شهادة أعضاء الإنسان عليه

السبت 2 مارس 2019 - 12:32 بتوقيت غرينتش
شهادة أعضاء الإنسان عليه

مفاهيم قرآنية – الكوثر:

 

{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ اللهِ} من الكافرين المكذّبين للرّسل، فيجمعون في المحشر حيث يدفع بهم {إِلَى النَّارِ} التي استحقّوا عذابها بكفرهم وتمرّدهم على الله، {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يمنعون.

 

{حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا} ووقفوا عندها أو قريباً منها، ليسمعوا الحكم الحاسم الذي ينطلق من الحجّة القاطعة على جرائمهم ومعاصيهم، {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} من كلامهم بالكفر، أو ما سمعوه من آيات الله فأعرضوا عنه، {وَأَبْصَارُهُمْ} في ما يراه البصر من أفعال صاحبه، أو في ما رآه من الدّلائل على وجود الله وتوحيده، فلم ينفتح عقله لذلك في ما يدعو إليه من الهدى والرّشاد، {وَجُلُودُهُم} في ما استمتعت به من المحرّمات.

 

{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا}، وقيل: إنما خصّوها بالسؤال دون سمعهم وأبصارهم مع اشتراكها في الشّهادة، لأنّ الجلود شهدت على ما كانت هي بنفسها أسباباً وآلاتٍ مباشرة له، بخلاف السّمع والأبصار، فإنها كسائر الشّهداء، تشهد بما ارتكبه غيرها. وهكذا كانت المرارة تأكل أحاسيسهم، فكيف تشهد عليهم جلودهم بما عملوه، وما الّذي أنطقها بهذه الطريقة العجيبة، وقد كانت في الدّنيا لا تملك نطقاً؟ ثم كيف تعترف بما فعلته، وهو أمر يعرّضها للعذاب؟

 

الجلود تردّ على الكافرين

 

{قَالُواْ أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}، فهل سألتم أنفسكم كيف نطق اللّسان؟ وما الفرق بينه وبين أيّ عضوٍ آخر في إزاء قدرة الله، فهو خالق أجهزة النّطق كما هو خالق أجهزة الحياة كلّها. {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، ولم تكونوا شيئاً مذكوراً، بل كنتم في قبضة العدم، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، فهو القادر على أن يبعث فيكم الحياة من جديد، ليحاسبكم على كلّ ما صنعتموه في حياتكم.

 

{وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ}، لأنكم كنتم غافلين عنها وعن رقابتها عليكم في كلّ حركاتكم وسكناتكم، وفي كلّ أقوالكم وأفعالكم.

 

{وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ}، ولهذا كنتم مستهترين بما تقومون به من الجرائم والجرائر من دون إحساسٍ بالمسؤوليّة، لأنكم لا تعون الإحاطة الإلهية بكلّ شيء.

 

{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ}، فلم تنتبهوا إلى حالة اللاواقعيّة واللاوعي التي تبعدكم عن الإحساس بالواقع من كلّ جهاته، الأمر الذي جعلكم تنحرفون عن الخطّ المستقيم، {فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الُخَاسِرِينَ} الّذين خسروا المصير في وجودهم، ولم يبق لديهم أيّ شيء مما يربحونه من قليل أو كثير.

السيد محمد حسين فضل الله

*تفسير من وحي القرآن، ج 20.

 

المصدر: موقع بينات