ما صحة الحديث المنسوب الى الإمام علي(ع)الذي يقول (ماجُمِع مال إلا من بخل أو حرام)؟

السبت 28 سبتمبر 2019 - 09:11 بتوقيت غرينتش
ما صحة الحديث المنسوب الى الإمام علي(ع)الذي يقول (ماجُمِع مال إلا من بخل أو حرام)؟

اسلاميات_الكوثر: صحة الحديث المنسوب الى الإمام علي(ع)الذي يقول (ماجُمِع مال إلا من بخل أو حرام).

هذا الحديث بهذا اللفظ لم يرد في مصادر السنة والشيعة المعتبرة التي وصلت إلينا وكل من ينقله ينقله من دون ذكر المصدر.

توجد رواية تشبه هذا المضمون رواها الشيخ الصدوق في الخصال بإسناده عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال:
قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول( لا يجتمع المال إلا بخصال خمس: ببخل شديد، وأمل طويل، وحرص غالب، وقطيعة الرحم، وإيثار الدنيا على الآخرة)(١). وقد تتبادر الى الذهن إشكالية في جمع مال بعض الصالحين ولعل في هذه الرواية يوجد منفذ لتوجيه ذلك حيث ذكرت(أمل طويل)وهذا قد يتوافق مع الحديث الآخر المروي عن الإمام الحسن بن علي ابن أبي طالب عليهما السلام أنه قال (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا)(٢).
زيادة توضيح هذا الحديث المتقدم في النقطة الرابعة أو الحديث الذي في المنشور فهما يلحظان الصورة الغالبية لدى الناس وهذا لايمنع أبداً أن يجتمع المال من غير البخل أو الحرام كأن يكون الشخص مؤمناً صالحاً وماله حلال ولم يكن بخيلاً فقد يكون على قاعدة (من أيقن بالخلف جاد بالعطية)(٣)وهذه الحكمة مروية عن الإمام علي (ع)في نهج البلاغة ومعناها واضح فالذي يعطي ماله في سبيل الله فالله سيخلفه له ويرجعه عليه أكثر مما أعطى أو من باب الزكاة فمن زكى ماله فقد يكثر الله ماله ومعنى الزكاة لغةً النماء ويوجد لهذا الكلام أمثلة كثيرة من المؤمنين في المجتمع وسنذكر مثالاً واضحاً على ذلك في المؤمن (علي بن يقطن)فقد كان من أصحاب الإمام الكاظم وكان غنياً وكان وزيراً لهارون العباسي بإرشاد الإمام الكاظم(ع) لذلك…
وقد جاء في علو شأنه مارُوِي عن الإمام الكاظم(ع)(…ضمنت لعلي بن يقطين ألا تمسه النار)(٤)وروى الكشي بإسناده عبد الله بن يحيى الكاهلي، قال: كنت عند أبي إبراهيم(الإمام الكاظم) عليه السلام إذ أقبل علي بن يقطين، فالتفت أبو الحسن عليه السلام إلى أصحابه فقال: من سره أن يرى رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فلينظر إلى هذا المقبل، فقال له رجل من القوم: هو إذن من أهل الجنة، فقال أبو الحسن عليه السلام: أما أنا فأشهد أنه من أهل الجنة.(٥)
ففضله أجل من أن يُحصَى ويذكَر فمع جلالة قدر علي بن يقطن فقد كان غنياً وكان له مال كثيراً وكان ينفق منه في سبيل الله وفي أعمال الخير فماله لم يجتمع لديه (من بخل أو حرام) لذا سنذكر من إنفاقه مارواه الكشي بإسناده عن سليمان بن الحسين كاتب علي بن يقطين، قال: أحصيت لعلي بن يقطين من وافى عنه في عام واحد مائة وخمسين، رجلا، أقل من أعطاه منهم سبعمائة درهم، وأكثر من أعطاه عشرة آلاف درهم(٦) والروايات في بذله لماله وكرمه كثيرة ونكتفي بهذا القدر
٣-نقل جورج قرداق في كتابه روائع نهج البلاغة حديثاً في نفس المضمون ولكنه لم يذكر المصدر لما ذكر ونسب الحديث الى الإمام علي(ع)فقال (ما جمع مال إلا من شح أو حرام)(٧)وهو ذكرها من باب بعض طرائف أحكامه(ع)والحديث لايوجد في نهج البلاغة ولافي غرر الحكم ولافي عيون الحكم والمواعظ فتبقى مشكلة النسبة الى الإمام من دون مصدر معتبر وكذلك ذكر هذه العبارة الشيخ المظفر في المنطق ولم ينسبها الى الإمام علي(٨)
٤-النظرية الإسلامية المعتبرة في الإنفاق وجمع المال هي النظرية الوسطية في الإنفاق التي أكد عليها الله في القرآن الكريم فقال تعالى(وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)(٩)وقد روى العياشي في تفسيرها عن الحلبي، عن بعض أصحابنا، عنه، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) ، لأبي عبد الله (عليه السلام)(يا بني، عليك بالحسنة بين السيئتين، تمحوهما…وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا إذا أسرفوا سيئة، وأقتروا سيئة وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً حسنة، فعليك بالحسنة بين السيئتين)أي لاإسراف بالإنفاق ولاتقتير وعدم إنقاقٍ بل حالة وسبطية بينهما(١٠)
وروى الكليني بإسناده عن عبد الملك بن عمرو الأحول، قال: تلا أبو عبد الله (عليه السلام) هذه الآية:
وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ، قال: فأخذ قبضة من حصى، وقبضها بيده، فقال: «هذا الإقتار الذي ذكره الله في كتابه»، ثم قبض قبضة اخرى، فأرخى كفه كلها، ثم قال: «هذا الإسراف»، ثم أخذ قبضة اخرى، فأرخى بعضها وأمسك بعضها وقال هذا القوام)(١١)
قال تعالى
(وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)(١٢)أي لاتجعل يدك مغلولة بحيث لاتنفق شيئاً منها ولاتبسط يدك كلها فتنفق كل شيء بل المراد هو الحالة الوسطية مابينهما فقد روى الكليني في تفسيرها بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال(…ثم علم الله عز وجل نبيه (صلى الله عليه وآله) كيف ينفق، وذلك أنه كانت عنده اوقية من الذهب، فكره أن تبيت عنده فتصدق بها، فأصبح وليس عنده شيء، وجاءه من يسأله، فلم يكن عنده ما يعطيه، فلامه السائل، واغتم هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه، وكان رحيما رقيقا، فأدب الله عز وجل نبيه (صلى الله عليه وآله) بأمره فقال: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً يقول: إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك، فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال.(١٣)وذكرنا هذه النقطة لكي لايتوهم المتابع أن الإسلام يريد المؤمن فقيراً وقد ورد في مدح الغنى مارواه الكليني بسندٍ معتبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): نعم العون على تقوى الله الغنى.(١٤)وقد يُراد من الغنى معاني أخرى تُراجَع في محلها
–––—
١-الخصال. ٢-كفاية الأثر ٣-نهج البلاغة ٤و٥و٦-إختيار معرفة الرجال. ٧-روائع نهج البلاغة ٨-منطق المظفر ٩-سورةالفرقان آية٦٧ ١٠-تفسيرالعياشي. ١١-الكافي ج٤ ١٢-سورة الإسراءآية٢٩ ١٣-الكافي ج٥
١٤-الكافي ج٥