{لاَ يَسألونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}، أي ليسوا من الّذين لا يصبرون على حاجاتهم، فيسألون الناس بطريقة الإلحاح في المسألة، ويكرّرونها مرة بعد أخرى، ويتوسّلون للحصول على ما يريدون من ذلك بمختلف الوسائل والأساليب، بل إنّهم يواجهون الموقف من موقع الشخصية العزيزة العفيفة المتعفّفة عن الناس، المترفّعة عن الشكوى للآخرين، ما يعني أنّ المقصود بكلمة {لاَ يَسألُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}، أنهم لا يسألون الناس أصلاً، فلم يكن النفي متوجّهاً إلى القيد ليكون المدلول اللّفظي أنهم قد يسألون الناس بدون إلحاح، بل كان موجهاً إلى النموذج الواقعي الذي يستخدم الإلحاح من خلال ضغط الحاجة عليه، لأن طبيعة الحاجة تفرض ذلك، لأنها من نوع الحاجات التي تفرض نفسها على الإنسان ليتخلى عن كثير من شؤون كرامته، وهذا التعبير يشابه القول: ما رأيت مثله، وأنت لم ترد أنّ له مثلاً ما رأيته، وإنما تريد أنه ليس له مثل فيرى، فمعناه لم يكن سؤال فيكون إلحاح، كقول الأعشى:
لا يَغْمِز السّاق من أين ومن نصب ولا يعضّ على شرسوفه الصَّفَرُ
ومعناه: ليس بساقها أين ولا نصب فيغمزها، ليس أن هناك أيناً ولا يغمز، كما جاء في مجمع البيان...
{وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ} في الموارد التي أرادكم الله أن تنفقوا فيها من الخير المنفتح على حاجات الناس والحياة {فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ}، فهو يجازيكم عليه.
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
*تفسير من وحي القرآن، ج 5.