{وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ}. من هؤلاء الذين يكثرون الحلف على كلّ شيء مما يثيرونه أمام الآخرين، أو مما يختلفون فيه معهم، من القضايا المتعلّقة بالدين وبالحياة وبالأوضاع المحيطة بهم، سواء أكانت حقّاً أم باطلاً، لأنهم لا يشعرون بالثقة في أنفسهم، أو بثقة النّاس بهم، ولذلك، فإنهم يلجأون لتأكيد الثّقة إلى أسلوب الحلف، ولو على حساب المقدَّسات التي يحلفون بها، كما في الحلف بالله، حيث يسيئون إلى موقع عظمته بالقسم به في قضية كاذبةٍ أو باطلة.
وإذا حدّقت بهؤلاء في ما يتّصفون به من صفات أخلاقيّةٍ على صعيد الواقع، فسترى المهانة النفسيّة، والحقارة العمليّة التي توحي بكلّ سقوطٍ وانحطاط.
{هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ}. والهمز هو الطّعن بالناس، بإثارة الحديث حول عيوبهم بالعين والإشارة وبغيرهما بالحقّ والباطل، والنميمة هي السعاية والإفساد اللّذان يؤديان إلى الفتنة بين الناس وإفساد علاقاتهم ببعضهم البعض، من خلال نقل الحديث الّذي يسيء إلى سلامة العلاقات، وهكذا يتمثّل هؤلاء في النموذج البشريّ الشرّير الذي لا يريد الله للنبيّ ولمن بعده من المسلمين الدّعاة، الاستسلام إليهم، والطّاعة لهم، بالطّعن بالناس، والسعي لإفساد علاقاتهم بنقل الأحاديث التي يسمعها من هنا وهناك، ليوغر صدور بعضهم على بعض، وليدفع بالواقع إلى المزيد من الخلافات والنزاعات، فهو حاقدٌ على المجتمع، وعلى كلّ مظاهر الأمن والمحبّة والخير فيه.
{مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ}، فلا يعمل الخير، ولا يسمح لأحدٍ بأن يقوم به، مستخدماً كلّ الوسائل التي تتيح له أن يكون حاجزاً بين النّاس وبينه.
{مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}، فهو يعمل على الاعتداء على النّاس في ما لا يملك حقّاً فيه، كما يمتدّ في الإثم الذي يتمثّل بالأعمال الشرّيرة التي يرفضها الله سبحانه، {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ}. والعتلُّ هو الفظّ الغليظ، وقيل: إنّه الفاحش السيّىء الخلق، أو الجافي الشّديد الخصومة بالباطل {زَنِيمٍ}، وهو الّذي لا أصل له، أو الدعيّ الملحق بقومٍ وليس منهم، والمعنيان متصادقان، وقيل: هو المعروف باللّؤم، وقيل: هو الّذي له علامةٌ في الشرّ يعرف بها، وإذا ذكر الشرّ سبق هو إلى الذّهن.
السيد محمد حسين فضل الله
*تفسير من وحي القرآن، ج 23.