هل صحيح أن السيدة زينب (ع)نطحت رأسها عندما شاهدت رأس أخيها الحسين؟

الثلاثاء 4 سبتمبر 2018 - 05:46 بتوقيت غرينتش
هل صحيح أن السيدة زينب (ع)نطحت رأسها عندما شاهدت رأس أخيها الحسين؟

مفاد هذا الخبر أن العقيلة زينب (ع) عند رؤيتها رأس أخيها الحسين «نطحت جبينها بمقدم المحمل». وبغض النظر عن إمكان وقوع ذلك منها (ع) بعد وصية الإمام الحسين (ع) لها بالصبر، وأن لا يذهب حلمها الشيطان وأن تتعزى بعزاءالله...

الشيخ حسين رزوقي المياحي

في هذا المقال،نحاول أن نسلط الضوء على سند أحد الأخبار و الاحاديث ذات المساس المباشر في حياتنا اليوم،بل صدرت على أساسه الفتاوى،ورتبت عليه الآثار، بل أصبح من المقدسات لدى البعض بحيث يتعرض منكره للعقوبة الإلهية إذا تجرأ على إنكاره. 

 نبدأ بنص الحديث و هو على الشكل الآتي:

أقول :"رأيت في بعض الكتب المعتبرة ، روي مرسلا عن مسلم الجصّاص ، قال : دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة ، فبينما أنا اُجصّص الأبواب وإذا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلت على خادم كان يعمل معنا ، فقلتُ : ما لي أرى الكوفة تضجّ؟
قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد بن معاوية .
فقلت : مَنْ هذا الخارجي ؟
قال : الحسين بن علي .
فتركت الخادم حتّى خرج ، ولطمت على وجهي حتّى خشيت على عينيَّ أن تذهبا ، وغسلت يدي من الجصّ ، وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الكناس، فبينا أنا واقف والناس يتوقّعون وصول السبايا والرؤوس إذ أقبلت نحو أربعين شقّة ، تحمل على أربعين جملاً، فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة .
وإذا بعلي بن الحسين على بعير بغير وطاء ، وأوداجه تشخب دماً ، وهو مع ذلك يبكي ، ويقول :
يا اُمّةَ السوءِ لا سقياً لربعكُم يـا اُمّـةً لم تراعِ جدّنا فينا
إلى آخر الأبيات .
وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم اُمّ كلثوم : يا أهل الكوفة ، إنّ الصدقة علينا حرام . وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض . كلّ ذلك والناس يبكون على ما أصابهم . ثمّ إنّ اُمّ كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت : صه يا أهل الكوفة ! تقتلُنا رجالُكم وتبكينا نساؤكم ؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء .
فبينما هي تخاطبهنَّ وإذا بضجّة قد ارتفعت ، وإذا هم قد أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السّلام وهو رأس زهري قمري ، أشبه الخلق برسول الله صلّى الله عليه وآله ، ولحيته كسواد السبج، قد انتصل منها الخضاب ، ووجهه دارة قمر طالع ، والريح تلعب بها يميناً وشمالاً ، فالتفتت زينب ، فرأت رأس أخيها ، فنطحت جبينها بمقدم المحمل حتّى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها .
إذن مفاد هذا الخبر أن العقيلة زينب (ع) عند رؤيتها رأس أخيها الحسين «نطحت جبينها بمقدم المحمل». وبغض النظر عن إمكان وقوع ذلك منها (ع) بعد وصية الإمام الحسين (ع) لها بالصبر، وأن لا يذهب حلمها الشيطان وأن تتعزى بعزاءالله، أو عدم وقوعه، من حقنا أن نتوقف عند مصدر هذا الخبر، لنتحقق منه إن كان محفوفاً بقرائن الصدق والوثاقة أو أنه مظنة للدس والوضع.

و هنا نورد الملاحظات الضرورية التي تتعلق بصدور الخبر المذكور كما ورد في بحار الأنوار، و ندرس سند الخبر علّنا نصل الى نتيجة منطقية . و على أثر هذه النتيجة إما أن نقوي عقيدتنا بهذا الخبر أو نحذفه نهائيا من أذهاننا و نضرب به عرض الحائط.

فقد ورد النص في البحار بالشكل التالي:

"أقول: رأيتُ في بعضِ الكتب المعتبرة: رُويَ مرسلاً عن مسلم الجَصّاص قال: دعاني عبيد الله بن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة ….» البحار، المجلسي45: 114.

ولنا أن نورد الملاحظات التالية:
أولاًـ أول المصادر التي التي ورد فيها هذا الخبر هو بحار الأنوار للعلامة المجلسي (رحمه الله) المتوفى سنة 1110 هـ أي في القرن الثاني عشر الميلادي. وهذا الكتاب ـ كما هو معروف ـ لم يكتب بقلم الشيخ المجلسي، إنما كانت هناك لجنة لجمع الأحاديث والأخبار تحت إشرافه، كان الغرض من تشكيلها جمع الأحاديث والأخبار في مجموعة حديثية واحدة، دون الأخذ بنظر الاعتبار صحة تلك الأحاديث أو عدم صحتها، ولا كونها عن المعصومين أو غيرهم، ولا كونها تاريخية أو قصصية أو غيرها.

فمن غير المؤكد أن من أثبت هذا الخبر هو العلامة المجلسي نفسه، فربما كان أحد تلامذته، وإن كان هذا لا يقدم كثيراً ولا يؤخر، إلا أن اعتبار الشيخ المجلسي كونه عالماً بارزاً لا يقاس باعتبار أحد تلامذته.

ومما يشجع على هذا الاعتقاد أن العبارة التي تصدرت الخبر لا يمكن أن تصدر من عالم يحترم لغة العلم، وهو ما نربأ بالعلامة المجلسي عنه، فلو قال هذه العبارة اليوم متكلم في أحد المقاهي لطالبه الحاضرون بالدليل، فكيف برجل مثل العلامة المجلسي؟.
ثانياً: إن رواية هذا الخبر بعد مرور أكثر من ألف سنة على واقعة الطف يثير الاستغراب كثيراً، فالواقع الشيعي لم يكن يعرف هذا الخبر طيلة تلك الفترة، والأجيال المتعاقبة من الشيعة على مدى تلك القرون لم يطرق أسماعها أن العقيلة «نطحت جبينها بمقدم المحمل» حتى عصر الدولة الصفوية وأيام تأليف كتاب البحار بالتحديد.

ثالثاً: لا وجود لهذا الخبر في أي مصدر آخر قبل البحار، فهو الراوي الوحيد الحصري له، ولا بد أن يمنح براءة الاختراع فيه، إن كانت هناك براءة في مثل هذه الاختراعات.
رابعاً: بداية العبارة تشير إلى قضية مهمة، وهي أن من أثبت هذا الخبر في البحار حاول أن يطمس جميع معالم الاهتداء لحقيقة الخبر، مستخدماً كل ما من شأنه التعتيم والإخفاء، وسد الطريق على من أراد التحقق أو السؤال.

إلا أنه لم يكن غافلاً عن أن هناك من يتلقى مثل هذه الأخبار ويسوّقها لحاجة في نفس بعقوب، بل إنه كان يدرك جيداً أن جفاف حبر الكتابة كافٍ ليصبح الخبر مقدساً عند الكثير، لا سيما أولئك الذين رفضوا علم الدراية وعلم رجال الحديث ليفتحوا الباب على مصراعيه أمام الكذابين والوضاعين ليكتبوا ما شاؤوا، وليقولوا على المنابر ما يحلو لهم.

فالعبارة تستحق التوقف والتساؤل من عدة جهات:
1 ـ قوله: «رأيت في بعض الكتب» ولا ندري لماذا يختفي اسم الكتاب، واسم المؤلف، ومكان وزمن التأليف، وكيف حصل عليه؟ وما هو موضوع الكتاب؟ فهو ببساطة (إحالةٌ على مجهول) بامتياز شديد.
2
ـ قوله: «المعتبرة» فإن كان الكتاب مجهولاً إلى الحد الذي لا نعرف منه إلا اسم الجنس، فكيف استطاع الراوي أن يتوصل إلى حقيقة اعتباره؟ وكيف يكون الكتاب المجهول الاسم والمؤلف معتبراً؟
3 ـ بأي طريقة يروي الرجل ذلك الكتاب المجهول الذي سماه معتبراً؟ هل أخذه مناولةً؟ هل قرأه على راوٍ موثوق؟ هل يرويه هو بسند معين عن مؤلفه؟ لا شك أنه لم يحصل شيء من ذلك، غاية ما في الأمر أن الراوي يدّعي أنه (رأى في كتابٍ من الكتب).

4 ـ قوله: (روي مرسلاً): وهذه مرحلة أخرى من مراحل الإخفاء والتستر والتعتيم على الخبر، وهي علّة أخرى وطامة كبرى، فهو يجد في كتاب مجهول، لراوٍ مجهول، عبارة تدل على الجهالة أيضاً وهي بصيغة المبني للمجهول (روي مرسلاً) فلا يخرج الخبر من جهالة إلا إلى جهالة أعمق.
5
ـ قوله: (عن مسلم الجصاص): وهذه طامة أخرى وكذبة صلعاء لم يُحكم الراوي تسويقها، فهذا الرجل المزعوم لا وجود له من الأساس، ولا أثر له ولا عين طيلة أكثر من ألف سنة! ولم تذكره كتب التراجم الشيعية ولا السنية ولا غيرها. ولم يظهر اسمه إلا في هذا الخبر المزعوم، وكأنه خُلق ليروي هذا الخبر فقط، ولم نعرف بحاله ولا حال خبره الفريد إلا بعد أكثر من ألف سنة.
ويبدو أن هذا الرواي المزعوم ـ طبقاً للخبر المزعوم نفسه ـ من أصحاب النبي (ص)، ذلك أنه يقول واصفاً الحسين (ع) في الخبر المذكور: «أشبه الخلق برسول الله!»، وهذا يقتضي أنه رأى رسول الله (ص) وإلا كان من المفترض أنه يتكلم عن حسّ ومشاهدة، لا أنه يروي عن الإمام مثلاً، أو يروي عمن رأى رسول الله (ص).

وخلاصة الأمر في هذا القسم: أن هذا الخبر طبقاً للقرائن والشواهد التي ذكرناها، مدسوس في البحار، لا يُعلم من الذي دسه، ولا أصل له في مصادر الشيعة ولا السنة بالمطلق، وقد ظهر أيام الدولة الصفوية بعد عشرة قرون من واقعة الطف. وراويه مجهول الذات، بل مختلق لا وجود له في التاريخ بالمطلق.

المصدر:موقع الإجتهاد بتصرف