ـ سورة الاخلاص مكية ونزلت بعد سورة الناس. عدد آياتها (4)، وترتيبها النزولي (22)، وترتيبها في القرآن الكريم (112).
فضل السورة:ـ
* مافضل هذه السورة المباركة؟
ـ فضلها كثير جدا؛ وفي ما يلي، بعض الروايات الشريفة التي تتناول فضل هذه السورة المباركة:
فقد ورد عن رسول الله، صلى الله عليه وآله انه قال: "أيعجز أحدكم ان يقرأ ثلث القرآن في ليلة..؟ قيل: يارسول الله؛ ومن يطيق ذلك؟! قال: أقرؤوا (قل هو الله أحد) 1.
عن امير المؤمنين عليه السلام، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من قرأ (قل هو الله احد) مائة مرة حين يأخذ مضجعه، غفر الله له ذنوب خمسين سنة" 2.
وعن الامام الصادق عليه السلام، قال : "من قرأ (قل هو الله احد) احدى عشرة مرة في دبر الفجر، لم يتبعه في ذلك اليوم ذنب وإن رَغِم أنفُ الشيطان" 3.
وعنه، عليه السلام، قال : "من مضى به يوم واحد فصلى فيه بخمس صلوات ولم يقرأ فيها (قل هو الله احد) قيل له: يا عبد الله ؛ لست من المصلين" 4.
(قُل) تختصر الصراعات
* تبدأ السورة المباركة بفعل الامر (قُل) فماذا يعني هنا الفعل تحديداً؟
ـ كلمة (قُل) أي : أظهر يا - محمد- هذه الحقيقة وبيّنها. وكلمة (قُل) تختصر تاريخ الموحدين في صراعهم المرير مع دعاة الشرك والضلال والالحاد.
و (قل)، أمر صريح، ومن دون الاستجابة لهذا الامر، لن نستطيع التعالي في سماء التوحيد.
* ولماذا لا نستطيع التعالي في سماء التوحيد من دون كلمة التوحيد؟
- لان التوحيد كسر لقيود الشرك، وفكّ لاغلال الضلال؛ فلا بد ان تنهض ارادتنا في ضمائرنا، وتتبلور روح التحدي في عقولنا اذا اردنا معرفة الله، و رضوانه و جنته.
الاشارة اليه بدون تحديد
* عندما نقول: (هو) الا يعني ذلك اننا نشير الى الله؟ فهل يمكن ان نشير اليه؟
ـ (هو) يعني انه الغيب الذي لا ولن نحيط به علماً... لا ولن تدركه حواسنا... لا ولن ندّعي معرفة ذاته... وعندما نقول :(هو) فاننا نشير اليه دون ان نحدده او نقيِّده.
الإله المعبود
* وماذا يعني لفظ الجلالة (الله) هنا؛ وفي كل مورد ذُكر؟
ـ انه هو (الله) وكفى ؛ انه الاله المعبود الذي تسبح له السموات والارض... انه الاله الذي يتحير فيه المتحيرون، ويلجأ اليه المستجيرون.
و (الله) مشتقة من كلمة (إلْه)، التي تجمع معاني المعبود كلها. ولفظ الجلالة (الله) ـ يتضمن جميع صفات الكمال والجلال الالهية ؛ ولذا فان هذا الاسم المبارك لا يطلق على غير الله تعالى.
* كم مرة تكرر لفظ الجلالة في القرآن الكريم؟
ـ تكرر لفظ الجلالة في القرآن الكريم ما يقارب من ألف مرة.
أحدٌ أحد
* تصف الآية الكريمة الله تعالى بانه (أحد)، فما الفرق بين (أحد) و (واحد)؟
ـ بالرغم من ان كلمة (احد) مشتقة من واحد، الا انها ابلغ دلالة على معنى الوحدانية، وانه سبحانه وتعالى لا نظير له ولا شريك.
وليس معنى (أحد) ـ انه ثاني اثنين، او انه نوع من الانواع ؛ كلا.. انه (احد) بلا مثل ولا شبيه، و واحد بلا عدد.
المهيمن على كل شيء
* و أين تتجلى أحدية الله؟
ـ تتجلى أحدية الله في معرفة هيمنته الشاملة على كل شيء وانه الفعال لما يريد، وان له العبادة، وان ما يعبد من دونه ليس بشيء، وانه يبدأ الخلق ويعيده، وانه... وانه... وانه... الى جميع صفات الكمال والجلال.
اما الخرافات الجاهلية التي تزعم ان هناك قوة اخرى مستقلة غير قوة الخالق، فهي ناشئة عن الجهل بالله، وبأن خالق الكائنات يستحيل عليه العجز، والحد، والقيد.
خرافة في خرافة
* ما هو منشأ خرافة عبادة الاصنام؟
ـ ان الاساطير التي كانت وراء عبادة غير الله - مثل الاعتقاد بان للكائنات آلهةً صغاراً، ولّدها الإله الاكبر، وهم بمنزلة ابنائه وبناته، بعضهم اقرب اليه من بعض وان على الناس التقرب اليهم، واقامة تماثيل لهم - هي التي أدت الى نشوء خرافة عبادة الاصنام.
20 معنى في واحد
* وصفت الآية الكريمة الله بانه (الصمد)، فما هي دلالة هذه المفردة؟
ـ (الصمدية) من مظاهر "الأحدية". وتشير الصمدية الى حقائق شتى تجمع بصيرة واحدة، هي ان الله تعالى بلا اعضاء وأجزاء، ولا حالات تطرأ عليه سبحانه.
وقد ذكر المفسرون لكلمة (الصمد) زهاء عشرين معنى ؛ الا ان امثلها التي ترجع اليه سائرها:
"المُصمت" الذي لا جوف له، ومنه "الصمود" و " الصامد". ولان السيد العظيم يوصف بالشجاعة، فانه يسمى بالصمد لانه لا يتزلزل. ولان صفات الدوام و الأحدية وما اشبه ناشئة من صفة الصمد، فانها ذكرت من معاني الصمد.
و (الصمد) الذي لا اجزاء له ولا يتصور فيه زيادة (بالتولد) ولا نقيصة (بالإيلاد).
كلهم سألوا
* يبدو من السياق بان (قل هو الله احد) جواب على سؤال؛ فهل كان هناك سائل فعلا؟ ومن كان؟
ـ نعم؛ هذه الآية المباركة جواب على اسئلة مكررة طرحوها على رسول الله، صلى الله عليه وآله، حول: من هو الله الذي تدعو اليه؟
وعن السائل، فقد قالوا بأنه كان "عبد الله بن صوريا اليهودي"... وقيل كان عبد الله بن سلام.. وقيل كانوا مشركي مكة... وقيل كانوا نصارى نجران.
* إذن؛ هناك تضاد في هذه الروايات، أليس كذلك؟
- كلا؛ ليس هناك تضاد في هذه الروايات، فقد يكون هؤلاء جميعا وغيرهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله، نفس السؤال، فكانت الآية المباركة بمثابة الجواب الموحد لهم جميعا.
ما لا ينقص، لا يزيد
* تقول الآية الكريمة بأن الله (لم يلد ولم يولد)، فكيف لم يلد؟ وكيف لم يُولد؟
ـ اذا عرفنا بان الله تعالى لم يلد، نعرف بانه لم يولد.
كيف ينفصل عنه جزء وهو صمد لا يتصور فيه التأليف، والتركيب، والاجزاء، والاعضاء؟!
وكيف يولد من غيره، وربنا تعالى غني عن الاضافة، ولا يحتاج الى تكميله بجزء يضاف اليه؟!
وحين ينتفي التولد منه، ينتفي تولده من غيره، لان ما لا ينقص، لا يزيد.
لا يجوز التعالي
* الآية الكريمة تنفي التولد و الإيلاد بالنسبة لله تعالى، فماذا نفهم منها؟
ـ ان نفي الولادة، بكل جوانبها ومعانيها، يضع المخلوق في موضع العبودية المطلقة، وينفي اضفاء اي نوع من القداسة الذاتية على شيء او شخص من خلق الله الا قيم الوحي الناشئة من دين الله ؛ وهكذا يتساوى الخلق امام الخالق وامام دين الخالق، ولا يجوز لأحد ان يتعالى على غيره بزعم انه اقرب الى القدوس ذاتيا، وتبطل كل المذاهب العنصرية ؛ الظاهرة منها والخفية.
لا للقياس
* في ختام سورة الاخلاص، تقول الآية الكريمة (ولم يكن له كفوا احد) ـ فهل هي تقديس وتعظيم لله تعالى؟
ـ ان الانسان لا يرى إلا نفسه والمخلوقات ؛ ولذا فانه يقيس خالقه بنفسه طوراً، وبالكائنات أطواراً اخرى، غافلا عن ان هذا القياس يتنافى والاعتقاد بالخالق اصلا، اما اذا تذكر الانسان هذه الحقيقة، فان الشبهات تزول من ضميره حتى يتطهّر من أدرانها، ويتهيأ قلبه لاستقبال نور المعرفة.
ويبدو ان كلمات الذكر الاساسية وهي التكبير والتهليل والتسبيح، تذكرنا بهذه الحقيقة؛
أوليس التكبير (وهو قولنا: الله اكبر) هو تعظيم الله من الوصف؟
أوليس التسبيح (وهو قولنا : سبحان الله) هو تقديس الله عمّا يخطر ببال البشر؟
أوليس التهليل (وهو قولنا: لا اله الا الله) نفي الشرك له؟
وهكذا يقول ربنا في نهاية سورة الاخلاص : (ولم يكن له كفوا احد) انه لا شبيه له ولا نظير ؛ ولو كان والدا، لكان ولده شبيهه وكفؤه، وكذلك لو كان مولودا لكان والده اعلى منه او مساوياً له؛ سبحانه عن مجانسة مخلوقاته 5.
ثلث القرآن
* من واقع سورة الاخلاص المباركة، كيف نزداد معرفةً بالله تعالى؟
ـ اذا اردت معرفة الله، اسقط عن نفسك قياسه بخلقه، وتسام عن دائرة المخلوق الى افق الخالق، ومن محيط الشهادة الى افق الغيب، ومن البحث عن الذات الى تلقي نور الاسماء.
ومن هنا، فان اربع آيات فقط، هي آيات هذه السورة المباركة، تختصر بصائر الوحي في معرفة الله تعالى، حتى تصبح ثلث القرآن المجيد.
توضيحها منها وفيها
* هل صحيح ان سورة الاخلاص تتميز بأن كل آية فيها توضيح للآية التي تستبقها؟
ـ هذا صحيح؛ فقوله تعالى : (قل هو الله احد) يعني : (الله الصمد). و قوله: (الله الصمد) يعني: ان الله (لم يلد ولم يولد). وقوله: (لم يلد ولم يولد) يعني ان الله (لم يكن له كفوا احد)؛ فكل آية في هذه السورة المباركة توضيح للآية التي تسبقها.
احكام السورة
* و أخيراً؛ ماهي الاحكام الشرعية الخاصة بقراءة سورة الاخلاص في الصلاة؟
ـ الاحكام الشرعية الخاصة بقراءة سورة الاخلاص في الصلاة هي :
1ـ يصح الانتقال من سورة الى اخرى ما لم يصل الى النصف منها؛ فاذا بلغ منتصف السورة، وجب اكمالها. اما في سورتي " الاخلاص " والكافرون"، فلا يصح الانتقال منهما بمجرد الشروع فيهما الا في صلاة الجمعة او صلاة الظهر من يوم الجمعة؛ فانه اذا بدأ بقراءة احدى هاتين السورتين عوضا عن سورتي "الجمعة" و " المنافقون" سهواً و نسياناً، جاز العدول منهما قبل بلوغ النصف احتياطاً. اما اذا كان شروعه بقراءة "الاخلاص" او "الكافرون" عمدا ؛ فانه لا يجوز الانتقال منهما.
2ـ يكره ترك قراءة سورة "الاخلاص" في كل الفرائض اليومية ليوم كامل.
3ـ تكره قراءة سورة "الاخلاص" بنفس واحد.
4ـ يكره ان يكرر المصلي سورة واحدة في ركعتين متواليتين الا سورة "الاخلاص".
------------
1ـ بحار الانوار، ج89 – ص 358.
2ـ الكافي، ج2، ص620
3ـ وسائل الشيعة، ج6، ص479
4ـ الكافي، ج2، ص622
5ـ في دعاء الصباح المبارك عبارة تقول ونحن نرددها : (... يا من دل على ذاته بذاته، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته، وجل عن ملاءمة كيفياته.......)
الكاتب: السيد جواد الرضوي
المصدر: مجلة الهدى الثقافية