وقد تحدّث القرآن عن أوّل مفردة مختصة باللعن في خطاب الله تعالى لإبليس، عندما قال تعالى: {وإنَّ عليك لعنتي إلى يومِ الدِّين}[ص: 78].
وتأتي آيات أخر تتكلّم عن لعنة بعض الفئات من الناس من قبل الله تعالى، قال:
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ}[البقرة: 88].
{وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ}[البقرة: 89].
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة: 159].
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [البقرة: 161] .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُول}[النساء: 47].
{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلْعَنِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرا}[النساء: 52].
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة: 64].
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}[المائدة: 78].
{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[الأعراف: 44].
اللّعن لغةً هو الطرد والإبعاد، والجمع لعن ولعنات، واصطلاحاً، كما عند الفخر الرازي: الطرد والإبعاد من خيرات الدنيا والآخرة، لأن المبعد من خيرات الدنيا لا يكون ملعوناً.
قال الراغب الأصفهاني: "هو الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة، وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره".[مفردات غريب القرآن].
يريد الله تعالى أن يؤكّد في خطابه لهؤلاء من الفئات الملعونة، خطورة ما قاموا ويقومون به من اعتداء على حقوق الله والناس، على الرغم من هداية الله لهم بتبيان الحقّ وتوضيحه، وإرسال الرسل، وفتح باب التوبة إليه. وعلى الرغم من العلامات والآيات الكثيرة على توحيده وخالقيّته، وما يتسدعي ذلك من التزام بالحقّ وبحدود الله، فاللّعنة هي تأكيد لرفض خطّ الباطل وأهله، ورفض كل شرور يتسبب بها الإنسان لنفسه والمحيط من حوله. فاللعنة هي تحفيز ودفع للإنسان حتى يكون أكثر التزاماً ووعياً بمسؤوليّاته تجاه ربّه ونفسه والوجود من حوله.
قال العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض)، إنَّ اللّعن متعلّق بيوم القيامة، بمعنى طرد هؤلاء من رحمته وإبعادهم عن تفضّله، بما يستثير هؤلاء كي يعودوا عن غفلتهم وغيّهم، وينفتحوا على ربهم بكلِّ صدق وإخلاص، بما ينجيهم من المصير البائس: "الذي يظهر من الآيات الوارد فيها، لعن الظالمين، ليس ظلم العباد فقط، بل المراد به الاعتداء على حقوق الله في العقيدة الحقَّة والنّهج المستقيم، مما يعتبر ظلماً للنفس من جهة، وظلماً لله من جهة أخرى، فيستحقّ على ذلك اللَّعن الذي هو الخروج من رحمة الله، وبه تكون الدعوة إلى هدايتهم أفضل من لعنهم في الحياة الدنيا، وبالأخصّ أنّ الآيات التي ورد بها اللّعن للظالمين تتعلّق بخطابهم يوم القيامة لا في الحياة الدنيا". [استفتاءات عقيدية].
إنَّ الله تعالى يخاطبنا لنكون من المتيقّظين الذين يتمثّلون دعوته وما فيها من خير، وينفتحون على مواطن رحمته وفضله وتوبته، بما يصلحهم ويريح بالهم في الدّنيا والآخرة، ويبعدهم عن مواطن سخط الله، حيث الخسارة في الدنيا والآخرة. ولا يمكن للمؤمن إلا أن يكون المهتدي البعيد كلّ البعد عن أماكن لعنة الله، من خلال إيمانه الواعي، وسلوكه المنسجم مع إرادة الله تعالى.
*محمد عبدالله فضل الله
بينات