أمر الله تعالى ملائكته بالسجود لآدم إظهاراً لفضله عليهم، وعلى جميع مخلوقاته، ولا تفسير ظاهر لهذه الآية الكريمة، سوى أفضلية العلم التي وهبها الله تعالى لآدم، بدليل الآية الكريمة التي سبقت هذه الآية: «وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (آية 31). إذاً؛ فالعالم دائماً متبوع، والجاهل تابع.
ومن أجل ذلك فرض الاسلام وعلى لسان نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله، العلم على كل مسلم ومسلمة. وقال أكثر المفسرين: كان السجود لمجرد التحية، تماماً كالانحناء، ورفع اليد، لأن السجود لا يكون إلا لله تعالى.
ثم إن الأمر بالسجود شمل الملائكة بأجمعهم دون استثناء، حتى جبرائيل وميكائيل، بدليل قوله تعالى: «فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ» (سورة الحجر/آية 30- 31).
من الواضح إن تمرّد إبليس على أمر السجود الإلهي، كان لاستكباره، وإلا فجوهره في واقع الأمر لا يختلف عن آدم، فهو مخلوق مثله، ولا يحق للمخلوق أن يعصي أمر الخالق، ولكن من دوافع هذا العصيان والتمرّد الذي نسلط الضوء عليه، هو «التعنصّر» و «التميّز»، ثم أراد أن يبرر موقفه باختلاق «القياس»، حيث قال: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» (سورة الأعراف/ آية 12).
وهنا يفتخر إبليس بأنه من مخلوق من نار، علماً أن الله تعالى خلق النار وجعل فيها خصائص ومميزات من بثّ الحرارة والإضاءة، لكن إن شاء أعدم هذه الخصائص، كما حصل مع قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام، عندما جعل النار الملتهبة والمتصاعدة، «برداً وسلاماً».
من هنا وقفت الشريعة الإسلامية، بحزم وشدّة أمام فكرة «القياس»، في أي ذهن حلّت، ومهما تأطرت وكبرت وحُظيت بالمكانة والانتشار.. فهي مرفوضة، شرعاً، وعقلاً.
لماذا كان إبليس بين الملائكة؟
ربما يتصور البعض أن إبليس كان من الملائكة، لما نقل عنه عبادته لله تعالى، بما لم يفعله غيره. بيد أن صريح الآية الكريمة تؤكد أنه لم يكن من الملائكة: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ»، (الكهف /آية 50).
هذه الآية تشير الى انه رغم كونه من الجنّ، لكنه استطاع الوصول الى مقام الملائكة بعبادته وسعيه للتقرب الى الله تعالى والزلفى إليه، كما تشير الروايات، والتي تشير الى تردّيه وتقهقره في مسيرة العبادة لله تعالى، بسبب المعصية والتمرّد عن أوامره تعالى. فلما رفض وأصرّ على معصيته، واعتزازه بالباطل وبعنصره، نال جزاءه بالطرد من الرحمة الإلهية، واسترد منه الاعتبار الذي وهبه له من قبل، تقول الآية الكريمة: «قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ» (سورة الحجر/ آية 34). والرجيم، هو المطرود الذي لا أمل في عودته.
**********
1- تفسير «من هدى القرآن»، لسماحة المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي – ج8 ص 124.
2- تفسير «الكاشف»، للعلامة الراحل الشيخ محمد جواد مغنية – ج1 ص 82.
الکاتب: السيد علي شبّر استاذ في الحوزة العلمية
المصدر: موقع مجلة الهدى الثقافية