للكفر استراتيجية!
الكيد الذي ورد في قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً} هل بمعنى الكيد بالرسول، صلى الله عليه و آله، و الرسالة؟
– لا يقتصر الكفـار على تكذيب رسالات الله للتهرب من الحقائق التي تذكر بها، و انما يحاربونها بشتى ألوان الحرب حتى يصنعوا حجابا نفسيا و اجتماعيا بينهم و بينها؛ فلا يتأثروا بها أبدا.
نعم؛ {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً}. و الكيد هــو: التلطّف لبلوغ الهدف بأساليب مختلفة، و يستخدم في الشر و الخير، و ان كانت الكلمة توحي بالشر. و الكلمة المرادفة لها في أدبنا اليوم: الخُطة، و يبدو ان مجمل مساعي الكفار و من هم في خط النفاق و الفسق تتجه نحو تغيير مسار الحق، و إخفائه بالباطل الذي يبتدعونه، و الصد عنه بالمكر و الكيد؛ انه الخط الاستراتيجي للكفر.
ومن خصائص الكيد التوسل ببعض الخطط الخفية التي لا تبلغ الهدف إلا عبر مراحل عديدة، و قد يضع الكفار خطة خمسية او عشرية او حتى بعيدة المدى لعلها تبلغ هدفها بلا عقبات؛ لانها- في زعمهم- خطة محكمة سرية و متواصلة الحلقات.
بيد ان خطط الكفار لا تهدف الرسول، صلى الله عليه و آله، كشخص، ولا المؤمنين كطائفة فحسب؛ بل تهدف الرسالة التي يدعون اليها، و غريمهم في ذلك لن يكون المؤمنون او الرسول، صلى الله عليه و آله، و حسب؛ بل رب العزة جبار السماوات و الارض سبحانه تعالى.
كيد الله
كيف هي صورة كيد الله كما في صريح قوله تعالى: {وَأَكِيدُ كَيْداً} ؟
– إذا كان الكفار يسعون لبلوغ هدفهم عبر خطط متناهية في الدقة بزعمهم؛ فإن كيد الله متين. و تسألون: كيف يكيد الله لهم؟ انه سبحانه يُهيئ اسباب تدميرهم على حين غفلة منهم.
أرأيت كيف يدبر الشرطة، مثلا، خطة للايقاع بالمجرمين (مما قد تصوره الأفلام البوليسية)، و يخطط المجرمون لجريمتهم باتقان و يخطط الشرطة، و المجرمون لا يعرفون شيئا عن خطط الشرطة؛ بينما رجال الشرطة يعرفون ما يجري هناك؟!
وفي ساعة الصفر حينما تبلغ خطط الكفار مرحلة التنفيذ، و يكادون يسطون بالنبي، صلى الله عليه و آله، و بالمؤمنين، تكون أسباب تدميرهم قد تهيأت ايضا، و تتجلى- ساعتئذ- قدرة الله؛ إنها تأخذهم أخذاً وبيلا؛ و ذلك قوله تعالى: {وَأَكِيدُ كَيْداً}.
عامل الزمان
لماذا الإمهال؟ ثم الإمهال القليل كما في قوله تعالى: {فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}؟
– ان خطط الكفار و كل خطة تأخذ عامل الزمان في الحسبان؛ و لذلك فان من يكيد كيداً لا يمكنه ان يلغي الزمان، و ينبغي ان يعرف المؤمنون ذلك، ولا يستعجلوا في تنفيذ خطط الرسالة، ولا يقلقوا من تأخير النصر؛ لان هناك مهلة معينة لابد ان تنتهي قبل أخذ الكفار؛ و لذلك قال: {فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ} مهلة بعد مهلة، و فترة بعد فترة؛ فلعل تغييرا يطرأ على تنفيذ الخطة؛ و لكنها –بالتالي- لن تكون مهلة طويلة؛ و هو المراد بقوله تعالى: {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}؛ أي: مهلة قليلة و لطيفة و بلا صخب او ضوضاء.
اسباب الإمهال
و لكن؛ لماذا يمهل الله الكفار ؟
– أولا: لأنهم ايضا بشر مخلوقون، و ان الله سبحانه يريد امتحانهم كما يمتحن بهم، و لعلهم يرجعون .
ثانيا: لان للصراع بين الحق و الباطل فوائد شتى في بلورة رؤية المؤمنين، و تزكية قلوبهم، و تمحيص نفوسهم، و تطهير صفوفهم من المنافقين.
و الله العالم.
—————–
الكاتب: جواد السيد سجاد الرضوي
المصدر: موقع مجلة الهدى