الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
إنّنا إذا تمكنّا من حلّ جميع المعضلات في مجال المعاد الجسماني، فسوف تبقى معضلة شحّة المكان على قوتها، وذلك لأنّ بعض المناطق من الكرة الأرضية تضيق حالياً من تحمل سكانها الذين يعيشون عليها، وقد حذّر الخبراء المتخصّصون من مغبّة استمرار النمو السكاني على هذا السياق، وقالوا : إنّ تزايد السكان إذا ما استمرّ على هذا المنوال، فسوف تضيق الأرض بسكّانها خلال فترة وجيزة.
وهنا يُطرح هذا السؤال: ماذا سيحدث إذا بُعث جميع البشر السّابقين واللاحقين على هذه الكرة الأرضية؟!
فلو كان المعاد يتحقق بالروح فقط، فإننا لن نواجه مثل هذه المعضلة من ناحية المكان، لأنّ الأرواح غير متميّزة، فهي لا تحتاج إلى مكان ولا تتميّز بمكان.
يأتي الجواب عن هذه الشبهات كالتالي:
لقد فات الذين طرحوا هذا الإشكال، أنّ القرآن قد صرّح في آياته المختصّة بالمعاد، بأنّ المعاد لا يتحقق على الكرة الأرضية بصورتها الحالية، بل سوف تتبدّل بغيرها، قال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْارْضُ غَيْرَ الارضِ وَالسَّموَاتُ}(إبراهيم/ 48).
وجاء في القرآن أيضاً، أنّ عَرض الجنّة يسع السماوات والأرض، قال تعالى : {سَابِقُوا الَى مَغْفِرَةٍ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرضِ السَمَاءِ وَالارضِ}(الحديد/ 21).
يستفاد من هذه الآيات، وعدد من الآيات الاخرى، أنَّ هنالك احتمالين :
وهما: إمّا أن تتسع الأرض ويصبح حجمها بحجم السماوات والأرض، فتضم فيها الجنّة والنار وجميع البشر، وإمّا أن ينتقل النّاس يوم القيامة من الكرة الأرضيّة إلى مكان آخر.
وفي كلتا الحالتين، ترتفع مشكلة شحّة المكان في مجال المعاد الجسماني لجميع البشر، ولا تبقى هناك مشكلة في إسكان أهل الجنّة وأهل النّار... هذه المشكلة التي شغلت أذهان «ذوي اللّجاج والعناد»!.
*من كتاب "نفحات القرآن"، ج 5.