{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}. واللّغو هو كلّ ما لا ينفع، وكلّ الكلمات التي لا معنى لها، وكلّ الأفعال التي لا مضمون لها، وكلّ العلاقات التي لا جدوى منها، وكلّ المواقف التي لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، فأنت في الحياة طاقة لا بدَّ من أن تعطي الحياة شيئاً، أمّا أن يكون كلامك لغواً لا معنى له، وأن يكون عملك ونشاطك لغواً لا نتيجة له، وأن تكون علاقاتك لغواً لا فائدة منه، وأن تكون مواقفك شيئاً لا يحقّق لك ولا للحياة شيئاً، فإنّ معنى ذلك أنّك أعطيت شيئاً من الحياة موتاً، لأنّ الحياة هي بمقدار ما تنتج من خير، وبمقدار ما تعطي منه {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}، {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}. فالبطالة موت، واللّغو موت، والجمود موت، ولذلك فأنت تعيش من أجل أن تعطي الفكر أفقاً جديداً، وأن تعطي الحياة حركةً جديدةً، وأن تعطي الواقع شيئاً جديداً، من خلال انطلاق روحك في كلّ روح الحياة، وعقلك في كلّ عقل الحياة، وحركتك في كلّ حركة الحياة، حتى إذا جاءك الأجل ومتّ، بقي منك للحياة شيء بقدر طاقتك {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}. {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ}، وهي ما يبقى لك مما ينفع الناس، ويبقى لك مما يرفع الله به درجتك ويرضى به عنك.
لذلك، فالمؤمن هو الذي يعرض عن اللّغو، ولا سيّما أن من يعيش اللّغو يفقد شيئاً كبيراً من الإيمان، ويعيش ضعف إيمانه وفقر إيمانه، فالحقيقة هي أنَّ المؤمن لا يفرغ للّهو وللعبث، ولكنّه يفرغ للعمل، وهذا ما عبّر عنه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (ع) في مناجاته لربّه، عندما قال: "يا من ذكره شرف للذّاكرين، ويا من شكره فوزٌ للشّاكرين، ويا من طاعته نجاةٌ للمطيعين، صلّ على محمّدٍ وآل محمّد، واشغل قلوبنا ـ قبل ألسنتناـ بذكرك عن كلّ ذكر، وألسنتنا بشكرك عن كلّ شكر، وجوارحنا بطاعتك عن كلّ طاعة، فإن قدّرت لنا فراغاً من شغل، فاجعله فراغ سلامة، لا تدركنا فيه تبعة، ولا تلحقنا فيه سآمة، حتى ينصرف عنا كتّاب السيِّئات بصحيفة خالية من ذكر سيِّئاتنا، ويتولى كتّاب الحسنات عنّا مسرورين" بما كتبوا من حسنات، لأنّنا لم نفعل إلا خيراً، ولأننا لم نترك إلا شراً، أمّا الشّيء الذي لا خير فيه، فلماذا تستهلك طاقتك فيه؟!.
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
*من كتاب النَّدوة، ج 4.