الآية المباركة وردت في سياق الحديث عن استضعاف فرعون لبني إسرائيل واستعلائه عليهم وتذبيح أبنائهم واستحياء نسائهم والاستحواذ على أرض الله والتسلُّط بالظلم والعدوان على ما أودعه الله فيها من خيرات لعموم عباده.
فكان فرعون يتوهَّم أنَّ إرادته هي الماضية في أرض الله أبدًا والحال أنَّ إرادة الله تعالى قد اقتضت المنَّ على المستضعفين من بني إسرائيل.
بتمكين رجالٍ منهم وإعطائهم القوَّة والنفوذ والسلطان وجعْلهم بعد تقويض ملك فرعون وهامان أئمةً في الأرض هداةً ودعاةً إلى الله تعالى وجعْلِهم الوارثين للأرض المالكين لمقدَّراتها السائرين في عباد الله تعالى بالهدى والرشاد.
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ/ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ/ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ/ وَأَوْحَيْنَا إلى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ...﴾(2)
فالمُستضعفونَ بمقتضى سياق الآيات المباركة هم بنو إسرائيل، والأئمةُ هم موسى ومَن قام مقامه من بعده إلا أنَّ مفاد الآيات لا ينحصر بِمَن نزلت الآيات فيهم، فالقرآنُ كما ورد عن أهل البيت (ع) يجري مجرى الشمس والقمر.
لذلك وردت رواياتٌ كثيرة عن الرسول وأهل بيته (ع) طبَّقت وأولت آية ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ﴾ على الأئمةِ من آل محمَّد (ص).
منها: ما رواه الشيخ الصدوق في معاني الأخبار بسنده عن المفضل بن عمر قال: سمعتُ أبا عبدالله (ع) يقول: "انَّ رسول الله (ص) نظر إلى عليٍّ والحسن والحسين (ع) فبكى وقال: انتم المستضعفون بعدي، قال المفضَّل: فقلتُ له: ما معنى ذلك يا ابن رسول الله (ص): قال معناه انَّكم الأئمة بعدي، إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ فهذه الآية جاريةٌ فينا إلى يوم القيامة"(3).
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق في الأمالي بسنده عن الأعشى الثقفي عن أبي الصادق قال: قال لي عليٌّ (ع): "هي لنا وفينا هذه الآية ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾"(4).
ومنها: ما رواه الطوسي في الغيبة بسنده عن محمد بن الحسين عن أبيه عليِّ بن الحسين (ع) عن جدِّه عن عليٍّ (ع) في قوله تعالى: "﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ قال هم آلُ محمَّد يبعثُ اللهُ مهديَّهم بعد جهدهم فيُعزِّهم ويذل عدوهم"(5).
ومنها: ما رواه فرات الكوفي في تفسيره بسنده عن ثوير بن أبي فاخته قال: قال لي عليُّ بن الحسين (ع) أتقرأ القرآن؟ قال: قلتُ: نعم قال (ع): "فاقرأ طسم سورة موسى وفرعون قال: فقرأتُ أربع آيات من أوَّل السورة إلى قوله: ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ قال لي: مكانَك حسبُك، والذي بعث محمَّدًا (ص) بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا إنَّ الأبرار من أهل البيت وشيعتِهم كمنزلة موسى وشيعته"(6).
ورواه الشيخ الطبرسي في مجمع البيان إلا أنَّه قال: "إنَّ الأبرار من أهل البيت وشيعتهم بمنزلة موسى وشيعته، وإنَّ عدوَّنا وأشياعهم بمنزلة فرعون وأشياعه"(7).
ومنها: ما رواه الكليني في الكافي بسنده عن أبي الصباح الكناني قال: نظر أبو جعفر (ع) إلى أبي عبدالله (ع) يمشي فقال: "ترى هذا ؟ هذا من الذين قال اللهُ عزَّ وجلَّ ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾"(8).
وروايات أُخرى عديدة قريبةٌ في مفادها من هذه الروايات، ومقتضاها جميعًا انَّ أئمة أهل البيت (ع) هم مِمَّن جعل اللهُ لهم الإمامة على الناس، وأمَّا وراثتهم وتمكينُهم في الأرض فهو حتميُّ الوقوع ولو بعد حين، عندها يقومُ قائمُ آلِ محمد فيملأ الأرض قسطًا وعدلاً ويبيرُ العتاة وجَحَدَة الحق ويقطع دابر المتكبِّرين ويجتثُّ أصول الظالمين.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
----------------
1- سورة القصص آية رقم 5.
2- سورة القصص من آية 4 إلى آية 7.
3- معاني الأخبار: 79.
4- الأمالي: 566، روضة الواعظين للنيسابوري: 158.
5- كتاب الغيبة: 184.
6- تفسير فرات الكوفي: 314، مشكاة الأنوار للطبرسي: 173.
7- مجمع البيان: ج7/414.
8- مجمع البيان: ج1/306.
المصدر: مركز الهدى للدراسات الاسلامية