يصف الله هؤلاء المتصدقين المنّانين المرائين، بأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، لأن الإيمان ليس مجرد كلمة يقولها، أو عمل يعمله، بل هو موقف يستمد حركته من الإيمان بالله كحقيقة تحرّك كيانه بالدوافع الروحيّة، وتدفع خطواته إلى الآفاق الرحبة في مجالات القرب من الله، فلا قيمة للكلمة الحلوة الخاشعة إذا لم تنطلق من قاعدة الإخلاص في أعماق النفس، ولا قيمة للعمل الكبير أو الصغير إذا لم يكن ممتداً في الخط المستقيم الذي يحبه الله ويرضاه مما يحقق للحياة سلامتها وكرامتها وانطلاقها في الأهداف العظيمة الكبيرة...
ويتابع جلّ جلاله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264]. إن الله يضرب لهؤلاء المثل ليعمّق الفكرة من خلال الصورة الحسية، التي توحي بالعمل المتعب الذي يفقد نتائجه بسرعة في نهاية المطاف. فكيف نتمثل الصورة؛ لنضع أمامنا صخراً أملس ينزلق عنه الماء بسهولة ونضع فوقه طبقة رقيقة من التراب، ثم نلقي البذور فيه ونتابعها بالرعاية والخدمة حتى تنمو وترتفع أغصانها في الهواء، بحيث توحي للناظر بالامتداد والثبات والبقاء، ثم يهطل المطر الغزير.. ويهطل، فيجرف التربة التي تحمل الزرع، فلا يبقى لزارعها شيءٌ مهما بذل من جهد، لأن الزرع لا يملك عمقاً له في التربة التي لم تمتد في أعماق الأرض، فإنها تقف على الصخر الأملس الذي لا عمق له مما ينفذ فيه الزرع والماء.
إن ذلك هو مثل الكافرين الذين يسيرون في خط الضلال، فلا يفسحون المجال لأعمالهم أن تنبت في الأعماق البعيدة من نفوسهم ليضمنوا لها البقاء والامتداد، بل يظلون في دوافعهم على السطح الذي لا يحتضن إلا الدوافع الساذجة التي تعيش في نطاق الشهوات بعيداً عن عمق الإيمان.
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
*تفسير من وحي القرآن، ج 5.