداثيين لأنهم يؤمنون بعدم وجود مقدّس، ويعترضون على كل شيء في الأصول والفروع والعقائد والأخلاق، وينتقدون القرآن والسنة والروايات والأحداث التاريخية، والعجيب أنهم يريدون قانونًا وهم يعترضون على قوانين الآخرين!

فهل يعلمون بذلك؟ أم هم ينتقدون لمجرّد النقد؟ أم أن نقدهم مدفوع الثمن؟ أم العداء هو سبب النقد؟

تقول الكاتبة: «ويبدي الحداثيون اعتراضات جوهرية على بعض عقائد الإسلام، ويعتبرون مصلحة المجتمع قيمة تتجاوز تعاليم القرآن ذاته»[11].

إذًا فإن هدفهم هو الاعتراض على كل ما يعارضهم، إذ ليست لديهم رؤية محددة، أو هدف محدد، أو نظرية محددة، وبالتالي يكون شعارهم هو (محو الأديان) من تاريخ البشرية.

ثم تقول الكاتبة: «والرؤية الحداثية متوافقة مع رؤيتنا، ومن بين كل الأطياف، فإن هذه الفئة شديدة الاتّساق مع قيم وروح المجتمع الديمقراطي الحديث. إن النزعة الحداثية لا التقليدية هي التي تتسق مع الغرب. وهذا يشمل بالضرورة تجاوز الاعتقاد الديني الأصلي، أو تعديله، أو تجاهل بعض عناصره على نحو انتقائي. والعهد القديم لا يختلف عن القرآن في دعم ألوان من القيم والمعايير وترسيخ عدد من القوانين الشاذة إلى درجة لا يمكن تصورها، بغض النظر عن تطبيقها في مجتمع اليوم الحديث. لكن هذا لا يمثل مشكلة؛ لأن قليلًا من الناس فقط هم الذين يصرّون على العيش احتذاءً لأسلوب أنبياء العهد القديم بشكل حرفي. وبدلًا من ذلك، فإننا نريد لتصورنا عن الجوهر الحقيقي لليهودية والمسيحية بالهيمنة على حرفية النص؛ الذي أمسينا نعدّه مجرّد تاريخ خرافي أسطوري، وهو عين المنظور الذي يتبنّاه الحداثيون الإسلاميون»[12].

إذًا فإن المراد هو محو القدوات، ومحو الأديان، ومحو التشريعات الدينية، ومحو الأخلاق، وإشاعة أن كل ذلك مجرّد خرافات، ومجرّد تاريخ أسطوري لا وجود له على أرض الواقع!؟

الغرب والدين

إن الفكر الغربي المتطرّف يعتبر كل الأديان خرافة، فاليهودية خرافة، والمسيحية خرافة، وبما أن هناك من المسلمين من درس عندهم، وهناك من تأثّر بهم، فعلى كل هؤلاء اعتبار أديانهم خرافة، وبالخصوص أتباع الدين الإسلامي، فإن عليهم القول بخرافية دينهم إن أرادوا الالتحاق بالغرب، أو كسب رضا الغرب!؟

لذلك فإن أيّ حركة تظهر لنقد (الدين) فإنها لن تقف عند دينٍ معيّن، بل هي ستسري وتجري على كل الأديان، فمثلًا الإلحاد الذي ظهر في أوساط المسلمين، فإنه لن يقف عندهم، بل إن الحركة الإلحادية تنتقل من دين إلى آخر، وذلك من خلال تشجيعها وترويجها من قبل منظمات تستفيد من الإلحاد والملحدين، وتتضرّر من الدين والأخلاق.

وعن أسماء معيّنة تبنّت الحداثة، أو الإسلام الحداثي تقول الكاتبة: «للإسلام الحداثي العديد من الممثّلين والقادة المحتملين، وهم أفرادٌ يجمعون المؤهلات العلمية الوثيقة والمعرفة التامة بالعقيدة الإسلامية إلى جانب تعليم ومنظومة قيم حديثين. وبعضهم بارز في المجتمعات أو الدوائر الأكاديمية المحلية. كما أن الأفراد القابعين على التخوم بين الاتجاه التقليدي المحدث وبين الحداثة يستطيعون الاضطلاع بهذا الدور المرتقب...»[13].

ثم تذكر الكاتبة أسماء جملة منهم كـ: مصطفى سيريتش مفتي البوسنة، خالد أبو الفضل أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة كاليفورنيا، محمد شحرور، شريف ماردين، فتح الله كولن، بسام طيبي[14]، وكذلك نوال سعداوي، وسيما سمر[15].

ثم تصل الكاتبة إلى نقطة مهمّة هنا عن إيران إذ تقول: «وقد أفرزت إيران المعاصرة بدورها مجموعة من «الخوارج» الحداثيين الذين يمكن تلميعهم كمُثل عُليا، بل كأبطال مُلهمين للحقوق المدنية. أبطال أدّى دفاعهم العلني عن العقل وعن حقّ الأفراد في تشكيل أحكامهم الأخلاقية الذاتية؛ أدّى لتعرّضهم للاضطهاد، فأمسوا أبطالًا في عيون الحركة الطلابية الإيرانية. ولا بدّ من نشر آرائهم وخبراتهم وتفاصيل مواجهاتهم مع سلطات الدولة القمعية على نطاقٍ أوسع بكثير»[16].

والسؤال هو: لماذا تسميهم الكاتبة بالخوارج؟

وما سبب هذه التسمية؟

وما هي أهداف هؤلاء؟

أسئلة لا يجاب عنها إجابة وافية إلَّا الكاتبة، ونحن لن نخوض فيها كثيرًا، بل إن ما يهمّنا منها هو وجود خوارج على الجمهورية الإسلامية في إيران، في الداخل والخارج، ومن هم في الخارج أقرب للغرب ولأمريكا من الذين بالداخل؛ لذلك سمتهم الكاتبة بالخوارج كما أعتقد، ونستنتج كذلك بأن في كل بلد مسلم فئة من الخوارج التي تعوّل عليها أمريكا في اتّباعها وتنفيذ مخططاتها.

ثم يأتي التقسيم المقارن لفئتين من الحداثيين، فتقول الكاتبة: «إن الحداثيين -النشطاء سياسيًّا- الذين يعيشون في بيئات أصولية أو تقليدية، لا يتمتعون بأيّ دعم»[17].

أما عند حداثيي الغرب فتقول: «أما في الغرب والمجتمعات الحديثة فيواجه الحداثيون عائقًا مختلفًا؛ إذ يغلب عليهم حُسن التعليم والاندماج الكامل في المجتمع، وعدم تبنّيهم لآراء شعبوية تصلح للفرقعة الإعلامية»[18].

الفرقعة الإعلامية؟!

عن أيّ فرقعة تتحدث الكاتبة؟

فهل هي تبحث عن حداثي مثير للفرقعة؟

أم عن الفرقعة فقط؟

وهل مَنْ في الغرب لا يملكون الفرقعة أم ممنوعون عنها؟

وهل إن الفرقعة في الشرق صالحة؟ والفرقعة في الغرب غير صالحة؟

من كلام الكاتبة يتبيّن أن الغرب يبحث عن مثيري الشغب في الشرق عمومًا، وفي البلاد الإسلامية بشكل خاص، لكن لا بدّ من أن يحمل المشاغب عنوانًا يتلاءم مع العصر، وتقبّله الأمزجة، ولا يتنفّر منه أحد.

وأفضل عنوان حاليًّا هو (الفكر الحداثي)، فهو أفضل باب يمكن أن يدخل منه الهدم إلى بلاد الإسلام، فلا بد أن يكون الحداثي الحقيقي ذا فرقعة، يفرقع، ينفجر، يثير الأجواء، لا يُبقي ولا يُذر، فهو بالضبط كالانتحاري، لكن بصورة أخرى أكثر ترتيشًا وتدليسًا.

الغرب والتصوف

تقول الكاتبة شيريل بينارد عن الصوفية: «لا يدخل الصوفية تحت أي من الفئات المذكورة، لكننا سوف نسلكهم هنا مع الحداثيين. ويمثّل التصوف التفسير الفكري المنفتح للإسلام. وينبغي دعم التأثير الصوفي في المدارس والمقررات التعليمية والمعايير الاجتماعية والأخلاقية والحياة الثقافية؛ دعمًا فعالًا في البلاد التي يوجد بها تقليد صوفي، مثل أفغانستان والعراق. ومن خلال الشعر والموسيقى والفلسفة، التي يتفرّد بهم التصوف؛ يستطيع التقليد والممارسة الصوفية القيام بدور الجسر الذي ينقل هذه المجتمعات خارج نطاق التأثيرات الدينية»[19].

إذًا فالحداثة من جانب، والصوفية أو التصوف من جانب آخر، يكوّنان الجناحين التي ستطير بهما أفكار الغرب وأمريكا، لتحطّ على رأس البلاد الإسلامية، فتكون بلاءً عليهم يمسخ عاداتها وتقاليدها، ودينها وأخلاقها، وثرواتها ومقدراتها.

وتقول الكاتبة في مكان آخر من الكتاب: «تعزيز مكانة التصوف بتشجيع الدول التي توجد بها تقاليد صوفية قوية على زيادة الاهتمام بهذا الجانب من تاريخها، وبثّه في مقرّراتها المدرسية. ونصيحتي هي: أولوا الإسلام الصوفي مزيدًا من الاهتمام»[20].

وهذا كلام صريح جدًّا من الكاتبة، وتوصية للإدارة الأمريكية بالاهتمام بالتصوف والدعوة إليه والتشجيع عليه، أي: تصوف أمريكي، أو تصوف يتلاءم ما تريده أمريكا!

توصيات للإدارة الأمريكية والعالم الغربي

تضع الكاتبة جملة من التوصيات التي توصي بها أمريكا والعالم الغربي، والتي منها[21]:

1- دعم الحداثيين أولًا، وتكريس رؤيتهم لإزاحة رؤية التقليديين، وذلك من خلال تزويدهم بمنبر للتعبير عن أفكارهم ونشرها، فهؤلاء الحداثيون هم الذين ينبغي تثقيفهم وتقديمهم للجماهير؛ كواجهة للإسلام المعاصر.

2- دعم العلمانيين بشكل فردي، وحسب طبيعة كل حالة.

3- دعم المؤسسات والبرامج المدنية والثقافية العلمانية.

4- دعم التقليديين (متى وحيثما كانوا من اختيارنا) بما يكفي لاستمرارهم في منافسة الأصوليين، والحيلولة دون أي تحالف بين الفريقين. أما داخل صفوف التقليديين فينبغي أن نشجع -وبشكل انتقائي- أولئك المتوائمين مع المجتمع المدني الحديث وقيمه، بدرجة أكبر من سواهم. وعلى سبيل المثال فإن بعض مذاهب الفقه الإسلامي أكثر قابلية من غيرها للتطويع بما يوافق رؤيتنا للعدالة وحقوق الإنسان.

ثم تقول الكاتبة: «وسوف نحتاج إلى بعض الأنشطة الإضافية المباشرة لدعم هذا الاتجاه إجمالًا، وهي كما يلي»[22].

ثم تذكر هذه الأنشطة والتي منها:

1- اختيار العلماء الحداثيين المناسبين لإدارة موقع إلكتروني يجيب عن الأسئلة المتعلّقة بالحياة اليومية، ويعرض الآراء الفقهية الحداثية.

2- تشجيع العلماء الحداثيين على كتابة النصوص الأكاديمية والاشتراك في تطوير المناهج.

3- استخدام وسائل الإعلام المحلية واسعة الانتشار، كالمذياع؛ لإبراز أفكار الحداثيين المسلمين وممارساتهم، ونشر رؤيتهم وتفسيرهم للإسلام عالميًّا وعلى أوسع نطاق.

إن هذا ما خُطّط وأُعد للإسلام والمسلمين، فالغرب يريد حداثته الخاصة أن تطغى وتسيطر، ويريد للمنبهرين به، واللاهثين وراءه أن يتبّنوا الفكر الغربي والحداثة الغربية، حداثة أساسها نقد ثوابت الإسلام، حداثة تشكك بكل ما هو إسلامي، حداثة تضرب أسس ومصادر التشريع بحجة القدم، حداثة تنظر لكل ما هو جديد وغربي على أنه هو (نهاية التاريخ)!

بقلم: ليث العتابي - باحث من العراق

-------------------------------------------------------------------

الكتاب: الإسلام الديمقراطي المدني: الشركاء والموارد والاستراتيجيات.

تأليف: شيريل بينارد[1].

ترجمة: إبراهيم عوض.

مراجعة وتحرير: عبدالرحمن الداخل.

الناشر: دار تنوير للنشر والإعلام، بالتعاون مع مركز نماء للبحوث والدراسات - القاهرة.

سنة النشر: 2013م، الطبعة الأولى.

الصفحات: 138 صفحة.