{وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً}، ففرَّق كلمتهم، ومزَّق وحدتهم، وأثار النّزاع والخلاف بينهم على مستوى علاقات الأفراد، من خلال المصالح والأطماع الذاتيّة، وعلى مستوى علاقات الجماعات، عبر الأوضاع العائليّة والامتيازات الطبقيّة وغير ذلك، ما يجعل المجتمع مستغرقاً في مشاكله وخلافاته، مشدوداً إلى الآفاق الصّغيرة التي تحيط به، مبتعداً عن قضايا المصير المتمثّلة بالإنسانيّة والحريّة والعدالة، خاضعاً للقوّة المستعلية المستكبرة التي يعمل على الخضوع لها، لتتدخّل في شؤونه، ولتتحكّم في حياته.
وهذا هو أسلوب الطغاة في كلّ زمان ومكان في إحكام سيطرتهم على الشّعوب، بالعمل على إثارة الانقسامات والخلافات بين أفراد الشّعب، لينشغلوا بمشاكلهم الذاتيّة عن التفكير في مواجهة الطغاة في مخطّطاتهم العدوانيّة. وهكذا كان أسلوب فرعون في هذا الجانب من خططه، حيث اختار قسماً من النّاس ليكون فريقاً له، واختار فريقاً آخر ليكونوا ساحة لتجربة ظلمه وتنفيس عقدته.
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 17.