ثمة اتجاهاتٌ عديدة فيما هي (إِرَمَ) أهمُّها ثلاثة:
الاتِّجاهُ الأول: إنَّ (إِرَمَ) هي اسم البلد التي كان يقطنُها قوم عاد، وبناءً على ذلك تكون كلمة (إِرَمَ) في الآية مضافة الى اسم مقدَّر والتقدير هو (أهل إِرَمَ). فقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ / إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ﴾(1) معناه ألم تَرَ ما فعله اللهُ تعالى بقوم عاد أهلِ إِرَم أي أهل مدينة إِرَم.
ثم إنَّ مَن ذهبوا الى أنَّ (إِرَمَ) كانت مدينة قال بعضُهم إنَّها الاسكندرية، وذهب آخرون الى أنَّها دمشق، وفي مقابل ذلك ما ذكره الكثيرُ من المفسِّرين والمُؤرِّخين أنَّ قبيلة عاد كانت تقطنُ اليمن وحضرموت، وبناءً عليه فالمُتعيَّن من ذلك أنَّ (إِرَمَ) لو كانت مدينة لكانت في بلاد اليمن.
الاتِّجاه الثاني: إنَّ (إِرَمَ) اسمٌ آخر لقبيلة عاد أو هو اسمٌ لقومٍ من قبيلة عاد أو انَّ (إِرَمَ) اسم لعادٍ الأُولى في مقابل عادٍ الثانية، فإرَمُ هي المعنيَّة من قولِه تعالى: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى﴾ (2) وثمة عادٌ أُخرى ليست هي (إِرَمَ).
ومنشأ التعبير عن عادٍ (بإِرَمَ) هو انَّ عادًا الذي تُنسب اليه هذه القبيلة كان منحدرًا عن جدٍ اسمه (إِرَمَ) فهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وبناءً هذا الاتِّجاه تكونُ كلمةُ (إِرَم) في الآية عطفَ بيانٍ أو بدلًا من كلمة عادٍ الذي هو اسمٌ للقبيلة.
الاتِّجاه الثالث: إنَّ إِرَم لم تكن اسمًا لقبيلةِ عاد كما انَّها ليست اسمًا لمدينتِهم وانَّما هي اسمٌ آخر لشخص عاد الذي تنحدرُ منه قبيلة عاد، وعليه يكون اسمُ إِرَم عطفَ بيانٍ أو بدلًا من عاد الذي هو جدُّ القبيلة، فإِرَم ليستْ عطفَ بيانٍ أو بدلًا من قبيلة عاد وانَّما هي عطفُ بيانٍ أو بدلٌ من عادٍ نفسِه الذي تُنسب اليه القبيلة، فيكونُ مفاد الآية ألم تر ما فعلَه الله تعالى بقبيلةِ عاد المسمَّى بإِرَم.
وكيف كان فمفادُ الآية ظاهرٌ جدًا والاختلافُ إنَّما هو في المسمَّى بإِرَم، فهل هو مدينة كانت تقطنُها عاد أو هو قبيلةُ عادٍ نفسِها أو هو رجلٌ كانت قبيلةُ عاد تُنسب إليه.
والنتيجةُ من جهة ما تستهدفُه الآية واحدةُ، وهي التنبيه والإخبار عن العذاب الالهيِّ الذي وقع على قوم عاد بعد تمرُّدِهم على نبيِّ الله هود (ع) الذي بُعث إليهم من عند الله جلَّ وعلا.
وأما قولُه تعالى: ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾(3) فهو وصف لقبيلة عاد حيث كانوا ذوي أبنيةٍ حصينةٍ متشامخة، فما منعَهم ذلك من عذابِ الله جلَّ وعلا.
وثمة احتمالٌ آخر هو أنَّ (ذات العماد) وصفٌ لمدينة إِرَمَ التي كان يقطنُها قومُ عاد، فهي كانت ذاتَ أبنيةٍ رفيعةٍ متشامخة وهو معنى العماد، وهذا الاحتمال يتمُّ بناءً على أنَّ إِرَم اسمٌ للمدينة وليست اسمًا للقبيلة.
وعليه يكون معنى الآية ألم تر كيف فعل اللهُ تعالى بقوم عاد أهل مدينة إِرَم ذاتِ الأبنيةِ الشامخةِ والمنيعة.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
-----------
1- سورة الفجر آية رقم 6-7.
2- سورة النجم آية رقم 50.
3- سورة الفجر آية رقم 7.